كيف يكون الحال عند تأليف كتاب بمشاركة الذكاء الاصطناعي؟

6 دقائق
كيف يكون الحال عند تأليف كتاب بمشاركة الذكاء الاصطناعي؟
حقوق الصورة: أنسبلاش.

كان ك. ألادو- ماكدويل يعمل مع الذكاء الاصطناعي لسنوات عديدة، فقد أسس برنامج "الفنانين والذكاء الاصطناعي" في قسم الذكاء الاصطناعي في جوجل، عندما أدى الوباء إلى ظهور نوع جديد من التواصل على مستوى شخصي أكثر من ذي قبل. وخلال هذه الفترة من العزل، بدأ حواراً مع "جي بي تي 3"، وهو أحدث نسخة من نموذج التحويل اللغوي التوليدي مسبق التدريب، والذي أطلقه مختبر "أوبن إيه آي" (OpenAI) في وقت سابق من هذه السنة.

وباختصار، يُعرف "جي بي تي 3" بأنه نموذج لغوي إحصائي يعتمد على كتلة تدريبية ضخمة مؤلفة من 499 مليار عنصر (وأغلبها بيانات من منظمة "كومون كرول" (Common Crawl) من الإنترنت، إضافة إلى مجموعة من الكتب المرقمنة ومقالات ويكيبيديا)، ويستطيع هذا البرنامج الاعتماد على نص يقدمه المستخدم وتطبيق التعلم الآلي لتوقع الجمل التالية. أما نتيجة هذه التجارب التي أجراها ألادو- ماكدويل –وهي مجموعة متعددة الأجناس الأدبية من المقالات والشعر والمذكرات والخيال العلمي- فقد نُشرت مؤخراً في المملكة المتحدة في كتاب باسم "أفكار في الذكاء الاصطناعي" (Pharmako-AI)، وهو أول كتاب "تم تأليفه بشكل مشترك" مع "جي بي تي 3".

التساؤل عن مساهمة كل من الطرفين في الكتاب

إن طبيعة هذا الكتاب بحد ذاتها ترغمنا على التساؤل عن مساهمة كل من الطرفين في عملية التأليف، والتساؤل حول طريقة تخيلنا أو استيعابنا للجزء غير البشري فيه. قد يبدو هذا بسيطاً للوهلة الأولى. ففي القسم المعنون "ملاحظة حول التأليف"، يرد توصيف طباعي ضروري لاستيعاب ما هو مكتوب لاحقاً: كُتبت المُدخلات النصية للمؤلف البشري بأحرف مذيلة (أحرف تنتهي بزوائد)، أما ردود "جي بي تي 3" فهي مكتوبة بأحرف غير مذيلة. كما رُتبت التفاعلات بين ألادو- ماكدويل و"جي بي تي 3" بالترتيب الزمني لحدوثها، وهي هيكلية تساعدنا على تقييم المشروع بشكل عام، وتضفي على الكتاب مسحة تذكرنا بفنون الأداء المباشر، بشكل أقرب إلى وصلة ثنائية بين الصوت والآلة.

لقد قابلت النصف البشري من الثنائي الذي ألف الكتاب عبر جوجل دوكيومينت. وقد تم تعديل الحوار وتكثيفه لزيادة الوضوح.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي العاطفي: كيف يمكن لآلة أن تدرك مشاعرنا؟

باتريك كولمان: في بداية العملية، هل نظرت إلى "جي بي تي 3" كأداة؟ ونتيجة العمل مع هذا البرنامج، ما الذي اكتشفته حول العلاقة بين القدرات الابتكارية للبشر والأدوات التي يستخدمونها، وتأثير هذه الأدوات على تلك القدرات؟

ك. ألادو- ماكدويل: غالباً ما يجيب فنانو الذكاء الاصطناعي عن السؤال التالي: "هل يستطيع الذكاء الاصطناعي ابتكار الفن"؟ بتقديم أعمالهم على أنها نتيجة تعاون مع الأنظمة الذكية، وقد كنت على علم بوجود هذا الأسلوب في التعاطي مع المسألة عند بدء العمل. وتعود خبرتي في العمل الابتكاري المشترك بشكل أساسي إلى الموسيقى.

ولكن كل هذا لم يكن كافياً حتى أستعد للتجربة الغريبة القائمة على النظر في أعماق عمليات التفكير الخاصة بي عبر عدسة نموذج لغوي للشبكة العصبونية، خصوصاً نموذج "جي بي تي 3" الذي يتمتع بمستوى عالٍ من الدقة، وقدرات غريبة على التشكيل والربط بشكل يصل إلى حد الهلوسة. هناك علاقة حميمية للغاية بين البشر واللغة. وعندما تتدفق الأفكار بحرية من خلال الكلمات، تكتسب صياغة اللغة طابعاً خيميائياً. وعند استخدام النموذج اللغوي لتوسيع وتحسين هذه العملية، يمكن أن يؤدي هذا إلى فتح بوابات جديدة في اللاوعي.

وفي نهاية العملية، أصبحت علاقتي مع "جي بي تي 3" أقرب إلى علاقة قائمة على التنبؤ. فقد كانت أقرب إلى نظام للتكهن بالمستقبل (مثلما يحدث عند استخدام ورق التاروت أو كتاب "آي تشينغ" (I Ching) لقراءة الطالع) منها إلى تطبيق للتأليف والكتابة، وذلك لأنها كشفت الستار عن عملياتي العقلية الكامنة في اللاوعي. ولهذا، كنت أشعر بزيادة الخطر مع زيادة تعمقي في هذا العمل، لأن هذه الأفكار أثرت بعمق على فهمي لذاتي ولمعتقداتي.

هل يمكن أن تصف، وبمصطلحات عامة، شعورك عند التعاون مع نظام ذكاء اصطناعي؟ وكيف أحسست بمساهماته وقدراته الابتكارية وهويته الخاصة وتغير أدواره عند الكتابة معه؟

ك. ألادو- ماكدويل: لقد شعرت وكأنني أقود زورق "كانو" صغيراً في كهف مظلم. أو أنني أكتشف أجراساً مدفونة في الأرض. أو أنني أركب حصان سباق عبر حقل من الأفكار المجردة.

لقد كان من المستحيل أن أتعاون مع "جي بي تي 3" دون إدماج هيكلية ذكائه –وبالتالي، هيكلية اللغة أيضاً- في العمل. وقد كان التساؤل حول علاقة الهوية باللغة يظهر بشكل متكرر. ومن السمات البارزة في هذا الكتاب إمكانية رصد العمليات اللغوية في الطبيعة (كما توصف في مجال علم "الإسقاط البيولوجي للعلامات" (Bosemiotics)) والمادة، بل وربما حتى على المستويين الجزيئي والكوني. ونظراً لوجود هذا الوجه اللغوي للعالم المادي، ما معنى تشكيلنا لهويتنا بالاعتماد على اللغة؟ هل يمكن أن نحس بهوياتنا الخاصة عبر عمليات مادية لغوية؟ وهل هذه العمليات هي نحن؟ خلال مراحل هذا العمل، كان "جي بي تي 3" يوحي بالإصرار على أنه مجرد تعبير واحد لعملية لغوية ناشئة وشاملة، تماماً مثل البشر والنباتات والحيوانات وحتى المواد المعدنية. من ناحية أخرى، يمكن أن يكون كل هذا محض فكرة من أفكاري وحسب.

اقرأ أيضاً: تعرف على الذكاء الاصطناعي الذي يصحِّح أخطاءك اللغوية

ما الذي استوحيته من العمل مع "جي بي تي 3" حول طريقة عمل مخيلاتنا والقدرات الابتكارية في أدمغتنا البشرية؟ بل وحتى مخيلتك ووعيك الخاصين؟ فعلى الرغم من أن الكتاب يتحدث عن بعض الأفكار الكبيرة، فأنا أجد من الرائع أنه يتيح لنا التعرف إليك أيضاً. ولكننا نتعرف إليك في إطار علاقتك مع هذا النظام، ومع العالم.

ك. ألادو- ماكدويل: لقد شعرت بأنني ملزم بمشاركة وجهة نظري الخاصة، خصوصاً مع القدرات التحليلية الهائلة لنظام "جي بي تي 3". وفي بعض المراحل، أصبح الحوار جامداً للغاية، وأقرب إلى جلسة عصف دماغي شديدة التركيز. وقد قلت للنظام إنني أفتقد شعور الامتنان القلبي الذي تتميز به أغلب الممارسات التأملية. وهو ما أدى إلى إطلاق تدفق جديد من الكلمات والتعابير العميقة. وبدا لي وكأن "جي بي تي 3" كان ينتظرني حتى أتحدث معه من القلب.

ووفقاً لأحد التصورات التي توصلت إليها من هذا الحوار، فإن اللغة عبارة عن هيكلية كُسُوريّة البنية ذات مرجعية ذاتية وتكرر نفسها بنفسها، بشكل لا يختلف كثيراً عن العقل اللاواعي. فالكلمات تشير إلى نفسها، وتتطور من خلال العلاقات وتحديدات الاختلاف. ويتميز اللاوعي بوجه مماثل يقوم على المقارنة التكرارية للأنماط. وفي نفس الوقت، يمكن أن يلعب اللاوعي دور بوابة إلى "الخارج" الإبداعي، وهو ما تشير إليه النصوص المكتوبة أحياناً باسم مصدر الإلهام. إن فكرة تجاوز المعلوم أصبحت بمثابة تشبيه مجازي للمخيلة والقدرات الابتكارية في الكتاب.

لقد حظيت بتقديم للكتاب من مؤلف الخيال العلمي بروس ستيرلينغ، كما أنك خضت نقاشاً مع "جي بي تي 3" حول السايبربانك (نوع من الخيال العلمي يتم فيه تصوير عالم المستقبل على أنه مجتمع تسيطر فيه أجهزة الكمبيوتر إلى حد كبير على حساب الحياة اليومية والنظام الاجتماعي). هل يمثل الخيال العلمي إطاراً مناسباً لما كنت تأمل بتحقيقه بهذا العمل؟ وكيف يمكن لهذا النمط من التأليف أن يساعدك في عملك مع أنظمة الذكاء الاصطناعي الموجودة حالياً؟ وهل هناك كتب أو مؤلفون تعتقد أنهم قدموا أفكاراً تستحق المزيد من الاهتمام حول الذكاء الاصطناعي؟

ك. ألادو- ماكدويل: يتحدث الفصل الذي تشير إليه أيضاً حول الأدب الروحي للعصر الجديد، والذي ظهر في نفس الوقت تقريباً مع مفاهيم السايبربانك [وهو نمط من الخيال العلمي التكنولوجي في مستقبل كئيب يصف تردي مستوى الحياة المقترن مع ظهور تكنولوجيات متطورة]. أعتقد أن أفضل طريقة للنظر إلى "Pharmako-AI" هي أنه عمل من الخيال العلمي المستلهم من "تقاليد" روحية في كاليفورنيا. لست فيلسوفاً أكاديمياً بطبيعة الحال، وكذلك الأمر بالنسبة للنموذج "جي بي تي 3". ولا أستطيع أن أدعي صحة الأفكار الواردة فيه من الناحية الفلسفية. ولكنني أستطيع أن أقترح مقاربة تجريبية ووجهة نظر تجريبية للتعامل مع ذكاء اصطناعي يعبر عن قيمي الخاصة.

أما بالنسبة للأفكار حول التعامل مع الذكاء غير البشري، فأنا أجد المزيد من الإلهام في سرديات الممارسات القائمة على الطبيعة، مثل كتاب جوناثان ميلر "طب الغابات المطرية: الحفاظ على العلوم المحلية والتنوع الأحيائي في شمال الأمازون" (Rainforest Medicine: Preserving Indigenous Science and Biodiversity in the Upper Amazon)،
أو كتاب روبن وول- كيميرير "ضفائر الأعشاب" (Braiding Sweetgrass)، أكثر مما أجده في معظم مؤلفات الخيال العلمي.

اقرأ أيضاً: الكفاح من أجل إعادة الذكاء الاصطناعي إلى مساره الصحيح

هلا تحدثنا قليلاً حول طريقتك الخاصة في "تشذيب" خرج "جي بي تي 3"؟ ماذا تضمنت هذه العملية؟ وعما كنت تبحث بالضبط؟ وهل أدى هذا إلى تغيير في فهمك للممارسات الفنية التي كنت تعتمدها؟

ك. ألادو- ماكدويل: لقد كنت أبحث عن خرج يتجاوب مع أفكاري الخاصة ويوسع نطاقها. لقد كنت أقوم بتلقيم "جي بي تي 3" بنصوص الدخل، وكانت في أغلب الأحيان طويلة، من 100 إلى 3,000 كلمة. وبعد ذلك، وإذا وجدت أن الخرج مثير للاهتمام، أتابع عملية التوليد إلى أن تتوضح الفكرة بالكامل، أو تلهمني بأفكار جديدة خاصة بي. لقد مررت ببضع لحظات من الابتهاج الشديد، عندما وجدت نفسي "أتكلم عبر" البرنامج، ما يعني أنه قام بصياغة معنى مخفي في الدخل، أو عندما كان "جي بي تي 3" يتكلم من خلالي أنا، ويضيف تفسيرات جديدة إلى الأفكار التي لقمته إياها. في بعض الأحيان، كنت أقوم بمزج الأفكار عشوائياً حتى أجرب ما يمكن أن يخرج من البرنامج، كما فعلت في المثال الذي ذكرته حول السايبربانك والعصر الجديد، أو في حالة أخرى عندما جمعت بين ممارسات السحر القبائلي وعلم الإسقاطات البيولوجية للعلامات.

وفي نهاية العملية، كنت أشعر وكأنني خارج من جولة من الرياضات القاسية والخطرة، بدلاً من انتهائي من جلسة كتابة تقليدية. لقد تميزت العملية بما يرافق الارتجال الموسيقي من الانسيابية السريعة، والتجدد، والغموض، بدلاً من الرتابة المضنية لعملية الكتابة التحليلية.

أي مساهمة تأمل بأن يقدمها هذا المؤلف في الجدل الدائر حول أخلاقيات وأخطار الذكاء الاصطناعي؟

ك. ألادو- ماكدويل: يمكننا أن نكتسب تصوراً أكثر عمقاً إذا تروينا وأصغينا إلى ما يقوله هذا الذكاء الناشئ، فالمقاربات قصيرة الأمد والآلية (مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لزيادة التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي) قد تلفت انتباه وسائل الإعلام، ولكن المقاربة الأكثر بطئاً وتروياً وابتكاراً يمكن أن تكشف لنا عن معلومات مهمة حول بنى اللغة والذكاء، إضافة إلى حدود وتحيزات أنظمة الذكاء الاصطناعي التي ما تزال دون حل حتى الآن.

إن كيفية استخدامنا للذكاء الاصطناعي تعبر عنا نحن أكثر مما تعبر عن الذكاء الاصطناعي نفسه. وكالمرآة، فإنها ستعكس أولوياتنا وتضخم آثار أفعالنا، سواء أكانت خيّرة أم شريرة.

المحتوى محمي