جدل حول تأجيل الجرعة الثانية من اللقاح
قبل يوم واحد من نهاية العام الماضي قررت المملكة المتحدة رسمياً اتباع استراتيجية محفوفة بالمخاطر لمكافحة انتشار فيروس كورونا: ستكون الأولوية لتلقي أكبر عدد ممكن من الأشخاص الجرعة الأولى من اللقاح، بدلاً من توفير الجرعتين المطلوبتين لعدد أقل من الأشخاص خلال وقت قصير.
أثارت هذه الخطوة جدلاً واسعاً طوال الأسبوع الماضي في أوروبا والولايات المتحدة، إذ أعلنت السلطات الألمانية والهولندية أنها تدرس تطبيقها لاسيما وأنها حصلت على دعم من بعض الدراسات الأكاديمية البارزة. وفي المقابل، عبرت السلطات الأميركية عن رفضها اتباع النهج البريطاني-الأوروبي نهائياً.
يذكر أن اللقاحات التي حصلت على تصاريح للاستخدام حتى الآن في الولايات المتحدة وأوروبا هي لقاح شركة فايزر الذي تم تطويره بالتعاون مع شركة بيو إن تك (BioNTech) الألمانية، ولقاح شركة مودرنا الأمريكية. وقد حقق اللقاحان نسبة فعالية تقارب 95% بعد تلقي المتطوعين في التجارب جرعتين. أما لقاح (AZD1222) الذي طورته شركة أسترازينيكا بالتعاون مع جامعة أكسفورد البريطانية، فقد حقق نسبة فعالية في الاختبارات وصلت إلى 90%.
خيارات صعبة
بات من المؤكد أن معظم البلدان لن تمتلك جرعات كافية لإعطاء اللقاح لجميع سكانها على الفور، وتواجه بعضها خيارات صعبة حول كيفية توزيع الجرعتين المنفصلتين اللازمتين لمعظم اللقاحات الحالية.
لذا، فقد ظهرت فكرة أثارت جدلاً واسعاً على مستوى العالم: على الرغم من أن جرعة واحدة من اللقاح لن تكون فعالة تماماً، إلا أنها على الأقل ستوفر للمزيد من الناس درجة معينة من الحماية، مما يسهم في إبطاء الانتشار الكلي للعدوى بين السكان. وبالتالي فكرت عدد من الدول في صرف الجرعة الأولى بسرعة لأكبر عدد ممكن من الناس وتأخير الجرعة الثانية.
وذكرت الحكومة البريطانية، في بيان الأسبوع الماضي، أن اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين في البلاد نصحت بإعطاء الأولوية لتلقي أكبر عدد ممكن من الأشخاص جرعتهم الأولى، على أن يتلقى الجميع الجرعة الثانية في غضون 12 أسبوعاً. ويتخلف هذا التاريخ بشكل كبير عن الجداول الزمنية التي وضعتها الشركات المنتجة للقاحات، فالفاصل الزمني الموصى به بين الجرعة الأولى والثانية بالنسبة للقاح فايزر- بيو إن تك يبلغ 21 يوماً، بينما يصل إلى 28 يوماً بين جرعتي لقاح شركة موديرنا.
وذكرت اللجنة البريطانية، في تقرير أصدرته الأسبوع الماضي، أن فعالية الجرعة الأولى من لقاح فايزر- بيو إن تك على المدى القصير تبلغ حوالي 90%، بينما تبلغ فعاليتها حوالي 70% بالنسبة للقاح أكسفورد-أسترازينيكا. بيد أن دراسة مستقلة نشرت في دورية نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين (New England Journal of Medicine) توصلت إلى أن نسبة الفعالية بين الجرعتين الأولى والثانية في لقاح فايزر- بيو إن تك كانت 52% فقط.
أوروبا على خطى بريطانيا
بالرغم من تحذير بعض الخبراء من الأثار التي يمكن أن تترتب على مثل هذه التأخيرات، بما فيها فتح الباب أمام تطور الفيروس بشكل أسرع وظهور طفرات مقاومة للقاحات نتيجة التأخيرات الطويلة بين الجرعتين، إلا أن ثلاث دراسات جديدة نُشرت هذا الأسبوع في دورية (Annals of Internal Medicine) ركزت على المفاضلة بين السرعة والفعالية، اتفقت على أن اللقاح أحادي الجرعة -حتى لو كانت فعاليته أقل كثيراً- قد يمنح فائدة أكبر لشرائح أوسع من السكان، من اللقاح ثنائي الجرعة الذي تصل نسبة فعاليته إلى 95% ويتلقاه عدد أقل من الأشخاص.
ويبدو أن عدداً من الدول الأوروبية تفكر في السير على نهج بريطانيا، حيث أكدت وكالة رويترز للأنباء أنها حصلت على وثيقة توضح سعي وزارة الصحة الألمانية للحصول على رأي لجنة مستقلة بشأن ما إذا كانت يمكنها تأجيل الجرعة الثانية للقاح إلى ما بعد الحد الأقصى الحالي البالغ 42 يوماً. كذلك، طلب وزير الصحة الألماني، ينس سبان، من معهد روبرت كوخ -وهو الهيئة المكلفة بمكافحة الأمراض في البلاد- بدراسة إمكانية تأجيل الجرعة الثانية.
وتشير تصريحات العلماء الألمان خلال الأيام الماضية إلى أن الخطة البريطانية تحظى بنظرة إيجابية داخل ألمانيا. فقد قال توماس ميرتنز، رئيس لجنة التطعيم الدائمة (STIKO) في معهد روبرت كوخ: "بما أن الفترة الفاصلة بين الجرعتين يمكن أن تختلف على الأرجح ضمن حدود واسعة، وأن جرعة واحدة توفر حماية جيدة جداً بالفعل، فبالتأكيد يجدر بنا التفكير في إعطاء الأفضلية لحقن الجرعة الأولى في حالة نقص اللقاح".
وعلى نحو منفصل، وافقت الدنمارك، أمس الأول، على تأخير يصل إلى ستة أسابيع بين الجرعة الأولى والثانية من اللقاح. غير أن سورين بروستروم، رئيس هيئة الصحة الدنماركية قال إنه يجب اتباع الإرشادات الأصلية التي تنص على الانتظار ما بين ثلاثة إلى أربعة أسابيع فقط كلما أمكن ذلك.
بدورها، أكدت وزارة الصحة الهولندية، في تصريحات لشبكة يورونيوز، أنها أيضاً تسعى للحصول على رأي الخبراء بشأن إمكانية تأخير الجرعة الثانية من اللقاح.
اعتراض أميركي
في المقابل، عبرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) صراحة عن رفضها لتبني النهج البريطاني. وأضافت الهيئة، في بيان أصدرته أمس الأول: "لقد تابعنا المناقشات والتقارير الإخبارية حول تقليل عدد الجرعات، وإطالة المدة الزمنية بين الجرعات، وتغيير الجرعة (نصف جرعة)، أو خلط اللقاحات ومطابقتها من أجل تحصين المزيد من الأشخاص ضد مرض كوفيد-19. ومع أن هذه كلها مسائل معقولة لدراستها وتقييمها من خلال التجارب السريرية، إلا أن اقتراح إجراء تغييرات في الجرعات المصرح بها من إدارة الغذاء والدواء في هذا التوقيت هو أمر سابق لأوانه ولا تدعمه الأدلة المتاحة بشكل قوي. وبدون البيانات المناسبة التي تدعم مثل هذه التغييرات، فإننا نخاطر بشكل كبير بتعريض الصحة العامة للخطر، مما يقوض جهود التطعيم التاريخية لحماية السكان من كوفيد-19".