أعلنت الحكومة الهندية في 9 فبراير/ شباط 2023 عن اكتشاف له عواقب هائلة على البيئة في البلاد، وعلاقاتها الدولية والمشهد السياسي فيها، وهو مخزن طبيعي جديد من الليثيوم يحتوي على 5.9 مليون طن من هذا المعدن تقع في منطقة جامو وكشمير.
يحتل هذا المعدن غير الحديدي اليوم مكانة ذات أهمية غير مسبوقة في التجارة العالمية وجهود مقاومة التغيّر المناخي بصفته مكوناً أساسياً في بطاريات الليثيوم-أيون التي تستخدم في أغلبية السيارات الكهربائية المصنوعة حالياً، ولأهميته في تخزين الطاقة في أنظمة توليد الطاقة من المصادر المتجددة كالشمس والرياح. والآن، تستعد الهند لاستخراج هذا المعدن وتكريره، والبدء في إجراء مزادات الليثيوم لصالح الجهات الفاعلة الخاصة بحلول صيف عام 2023، وتقليل اعتمادها على واردات المعادن من الدول الأخرى، بالإضافة إلى تسريع تطوير قطاع السيارات الكهربائية الذي يعاني الكثير من المشكلات والاستفادة من مجال جديد واعد سيساعد البلاد على تحقيق أهدافها الداخلية المتعلقة بالتكنولوجيا النظيفة والطاقة النظيفة.
اكتشاف سيؤثر في تكلفة البطاريات
قال مسؤول تنفيذي في إحدى شركات البطاريات لصحيفة ذا برينت (the Print) الهندية إن الاكتشاف الجديد "سيؤثّر بشكلٍ كبير في تكلفة البطاريات، وسيسهم في خفض تكلفة السيارات الكهربائية". صرّح المدير المنتدب لمزوّد "الوقود البديل"، غرين فيول إنيرجي سولوشنز (Greenfuel Energy Solutions)، بأن "خطة الهند لزيادة اختراق السيارات الكهربائية للسوق بنسبة 30% بحلول عام 2030 تعتمد بشكلٍ كبير على الليثيوم"، ما يعني أن مخزون الليثيوم الجديد سيساعد على الأرجح في "خلق فرص العمل وتوليد الإيرادات". (اختراق منتج أو خدمة للسوق هو مقياس يحدد مدى استخدام هذا المنتج أو هذه الخدمة من قِبل المستهلكين مقارنة بالكمية المباعة المقدّرة للمنتج أو الخدمة). وصف أحد وزراء الحكومة الهندية الاكتشاف الجديد بأنه "سيغيّر قواعد اللعبة في مجال التنمية الاقتصادية في مدينة جامو والهند بأكملها".
اقرأ أيضاً: ما الذي يجعل من ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية أمراً لا مفر منه؟
وبالفعل، يحتوي المخزن الجديد على كميات هائلة من الليثيوم. تُقزِّم احتياطيات منطقة جامو وكشمير كميات الليثيوم الموجودة في معظم دول العالم. ويبدو أن هذه الاحتياطات، بالإضافة إلى مخازن الليثيوم الأصغر حجماً التي اكتُشفت قبل سنوات في ولاية كارناتاكا، ستمثّل ثروة محلية من مادة أساسية في مجالي تخزين الطاقة وإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، وهما مجالان عليهما طلب كبير حالياً. قد تتمكن شبه القارة الهندية، التي تقوم بشراء ما يصل إلى 80% من الليثيوم الذي تستخدمه من دول مثل الصين وتايوان والأرجنتين وأستراليا، من أن تمد نفسها بكميات كبيرة من هذا المعدن بعد هذا الاكتشاف.
لكن ما التفصيل الذي قد يعكّر صفو الهند بعد هذا الاكتشاف؟ ما عليك سوى ملاحظة موقع مخزن الليثيوم الجديد في الهند لتجد الإجابة.
إشكالية موقع اكتشاف الليثيوم الجديد في الهند
تعتبر منطقة جامو وكشمير المنطقة الأكثر عسكرة في العالم، كما أنها عانت عواقب أشدّ النزاعات السياسية التي حصلت في الهند لزمن طويل. من منتصف القرن العشرين حتى الآن، ومنذ أن اقتسمت الهند وباكستان الأراضي التي كانت تسيطر عليها الإمبراطورية البريطانية، حاربت الدولتان بعضهما لفرض سيطرتهما الكاملة على منطقة جامو وكشمير. مُنحت هذه المنطقة استقلاليتها باعتبارها الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند، ولكنها لم تُمنح حق تحديد المصير بالكامل.
اقرأ أيضاً: هل أصبح التغير المناخي مصدر خطر على الطاقات المتجددة أيضاً؟
بحلول ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، أدت النزاعات المتزايدة في الجزء الذي تديره الهند من المنطقة، التي تزامنت مع تدفّق المتمردين المرتبطين بالمجاهدين والذين تم تدريبهم من قبل المجاهدين إلى باكستان في أعقاب الحرب السوفيتية الأفغانية، إلى اندلاع العنف داخل المنطقة. واجهت الجماعات المسلحة التي قاتلت في سبيل ضم المنطقة إلى باكستان بالكامل أو من أجل الحصول على الاستقلال الكامل الجيش الهندي، الذي اتخذ إجراءات صارمة وشاملة عبر المنطقة. تصاعد هذا الوضع عندما ألغت حكومة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي (Narendra Modi)، ميزات الاستقلالية الخاصة التي تمتعت بها منطقة جامو وكشمير من طرف واحد في عام 2019، ما زاد من تأثير النفوذ الخارجي في المنطقة، وشدّة قمع الاحتجاجات فيها.
اقرأ أيضاً: كيف تساعدنا الطاقة الشمسية في مواجهة الكوارث المناخية؟
الخلفية السياسية في الاعتبار
لذلك، يجب النظر إلى الاكتشاف الجديد بأخذ هذه الخلفية السياسية في الاعتبار. ازداد وضع منطقة جامو وكشمير سوءاً منذ قرار الحكومة الهندية قبل ما يقرب من 4 سنوات. عزّزحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند سيطرته على الانتخابات في هذه المنطقة وأزال أصحاب الأعمال منها ودمّراقتصادها، كما أنه احتجز صحفيين مستقلين من المنطقة وفرض عدداً غير مسبوق من فترات قطع شبكة الإنترنت. حدث كل ذلك بينما تستعد المنطقة لإجراء انتخابات مهمة في المستقبل القريب. في صدفة لافتة للنظر، نشر وزير سابق في الحكومة الهندية مقالة حذّر فيها من أن "الوضع ليس مستقراً في منطقة جامو وكشمير" في اليوم نفسه الذي تم الكشف فيه عن وجود مخزن الليثيوم الطبيعي في المنطقة.
ما رأي سكان هذه المنطقة بهذا الاكتشاف الجديد؟ يشعر البعض بالحماس، وقد شجّعتهم التصريحات الحكومية التي أفادت بأنه سيتم منح الأولوية للعمال الشباب في مجال وظائف التعدين والتكرير، وبأن مبادرة التنمية الجديدة ستعيد إحياء الاقتصاد المحلي، وبأنه "سيتم تقديم التعويضات للمواطنين الذين قد 'يتأثرون' بالنشاطات المستقبلية، مثل عمليات الحفر وإنشاء البنى التحتية والعواقب الطبيعية المحتملة، وإعادة تأهليهم بشكل مناسب".
اقرأ أيضاً: بوت هائل جديد من إنترنت الأشياء قيد النمو، ولا أحد يعرف ماذا سيفعل بأجهزتنا
ولكن لا يشعر الجميع بالتفاؤل. قال قرويون شباب آخرون من بلدة راسي، وهي البلدة الخصبة في منطقة جامو وكشمير التي اكتُشف فيها مخزن الليثيوم، للصحيفة المالية موني كونترول (Moneycontrol)، إنهم قلقون بشأن العواقب السيئة المحتملة لتعدين الليثيوم على نطاق واسع على مناطق جبال الهيمالايا الغنية بالأنهار الجليدية وعلى التربة والأشجار والمزارع والموارد المائية وجودة الهواء ومحطات الطاقة الكهرمائية الموجودة في منطقة سالال-هايمانا وحولها. (تعاني بلدة راسي، مثلها مثل باقي المناطق الهندية، آثار التغيّر المناخي؛ إذ تتعرض المنطقة للزلازل المتكررة وفترات الجفاف والتعرية). قال الكثير من سكان هذه البلدة للصحيفة السابقة الذكر إن إدخال عمال المناجم والآلات إلى المنطقة قد يؤدي إلى استيلاء الحكومة على الأراضي بالنيابة عن الشركات التي ستعمل في هذا المجال، ما سيؤدي إلى تهجير السكان.
اقرأ أيضاً: لعنة التكنولوجيا الناقصة
نقل الكثيرون هذه المخاوف إلى المسؤولين الحكوميين، وعبّروا عن مخاوفهم الخاصة المتمثلة في أن إجراء عمليات التعدين سيؤدي إلى نشر المزيد من القوات الهندية في المنطقة لأغراض أمنية. هناك أيضاً جهات تتجاهل الحلول المدنية. أصدرت جماعة مسلحة باكستانية الأصل بياناً عاماً بعد أيام قليلة من اكتشاف مخزن الليثيوم حذّرت فيه من "الاستغلال الاستعماري وسرقة الموارد"، وهددت "بمهاجمة الشركات الهندية التي ستتجرأ على الدخول إلى منطقة جامو وكشمير غير المستقرة". تسببت الهجمات الإرهابية وحملات القمع الطويلة الأجل في إفساد البيئة الجميلة في كشمير بالفعل.
جدوى عمليات تعدين الليثيوم أيضاً
لا تقتصر المشكلة على أن الاندفاع للعمل على تعدين الليثيوم سيؤدي إلى تصعيد الاضطرابات المحلية ونهب الموارد، بل من المحتمل أن يكون غير مجدٍ أيضاً. صنّفت وكالة المسح الجيولوجي الهندية الحكومية، التي لفتت الانتباه العام لقضية الليثيوم، المخزن الجديدة على أنه من المستوى "جي 3"، ما يعني أن الباحثين لا يزالون في مرحلة "الاستكشاف الأولي"، وأنهم لم يحسموا بعد بعض التفاصيل المهمة. تتضمن هذه التفاصيل ما إذا كانت جودة معدن الليثيوم في المخزن عالية بما يكفي للاستخدام في مجال التصنيع التجاري، والفترة الزمنية اللازمة لاستخراج الليثيوم وتحضيره، وما إذا يبلغ إجمالي كتلة المخزون القابل للتعدين والاستخدام 5.9 مليون طن بالفعل عند الانتهاء من عمليات الاستخراج. كما أشارت بعض الصحف الهندية، تم استبعاد إمكانية توفّر الليثيوم في منطقة جامو وكشمير قبل نحو 25 سنة، واستغرق تغيير تصنيف الاحتياطيات رسمياً من جي 4 (التصنيف الذي يستوجب الاستطلاع) إلى جي 3 (التصنيف الذي يستوجب الاستكشاف الأولي) كل هذه الفترة. يجب أن يرتقي تصنيف المخزون بمقدار مستويين إضافيين قبل أن يتم استخراج الليثيوم منه. لا تشير هذه المعلومات إلى أن عملية استخراج الليثيوم ستكون سهلة وسريعة.
اقرأ أيضاً: الجهات التشريعية التقليدية غير قادرة على مواكبة العصر الرقمي
يعتبر الكثيرون أن مخزن الليثيوم الجديد هو معجزة ستبعث الحياة مجدداً في مساعي الهند المتعثّرة للتخفيف من أثرها السلبي في المناخ. مع ذلك، من المحتمل أيضاً أن يعزز الاكتشاف الجديد النوع نفسه من النزاعات المشحونة في مجالات مثل العدالة البيئية ومعايير العمل وحقوق الملكية واستقرار الحكومة، والذي تعاني منه الدول الأخرى الغنية بالليثيوم مثل بوليفيا والمكسيك وتشيلي، ناهيك عن المناطق الأصغر مثل الأراضي المقدّسة التي سُلبت عبر التاريخ من الأميركيين الأصليين. ترافق البحث عن الليثيوم واستخراجه في العالم بالنزاعات والعنف والاستغلال حتى قبل صعود التكنولوجيات الحديثة الرفيقة بالبيئة. قد يغيّر اكتشاف مخزن الليثيوم في منطقة جامو وكشمير مستقبل الهند، ولكنه قد يؤدي أيضاً إلى وقوع البلاد في الأخطاء نفسها التي وقعت فيها البلدان الأخرى.