تأثير تقنيات الجيل السادس للاتصالات في بيئات العمل الرقمية المستقبلية

5 دقيقة
حقوق الصورة: shutterstock.com/one photo

تخيل بيئة عمل لم تعد تفرق بين العالم المادي والعالم الرقمي، حيث تنتقل البيانات بسرعات خيالية وتتكامل الآلات والأنظمة بذكاء اصطناعي فائق. هذا ليس محض خيال علمي بل هو المستقبل الذي تعد به تقنيات الجيل السادس التي من المتوقع أن تدمج النطاقات المادية والرقمية وتتيح فرصاً جديدة لبيئات العمل بطريقة لم يسبق لها مثيل.

بينما غيرت شبكات الجيل الخامس بيئات العمل الرقمية بشكل جذري من خلال مؤتمرات الفيديو والتعاون السحابي، فإن الجيل السادس يستعد لإحداث ثورة أكبر بكثير بتحويلها إلى تقنية متعددة الأغراض ستوسع الاتصال السلس وتتيح فرصاً غير مسبوقة. فما هو التأثير الحقيقي لتقنيات الجيل السادس في بيئات العمل الرقمية المستقبلية؟ وكيف ستعيد تشكيل مفهومنا للعمل والإنتاجية والابتكار؟

ما بعد الجيل الخامس: الجيل السادس يرسم ملامح بيئات العمل فائقة الاتصال

يمكن لشبكات الجيل الخامس الحالية توفير سرعات أعلى بكثير وزمن وصول أقل، ما يفتح آفاقاً جديدة لبيئات العمل الرقمية لتطبيقات مختلفة مثل مؤتمرات الفيديو عالية الدقة واتصال الواقع المعزز، ويتيح أشكالاً جديدة من التعاون والأتمتة. مع ذلك في الواقع العملي تواجه بعض القيود الملحوظة أهمها طيف الموجات المليمترية ذو النطاق المحدود للغاية وضعف اختراق الجدران.

نتيجة لذلك، عادة ما تغطي شبكات الجيل الخامس مساحة أصغر، إذ قد يختبر المستخدمون السرعات العالية إذا كانوا بالقرب من جهاز الإرسال، ولكن قد ينخفض مستوى ​​الأداء إلى مستوى شبكة الجيل الرابع في المناطق الأبعد، كما أن العديد من عمليات نشر شبكات الجيل الخامس تعمل عبر طيف شبكات الجيل الرابع الحالية (النطاقات المنخفضة أو المتوسطة)، ما يقدم تحسينات متواضعة فقط في الممارسة العملية.

لكن من ناحية أخرى، من المتوقع أن تقدم شبكات الجيل السادس التي قد تبدأ بالظهور عملياً بحلول عام 2030 تحسينات هائلة مثل سرعات في نطاق تيرابت في الثانية وزمن وصول يقاس بالميكروثانية، ما قد يطلق العنان لإمكانات جديدة في بيئات العمل الرقمية تعمل من خلالها على دمج العالمين الرقمي والمادي.

علاوة على ذلك، ستدمج تقنية الجيل السادس الذكاء الاصطناعي بعمق في الشبكة نفسها، إذ ستحسن الشبكات نفسها باستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وتتنبأ باحتياجات المستخدمين، إذ يصف الباحثون تقنية الجيل السادس بأنها نموذج شبكي موثوق مدعوم بالذكاء الاصطناعي ومصمم لتوفير اتصال غير محدود، وهو أمر بعيد كل البعد عن الشبكات الحالية.

اقرأ أيضاً: الجيل الخامس ما زال في المهد: لماذا كثُر الحديث عن شبكات الجيل السادس؟

تقنية الجيل السادس والتحول الرقمي في مكان العمل

من المتوقع أن تكون تقنية الجيل السادس تقنية متعددة الأغراض تتغلغل في جوانب الاقتصاد الرقمي كافة وتتيح مستويات أعلى من الكفاءة والأداء، وسيكون تأثيرها في بيئات العمل الرقمية عبر ثلاثة أبعاد رئيسية هي:

أولاً: فتح آفاق جديدة للعمل المرن

من أبرز سمات شبكة الجيل السادس الاتصال عالي الأداء في كل مكان، سواء في ناطحات السحاب في وسط المدينة أو في المصانع أو في الحقول الريفية أو في المركبات المتحركة، حيث سيبقى الموظفون والأجهزة على اتصال دائم، هذا يعني أن الشبكة ستكون قادرة على نقل البيانات إلى أي مكان وعلى أي جهاز، ما قد يمكن من إجراء مكالمات فيديو ونقل بيانات موثوقين وعالي الدقة.

ثانياً: أدوات التعاون فائقة الاتصال

مع زمن وصول شبه منعدم ونطاق ترددي واسع، سيعزز الجيل السادس إنتاجية القوى العاملة من خلال تمكين أدوات تعاون كثيفة البيانات والحوسبة. على سبيل المثال، يمكن لأنظمة الواقع الافتراضي والواقع المعزز بث عمليات محاكاة واقعية ووحدات تدريبية عند الطلب، أو يمكن للمركبات التواصل والتنسيق آنياً لتسهيل حركة المرور وتقليل التأخير.

ثالثاً: دفع عجلة الاكتشافات الجديدة

ستكون تقنية الجيل السادس بمثابة منصة للابتكار من خلال تمكين تقنيات وطرق عمل جديدة تماماً تستخدمها الصناعات لابتكار منتجات وخدمات غير ممكنة اليوم. على سبيل المثال، ستسمح تكنولوجيا التوائم الرقمية المتصلة بشبكة الجيل السادس للمدراء بمراقبة الأنظمة المادية والتحكم فيها عن بعد، أو يمكن للمستشفيات دعم الجراحة عن بعد فائقة السرعة والموثوقية، ما يوسع نطاق الوصول إلى الرعاية المتخصصة.

اقرأ أيضاً: اليابان تكسر رقمها القياسي السابق في سرعة نقل بيانات تتجاوز شبكة الجيل الخامس

ما هي أبرز التطورات الرئيسية التي ستميز تقنية الجيل السادس؟

تتميز تقنية الجيل السادس بالعديد من التطورات الأساسية التي تميزها عن سابقاتها والتي ستشكل أساس شبكات الجيل السادس وخدماتها، ومن أبرز هذه التطورات:

- تيراهرتز والطيف الموسع: من المتوقع أن تستخدم تقنية الجيل السادس ترددات أعلى بكثير من نطاقات الجيل الخامس الحالية، بما في ذلك نطاق التيراهيرتز، ما يتيح نطاقاً ترددياً هائلاً (عشرات أو حتى مئات غيغاهرتز) لنقل البيانات.

- الاستشعار والاتصالات المتكاملة: من الجوانب الجديدة لتقنية الجيل السادس قدرة الشبكات على التواصل واستشعار البيئة في آنٍ واحد، إذ ستستخدم إشارات الراديو ليس فقط لنقل البيانات ولكن أيضاً لاكتشاف الأجسام أو قياس البيئة المحيطة بطريقة تشبه نظام الرادار. على سبيل المثال، يمكن للمصانع الذكية المدعومة بشبكات الجيل السادس أن تستشعر تلقائياً حالة المعدات أو موقع العمال، ما يعزز الأتمتة والسلامة.

- الشبكات المدمجة بالذكاء الاصطناعي: من المتوقع أن تصمم تقنية الجيل السادس لتكون مدعومة بالذكاء الاصطناعي في جوهرها، ما يعني أن تكنولوجيات التعلم الآلي المتقدمة ستدير الموارد وتحسن توجيه حركة مرور الشبكة وحتى التنبؤ باحتياجات الصيانة دون تدخل بشري.

- بنية مفتوحة ومحددة بالبرمجيات: تماشياً مع المبادئ التي تدعمها الهيئات التنظيمية ومجموعات الصناعة، ستبنى تقنية الجيل السادس على بنية مرنة للغاية ومحددة بالبرمجيات، وستكون الشبكات مفتوحة وقابلة للبرمجة، ما يسمح للشركات والجهات الخارجية بنشر وظائف الشبكة المخصصة.

التأثيرات الرئيسية لتقنية الجيل السادس في بيئات العمل الرقمية المستقبلية

سيؤدي نشر تقنية الجيل السادس إلى ظهور العديد من التطورات والتحولات الكبرى في بيئات العمل الرقمية وكيفية عملها، ومن أبرز هذه التطورات:

إعادة تصور العمل عن بعد والعمل الهجين

ستجعل شبكات الجيل السادس العمل عن بعد أكثر سلاسة مما هو عليه الآن. على سبيل المثال، يمكن للموظفين الوصول إلى مكاتب الواقع الافتراضي عالية الدقة من المنزل أو بث محتوى الوسائط المتعددة الغامرة دون أي تأخير، إذ من المتوقع أن يتلاشى التمييز بين مفهومي المكتب المادي والافتراضي حيث سيبقى العاملون متكاملين تماماً مع أنظمة المقر الرئيسي.

الواقع المعزز والواقع المختلط في قلب بيئة العمل

ستصبح تقنيات مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي والواقع المختلط شائعة، إذ يمكن للمصممين مراجعة المنتجات في بيئات الواقع المختلط مع العملاء أو الموردين مباشرة، كما يمكن لروبوتات الوجود عن بعد أن تتيح للمدراء إجراء زيارات سريعة للمواقع من على بعد آلاف الأميال، ما سيؤدي إلى تقليل السفر بشكل كبير ما بدوره سيقلل انبعاثات الكربون.

اقرأ أيضاً: كيف نبني القيمة الاجتماعية الاقتصادية للاستفادة من تكنولوجيا الجيل الخامس؟

انتشار المصانع الذكية و الأتمتة الشاملة

ستنسق أجهزة الاستشعار والروبوتات المتصلة بشكل مستقل كيفية عمل المصانع. على سبيل المثال، يمكن لسلسلة توريد المصنع أن تدير نفسها ذاتياً وتطلب المخزون تلقائياً، كما سيكون التحكم الفوري بالآلات موثوقاً للغاية لدرجة أن الشركات ستتمكن من وضع مصانعها في مواقع نائية مثل المناجم تحت الأرض أو المنصات البحرية مع إدارتها مركزياً.

تغيير أماكن العمل المرتبطة بالمدن الحضرية

مع نشر المدن للبنية التحتية المتصلة بشبكات الجيل السادس، ستتغير أماكن العمل المرتبطة بالتخطيط الحضري، ما سيؤثر في أماكن عمل الموظفين، إذ قد تنتقل الوظائف من المراكز المركزية إلى مواقع أكثر توزيعاً أو مرونة نظراً إلى أن الخدمات الداعمة (مثل النقل والمرافق وحتى السلامة العامة) ستكون مؤتمتة بدرجة عالية.

فرص لا حدود لها للابتكار 

ستنشئ شبكات الجيل السادس قطاعات وأدواراً وظيفية جديدة كلياً، فكما ظهر مطورو التطبيقات مع الهواتف الذكية، يمكن توقع ظهور وظائف جديدة مرتبطة بتقنية الجيل السادس مثل منشئ المحتوى ثلاثي الأبعاد، كما ستبتكر الشركات خدمات يصعب تخيلها اليوم مثل جولات الواقع المعزز عند الطلب أو مساعدي الذكاء الاصطناعي الشخصيين الذين يعتمدون على الوصول الفوري إلى قواعد المعرفة العالمية، ما سينشئ فرص عمل ونشاطاً اقتصادياً جديداً.

الاستعداد لبيئة عمل رقمية أكثر اتصالاً من أي وقت مضى

في حين أن الفوائد الاقتصادية والمجتمعية لتقنيات الجيل السادس كبيرة، فإن تأثيرها التحويلي ينشئ تحديات تتطلب معالجتها بشكل استباقي، أهمها النزوح الوظيفي بسبب توقع زيادة عمليات الأتمتة المتقدمة، فمن المتوقع ظهور حالات إلغاء الوظائف للموظفين الذين لن يتمكنوا من تحديث مهاراتهم أو ترقيتها للتكيف مع البيئة التكنولوجية الجديدة.

كما تثير إمكانات معالجة البيانات المتزايدة والتكامل العميق مع أجهزة الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء تهديدات كبيرة للأمن السيبراني ومخاوف تتعلق بالخصوصية، إذ ستصبح حماية كميات هائلة من بيانات العملاء من الوصول غير المصرح به أو سوء الاستخدام أكثر أهمية، ما يستلزم بروتوكولات أمان قوية.

بالإضافة إلى العديد من التحديات، مثلاً من المتوقع أن يكون بناء تقنية الجيل السادس ونشرها مكلفاً، إذ ستحتاج الشركات إلى المزيد من القواعد والأقمار الصناعية وشبكات الألياف الضوئية لدعم الطيف والكثافة الجديدين.

اقرأ أيضاً: لماذا تنفق شركات التكنولوجيا الكبرى مليارات الدولارات لتطوير نظارات الواقع المعزز؟

بالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن تحدث تقنية الجيل السادس تغييراً جذرياً في بيئة العمل الرقمية وستفتح آفاقاً جديدة تماماً للتواصل والتعاون وممارسة الأعمال. ومع ذلك لتحقيق التأثير الكامل لها في بيئات العمل، ينبغي التخطيط مسبقاً لضمان أن تحقق إمكاناتها الهائلة، ما يمكن من إنشاء بيئات عمل مستقبلية أكثر اتصالاً وإنتاجية وابتكاراً من أي وقت مضى.

المحتوى محمي