يُنظر إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر (Green Hydrogen) والمعروف أيضاً باسم الهيدروجين المتجدد على أنه الأمل الكبير لاستبدال الوقود الأحفوري في القطاعات التي يصعب إزالة الكربون منها، حيث تدرك كلٌّ من الحكومات والقطاع الخاص أن الهيدروجين يعتبر الركيزة الأساسية لانتقال الطاقة المستدامة بالكامل.
كيف تنظر صناعة الطاقة والحكومات إلى الهيدروجين الأخضر الآن؟
أظهرت النجاحات الأخيرة لتقنيات الطاقة المتجددة أن السياسات والتكنولوجيا لهما القدرة على بناء صناعات عالمية للطاقة النظيفة، حيث يظهر الهيدروجين الأخضر كأحد الخيارات الرائدة في التحول إلى عالم أكثر استدامة وكبديل واعد للوقود الأحفوري.
فقد اعترفت العديد من الحكومات وصناعة الطاقة على حد سواء بأن الهيدروجين هو ركيزة مهمة لاقتصاد مستدام وكوسيلة لإزالة انبعاثات الكربون من الصناعات الثقيلة. على سبيل المثال، أعلنت مبادرة الأمم المتحدة لخفض تكلفة الهيدروجين الأخضر (Green Hydrogen Catapult) أنها ضاعفت تقريباً هدفها الخاص بالمحللات الكهربائية الخضراء من الـ 25 غيغاوات التي تم تحديدها العام الماضي إلى 45 غيغاوات بحلول عام 2027.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستغناء عن الوقود الأحفوري لصالح الطاقة المتجددة؟
كما اعتمدت المفوضية الأوروبية مجموعة من التشريعات والمقترحات لإزالة الكربون من سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي، من خلال تسهيل امتصاص الغازات المتجددة والمنخفضة الكربون بما في ذلك الهيدروجين، من أجل ضمان أمن الطاقة لجميع المواطنين في أوروبا.
كما تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على النمو بطموحها في هذا القطاع، حيث تهدف استراتيجية الهيدروجين الجديدة للدولة إلى الاحتفاظ بربع سوق الهيدروجين العالمي منخفض الكربون بحلول عام 2030. وأعلنت اليابان مؤخراً أنها تستثمر 3.4 مليار دولار في صندوق الابتكار الأخضر لتسريع البحث والتطوير والترويج لاستخدام الهيدروجين على مدى السنوات العشر القادمة.
اقرأ أيضاً:قطاع النفط والغاز: فرصة الهيدروجين النظيف للبلدان الغنية بالهيدروكربونات
الهيدروجين الأخضر بديل واعد للوقود الأحفوري
تعتبر عملية إزالة الكربون من الغلاف الجوي لكوكب الأرض من ضمن الأهداف التي حددتها البلدان في جميع أنحاء العالم وفقاً لاتفاقية باريس للمناخ، ولتحقيق ذلك فإن إزالة الكربون من عملية إنتاج عنصر مثل الهيدروجين والذي يؤدي إلى ظهور الهيدروجين الأخضر هي أحد المفاتيح، لأنها مسؤولة حالياً عن أكثر من 2% من إجمالي انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية، وهو ما يمثّل نحو 830 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، أي ما يعادل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في المملكة المتحدة وإندونيسيا مجتمعة.
اقرأ أيضاً: شركة ناشئة تسعى لزيادة كمية الطاقة في بطاريات السيارات الكهربائية
حيث تشير أحدث تقديرات وكالة الطاقة الدولية (IEA)، والتي نُشرت في نهاية عام 2019، إلى أن الطلب العالمي على الطاقة سيرتفع بنسبة تتراوح بين 25% و30% بحلول عام 2040، وهذا يعني بالنسبة لاقتصاد لا يزال يعتمد على الفحم والنفط أن هناك فرصة لإنتاج المزيد من غازات ثاني أوكسيد الكربون، ما يؤدي إلى تفاقم مشكلة تغيّر المناخ.
ونتيجة لذلك، فإن الطلب العالمي على الهيدروجين لاستخدامه كوقود قد تضاعف عدة مرات منذ عام 1975 ووصل إلى 94 مليون طن سنوياً عام 2021، بالإضافة إلى ذلك يعد الهيدروجين الأخضر مصدراً مهماً للطاقة النظيفة لا ينبعث منه سوى بخار الماء ولا يترك أي بقايا في الهواء، على عكس الفحم والنفط.
ومن ثم إذا تحقق هدف إزالة الكربون بحلول عام 2050، فهذا يعني ظهور عالم مختلف أكثر كفاءة واستدامة، وتقوده الطاقات النظيفة مثل الهيدروجين الأخضر الذي يعتبر العنصر الكيميائي الأكثر وفرة في الطبيعة، ما يعطي الهيدروجين أهمية أكبر. بالإضافة إلى ذلك، إذا انخفضت تكاليف إنتاجه بنسبة 50% بحلول عام 2030 كما يتنبأ مجلس الهيدروجين العالمي، فنحن ننظر بلا شك إلى أحد أكثر أنواع الوقود استدامة ووفرة في المستقبل.
اقرأ أيضاً: لماذا يمثل الهيدروجين الأخضر بديلاً جذاباً للوقود الأحفوري؟
مزايا وعيوب الهيدروجين الأخضر
على الرغم من أن الهيدروجين الأخضر يعتبر مصدرَ طاقة واعداً ويساعد في حل مشكلة تغيّر المناخ وتقليل الانبعاثات الكربونية، فإن له إيجابيات وسلبيات يجب أن نكون على دراية بها، ومن أهم إيجابياته:
- طاقة مستدامة: الهيدروجين الأخضر لا تنبعث منه غازات ملوثة سواء أثناء الاحتراق أو أثناء الإنتاج.
- قابل للتخزين: من السهل تخزين الهيدروجين الأخضر، ما يسمح باستخدامه لاحقاً لأغراض أخرى وفي أوقات أخرى بعد إنتاجه.
- متعدد الاستخدامات: يمكن تحويل الهيدروجين الأخضر إلى كهرباء أو غاز اصطناعي واستخدامه لأغراض تجارية أو صناعية أو في قطاع النقل.
ومع ذلك، يحتوي الهيدروجين الأخضر أيضاً على جوانب سلبية يجب أخذها في الاعتبار، منها:
- تكلفة عالية: استخدام التحليل الكهربائي المكلف لتوليد الطاقة من المصادر المتجددة والتي تعتبر أساسية لاستخدامها في توليد الهيدروجين الأخضر، ما يجعل الحصول على الهيدروجين الأخضر أكثر تكلفة.
- استهلاك عالٍ للطاقة: يتطلب إنتاج الهيدروجين بشكل عام والهيدروجين الأخضر بشكل خاص طاقة أكثر من أنواع الوقود الأخرى.
- قضايا السلامة: الهيدروجين عنصر شديد التقلب وقابل للاشتعال ولذلك يلزم اتخاذ تدابير سلامة واسعة النطاق لمنع التسرب والانفجارات.
اقرأ أيضاً: حقبة اقتصاد الهيدروجين ومستقبل العالم
أكبر الدول إنتاجاً للهيدروجين الأخضر
وفقاً للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) فرانشيسكو لا كاميرا (Francesco La Camera)، فإن الهيدروجين يمكن أن يثبت أنه الحلقة المفقودة لمستقبل طاقة آمن مناخياً، ويضيف ضمن تقرير أصدرته الوكالة عام 2022 حول مستقبل طاقة الهيدروجين بعنوان (الجغرافيا السياسية لتحويل الطاقة: عامل الهيدروجين): "من الواضح أن ظهور الهيدروجين الأخضر سيكون مغيراً لقواعد اللعبة لتحقيق الحياد المناخي دون المساس بالنمو الصناعي والتنمية الاجتماعية".
ويضيف أيضاً: "أن الهيدروجين الأخضر هو الذي سيجلب مشاركين جدد متنوعين إلى السوق، وسينوّع الطرق والإمدادات ويحوّل الطاقة من القليل إلى كثير، ومن خلال التعاون الدولي يمكن أن يكون سوق الهيدروجين أكثر انتشاراً وشمولية، ما يوفر فرصاً للبلدان المتقدمة والنامية على حد سواء".
اقرأ أيضاً: قد لا تظن ذلك: لكن للطاقات المتجددة أضراراً بيئية أيضاً!
كما أبرز التقرير أن الهيدروجين سيمثّل ما يصل إلى 12% من استخدام الطاقة العالمي بحلول عام 2050، ما يؤدي إلى ظهور قوى عظمى جديدة للطاقة، مع توقع أن يتم تداول أكثر من 30% من الهيدروجين على نطاق عالمي بحلول عام 2050، وهي حصة أعلى من الغاز الطبيعي اليوم. ومن أبرز الدول التي تنتج الهيدروجين الأخضر في الوقت الحالي هي:
الصين
أصدرت الصين أول خارطة طريق للهيدروجين عام 2016، كما أنها تستهلك وتنتج الهيدروجين أكثر من أي دولة أخرى حيث يبلغ استخدامها السنوي الحالي أكثر من 24 مليون طن. وعلى الرغم من أن معظم إنتاجها من الهيدروجين هو الهيدروجين الرمادي، لكن تم إنشاء أكثر من 120 مشروعاً لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مراحل مختلفة من التطوير منذ عام 2019.
كوريا الجنوبية
أشادت خارطة طريق الهيدروجين في كوريا الجنوبية لعام 2019 بالهيدروجين الأخضر باعتباره محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، حيث تهدف خارطتها لنشر 200 ألف سيارة كهربائية تعمل بخلايا الوقود (FCEV) بحلول عام 2025، كما أقرت العام الماضي قانون التعزيز الاقتصادي ومراقبة السلامة في الهيدروجين، والذي يعتبر أول قانون في العالم يهدف إلى تعزيز ونشر مركبات الهيدروجين، ومحطات الشحن وخلايا الوقود.
اقرأ أيضاً: منها محطات في الدول العربية: إليك أكبر 6 محطات للطاقة الشمسية في العالم
الولايات المتحدة
تعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر منتج ومستهلك للهيدروجين في العالم بعد الصين، حيث تمثّل 13% من الطلب العالمي. لديها العديد من المبادرات لدعم استهلاك الهيدروجين الأخضر، كما لديها قانون تم إقراره عام 2021 ينطوي على ميزانية تبلغ 9.5 مليار دولار لتعزيز وتطوير الهيدروجين الأخضر، وتسعى عبر مبادرة هيدروجين إيرث شوت (Hydrogen Earthshot) لخفض تكلفة الهيدروجين الأخضر إلى دولار واحد لكل كيلوغرام واحد في عقد واحد.
كندا
تعد كندا بالفعل واحدة من أكبر 10 منتجين عالميين للهيدروجين الأخضر، حيث أصبحت رائدة في تقنيات الهيدروجين وخلايا الوقود المبتكرة بعد سنوات عديدة من البحث والتطوير، وبفضل أنها ثالث أكبر منتج للطاقة الكهرومائية في العالم، فهي تعمل بشكلٍ كبير على الاستفادة من هذه الميزة في إنتاج الهيدروجين الأخضر. على سبيل المثال، تستخدم أكثر من نصف حافلات خلايا الوقود المنتشرة في العالم اليوم تقنية توليد طاقة خلية وقود الهيدروجين التي تم تطويرها في كندا.
اقرأ أيضاً: مصر تدخل سباق تصنيع الهيدروجين الأخضر
المنطقة العربية
في سلطنة عمان أعلن تحالف من شركات الطاقة عن مشروع بقيمة 30 مليار دولار والذي سيصبح أحد أكبر منشآت الهيدروجين في العالم، ومن المخطط أن يبدأ بناؤه عام 2028، وتشغيله بحلول عام 2038 بواسطة 25 غيغاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وفي الإمارات العربية المتحدة أُعلن عام 2021 عن إطلاق مشروع تجريبي هو أول منشأة هيدروجين خضراء تعمل بالطاقة الشمسية على نطاق صناعي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أعلنت المملكة العربية السعودية عام 2021 وكجزء من مشروع نيوم، عن استثمار نحو 5 مليارات دولار لبناء مصنع للأمونيا الخضراء يعتمد على الهيدروجين، والذي سيبدأ الإنتاج اعتباراً من عام 2025.