تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحافة والإعلام: الفرص والتحديات

3 دقائق

يتطوّر الذكاء الاصطناعي بسرعةٍ مذهلة، ويتخلّل كل جانب من جوانب الحياة، والصحافة ووسائل الإعلام ليست استثناء. في هذه المقالة سنتعرّف على أهم الفرص والتحديات التي تطرحها هذه التقنية في هذا المجال.

أتمتة التقارير

يساعد استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة على توسيع التغطية، مما يوفّر الوقت والجهد. وقد تمكّنت وكالة أسوشيتيد برس من زيادة تغطية التقارير الفصلية لأرباح الشركات إلى 4400 قصة بعدما كانت 300 فقط؛ أي بزيادة بلغت 15 مرة. وتستعين "واشنطن بوست" بروبوت مراسل يُدعى "هليوغراف بوت" (Heliograf bot)، استطاع إنتاج أكثر من 800 تقرير صحفي حول الألعاب الأولمبية الصيفية وانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، وبفضله فازت الصحيفة بجائزة التميّز في استخدام الروبوتات قبل عامين.

اقتراح وإنشاء القصص

على نحوٍ متزايد، سيتم تنسيق الأخبار التي نتلقاها عبر الإنترنت بناءً على سلوكنا وسماتنا، وستختلف عناصر الأخبار التي نراها عما يراها مَن نعرفهم. وقد بدأت شركات مثل فوربس تجربة نظام إدارة محتوى يرتكز على الذكاء الاصطناعي اسمه "بيرتي" (Bertie)، وهو نظام يساعد في اقتراح مواضيع ومقالات وصور للكتّاب، وحتى تجميع مسودات بسيطة. ويوفّر "بيرتي" موضوعات للتغطية وتوصيات لجعل العناوين تبدو جذابة واقتراح صور ذات صلة.

كما سيلعب الذكاء الاصطناعي دور الكاتب بشكل أوسع. وقد نشرت صحيفة "ذا جارديان" مقالات كتبها "ريبورتر ميت"، وهو روبوت يعمل على تحويل البيانات إلى تقارير نصية جاهزة للنشر، ووفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز" فإنّ ما يقرب من ثلث المحتوى الذي نشرته "بلومبرغ" يتم عبر أنظمة آلية دون الحاجة إلى العنصر البشري. كل ذلك يترافق مع توقّعات بأن يتمكّن الذكاء الاصطناعي من كتابة 90% من إجمالي الأخبار بحلول العام 2025.

السرعة في جمع البيانات

يمتلك الذكاء الاصطناعي قدرة فائقة على التفاعل الفوري مع البيانات وربطها بالخطوط العريضة للقصة. وفي حين أن كتابة التقارير الفصلية -كتقارير الأداء وغيرها- كانت تستغرق عادةً أسابيع من الجهد من قِبل فريق العمل الصحفي لصياغتها، فإنه يمكن للذكاء الاصطناعي الآن إعدادها في غضون ثوانٍ فقط.

كما تقوم وكالة رويترز، أحد أكبر مزودي الأخبار في العالم بتقديم خدمة تستخدم التعلّم الآلي لبناء وتحديث تصوّرات البيانات، وتتيح الوصول إليها بشكل أسرع.

محاربة الأخبار الزائفة

لحسن الحظ، يوفّر الذكاء الاصطناعي أدوات لمساعدة العاملين في مجال الصحافة على تحديد الأخبار الزائفة، منها "بوت سلاير"، وهو برنامج مفتوح المصدر ومتاح للجمهور، يعمل على مسح وكشف حسابات تويتر الوهمية، فاستخدام البوتات -وهي برامج تقوم بمهام متكررة- تعدّ ممارسة شائعة بشكل متزايد للتلاعب بالرأي العام من خلال خلق انطباعٍ خاطئٍ بأن الكثير من الناس يتحدثون عن موضوع معين.

كما يعتمد تطبيق "سمارت نيوز" على الذكاء الاصطناعي في تصفيته للأخبار الوهمية والزائفة؛ حيث يقوم بمقارنة الأخبار التي يجلبها بنمط الأخبار الوهمية، وفي حال وجود تطابق يتم وضع الخبر على أنه زائف.

إن ولادة تقنية توليد المحتوى المدعوم من الذكاء الاصطناعي سيشكل نقلة نوعية للصحافة، كما أن أدواته ستسهل على الصحافيين القيام بعمل أكثر دقة تحت الضغط كما يقول "روبرت وايس جرابر" كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة "إيه إكس سيمانتكس" (AX Semantics) في مقالة كتبها هذا العام. 

ولكن ماذا عن التحديات؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في السرد التالي.

المحدودية نتيجة قلّة البيانات

يعمل التعلّم الآلي بشكل أفضل عندما تتوافر بيانات كافية لالتقاط الأنماط والتعلّم منها، ففي حين يمكن للصحفيين أن يقارنوا ويتوصلوا إلى الاستجابات من خلال عدد قليل من التجارب المشابهة، فإن الذكاء الاصطناعى يتطلّب كميات كبيرة من البيانات لمعرفة ما يجب أن تكون عليه الاستجابة الصحيحة. ومن دون توافر هذه البيانات تكون قدرة الذكاء الاصطناعي محدودة.

تقويض الإبداع

الإبداع هو المفهوم الأساسي في الصحافة، الذي يعكس طريقة التفكير الإنسانية بما في ذلك الكتابة الإبداعية. لا تستطيع الخوارزميات صناعة الجوّ المطلوب لإلهام ردود أفعال القراء العاطفية، مثل الضحك أو التعليق على حادثة ما، ولا يمكن لها كذلك فهم ومراقبة التطورات غير المتوقعة؛ لذلك لا تزال المهارات التحليلية والإبداع مَيْزة يتفوق بها الصحفيون على الذكاء الاصطناعي.

غياب الوعي الذاتي

يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى القدرة على شرح مخرجاته: لماذا كتب ذلك؟ أو كيف وصل إلى نتيجة معينة؟ ينبغي التفكير في تصميم الذكاء الاصطناعي بطريقةٍ تجعله مسؤولاً أمام القرّاء.

قد تكون إحدى الطرق لتحقيق ذلك، تتمّ عن طريق السماح للقرّاء بضبط متغيرات الخوارزمية لمعرفة كيف تتغيّر النتائج وليعرف القرّاء ما إذا كانت القصة مؤلّفة من قِبل الذكاء الاصطناعي أو البشر.

تحيّز البيانات

يمكن للتحيّز أن يتسلّل قبل فترة طويلة من جمع البيانات، وكذلك في العديد من المراحل الأخرى من عملية التعلّم العميق، ويعتبرمن التحديات الكبيرة أمام الصحافة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. 

يقترح المدير السابق لصحيفة "ذا جارديان أستراليا" بول شادويك" إضافةَ بندٍ جديدٍ إلى أخلاقيات الصحافة مع تزايد برامج الذكاء الاصطناعي؛ لأنها لا تجمع المعلومات بأسلوب أخلاقي، وقد تؤدي إلى خلاصاتٍ خاطئة.

وفي النهاية، نحن لا نزال بعيدين من أن يصبح الصحفيون متقادمين، رغم زيادة الحديث عن إنجازات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام والصحافة. نعم، سيقوم الذكاء الاصطناعي بالكثير من التأثير في الحقل الإعلامي أسرع وأكفأ من البشر، لكن ماذا عن التحليل والتعليقات ومقالات الرأي؟ الذكاء الاصطناعي لم يصل إلى هذا المستوى بعد.

المحتوى محمي