تقرير خاص

تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي في الإنتاجية المهنية للبشر

11 دقيقة
تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي في الإنتاجية المهنية للبشر

قدّمت أوبن أيه آي للعالم تشات جي بي تي في أواخر عام 2022، فأصبحت إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي الشغل الشاغل للمؤسسات والشركات في شتى القطاعات.

عند تناولها مسألة صياغة استراتيجية فعّالة لإدارة المواهب، ركزت أغلب الشركات على سُبل الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لزيادة الإنتاجية. وهو توجه منطقي، خاصةً وأننا نتحدث هنا عن قيمة تُقدّر بتريليونات الدولارات. ولكنه ربما لا يكون التوجه الاستراتيجي النموذجي. فالقادة الذين يرغبون في اختيار الموهبة المناسبة في الوظيفة المناسبة عليهم أن يستوعبوا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يُغيّر نظرة الموظفين إلى خبراتهم المهنية.

استقصت ماكنزي مؤخراً رأي شرائح متنوعة من الموظفين في إطار بحث متواصل حول سُبل تحسين الشركات مشاركة موظفيها والاحتفاظ بهم واجتذاب أفضلهم من خارجها (انظر العمود الجانبي، "حول البحث"). وأسهم المشاركون بالعديد من الأفكار اللافتة التي قد تساعد الشركات على بناء قدرات المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.

  • من المرجّح أن تكون مجموعة المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي أوسع نطاقاً من إدراك الإدارة العليا في أي شركة، وهي مهيأة للنمو المتسارع. ولا تقتصر هذه المجموعة على المواهب التقنية مثل علماء البيانات، ومهندسي البرمجيات، والمختصين في التعلم الآلي، مع أهمية هذه الأدوار. فقد كشف الاستقصاء أن 12% فقط من المشاركين يندرجون ضمن هذه الفئة العالية التقنية من مواهب الذكاء الاصطناعي التوليدي. ويعمل الجزء الأكبر من المشاركين، أو 88% منهم، في وظائف غير تقنية تستعين بالذكاء الاصطناعي في إتمام المهام الروتينية. وتشمل هذه الوظائف المدراء في الإدارة الوسطى، والعاملين في الرعاية الصحية، والمعلمين، والإداريين، وغيرهم (الشكل 1).
  • وذكر 51% من المشاركين، الذين يعملون في مهن تقنية وغير تقنية ويقدّمون أنفسهم صناعاً للمحتوى بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي التوليدي وأنهم يعتمدون كثيراً على التكنولوجيا، أنهم يخططون لترك وظائفهم خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة. وهو خبر مقلق للمشاركين في الاستقصاء من المسؤولين التنفيذيين، الذين عبّروا عن رغبتهم في بناء مواهب الذكاء الاصطناعي التوليدي داخل الشركة؛ فمن الصعب إعادة توجيه مهارات موظفين وصقلها بينما يتطلعون إلى ترك الشركة.
  • أولئك الذين وصفوا أنفسهم بالمستخدمين الأساسيين للذكاء الاصطناعي التوليدي هم شريحة الموظفين التي تسعى الشركات لاجتذابها، لكنها شريحة لا تستمر في وظيفة أو تنجذب إليها بدافع العرض المالي الذي يقدَّم لها. فقد أظهر الاستقصاء أن هذه الشريحة تهتم بجوانب مثل المرونة والعلاقات والعمل الهادف واهتمام القيادة والصحة والرفاهة، أكثر من الجانب المتعلق بالأجر الذي ستحصل عليه.
  • وآخر النتائج، وربما أكثرها إثارة للدهشة، أن أغلبية المستخدمين والمبدعين في الذكاء الاصطناعي التوليدي يرون أنهم بحاجة إلى اكتساب مهارات معرفية واجتماعية عاطفية متقدمة المستوى حتى يتسنى لهم إنجاز عملهم، أكثر مما يحتاجون إليه من بناء المهارات التقنية. فمع تزايد اعتماد الموظفين على الذكاء الاصطناعي التوليدي في إتمام مهام العمل الروتينية، تتزايد أهمية المهارات الإنسانية، من قبيل التفكير النقدي وصنع القرار.
شكل 1

ولهذه النتائج تبعات واسعة النطاق وتأثير في الشركات التي تحاول جذب المواهب ورفع مستوى مشاركتها. فالشركات على أعتاب التعرض لتأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي إمّا بالتغيير الإيجابي أو السلبي في طبيعة العمل بها. وأمام القادة فرصة لإضفاء الطابع الإنساني على العمل، بتحديد مسارات وتوقيتات وآليات استعانة فِرق العمل بالذكاء الاصطناعي التوليدي، حتى ترفع عن كاهلها أعباء المهام الروتينية، وتتفرغ لأسلوب عمل أكثر إبداعاً وتعاوناً وابتكاراً، وهي رؤية اتفق معها المشاركون من مواهب الذكاء الاصطناعي التوليدي.

مَن المعنيون مهنياً بالذكاء الاصطناعي التوليدي؟

الشركة التي ترغب في الاستفادة من مكاسب الإنتاجية من الذكاء الاصطناعي التوليدي تأخذ في اعتبارها ذلك النطاق الواسع من المهارات المطلوب تمكينها بنجاح عبر إداراتها.

ومع تنوع فئات الموظفين الذين يمكن وصفهم بأنهم مواهب تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، نركّز على أربعة نماذج برزت في الاستقصاء على أساس حجم استخدامها للذكاء الاصطناعي التوليدي:

  • المبدعون: يساعد هؤلاء الموظفون على بناء نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي لشركاتهم وتطوير الأدوات والواجهات التي يستخدمها معظمنا للتفاعل مع هذه النماذج. وصُنّاع المحتوى (2% ممن شملهم الاستقصاء) هم في الغالب من مهندسي البرمجيات والمبرمجين وعلماء التعلم الآلي الذين يطوّرون الأدوات والواجهات التي يستخدمها معظمنا للتفاعل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي.
  • المستخدمون بكثرة: يستعين هؤلاء الموظفون بالذكاء الاصطناعي التوليدي في أداء معظم مهامهم الأساسية أو لإثراء تجربتهم المهنية. وتشمل فئة المستخدمين بكثرة (8% من العينة) مجموعة واسعة من الموظفين، بدءاً من المصممين الذين يسرعون بالذكاء الاصطناعي التوليدي عملية النمذجة ثلاثية الأبعاد، وصولاً إلى علماء البيانات الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي للتحقق من دقة دلالات لغة الترميز.
  • قليلو الاستخدام: يستخدم موظفو هذه الفئة الذكاء الاصطناعي التوليدي لأداء أقل من 50% من مهامهم الأساسية. ويمثّلون نحو 18% من العينة، ويشملون مدراء الإدارة الوسطى والمعلمين ومختصي الاتصال. فعلى سبيل المثال، يستخدم مدير الذكاء الاصطناعي التوليدي لوضع ملاحظات اجتماع أو للمساعدة على تفويض المهام، بينما قد يستخدمه المعلم في ابتكار أنشطة لفصل الدراسة. وربما يستخدمه الصحفي والكاتب للحصول على خط حقائق أساسي أو لمساعدته في كتابة مسودة أولى.
  • مَن لا يستخدمه: هي الشريحة التي لا تتأثر أو لا تدرك تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي في وظائفهم. وتشمل الأمثلة في عينتنا الممرضين الممارسين والعاملين في الرعاية الصحية المباشرة، بالإضافة إلى تجار التجزئة الذين يتعاملون مع المستهلكين مباشرة. وعلى الرغم من أن هؤلاء يمثّلون اليوم نحو 70% ممن شملهم الاستطلاع، فإننا نتوقع تحول أغلبهم إلى مستخدمين، مع تفاوت حجم الاستخدام، وتغير نطاق الذكاء الاصطناعي التوليدي واستخداماته.  

الأولويات المهنية للموظفين من حيث القيمة

كشفت تجربة جائحة كوفيد-19 عن تغير جذري في الأولويات المهنية للعديد من الموظفين. وأصبح الموظف يثمّن بدرجة متزايدة العناصر الخاصة بالعلاقات، مثل رعاية القادة واهتمام زملاء العمل، فضلاً عن معايير الصحة والرفاهة، أكثر من الأجر الذي يحصلون عليه (مع عدم إغفال أهميته). وفي عام 2021، شهدنا ما يُسمَّى بـ "الاستقالة الكبرى"، وقد أشار 40% من المشاركين في وظائف وقطاعات ومناطق مختلفة إلى أنهم يخططون لترك وظائفهم في الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة. وهي نسبة انخفضت منذ وقت إجراء الاستقصاء إلى 34%. 

لكن معدلات التفكير في ترك العمل ترتفع بين شرائح من الموظفين. فمن بين المبدعين والمستخدمين الكثيفين، وفق التصنيف أعلاه، أعرب 51% من المشاركين عن تخطيطهم لترك العمل خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة.

وعلى وجه التحديد، يتمتّع المبدعون والمستخدمون الأوائل بنطاق حرية أكبر عندما يتعلق الأمر باختيار وظيفة وصياغة مسارهم المهني. ويعتقد العديد من قادة الشركات أن أولئك الموظفين يغادرون العمل بمعدلات أعلى لأنهم يستطيعون الحصول على فرص أفضل في أماكن أخرى. ومع ذلك، فإن فحص عوامل القيمة المقترحة التي تظهر أكثر ما تظهر لدى هذه الشرائح يدحض قناعة مفادها أن الأجر هو المحفز الأساسي.

يوضّح الاستقصاء أن مبدعي الذكاء الاصطناعي التوليدي ومستخدميه بكثرة يعطون الأولوية للمرونة في بيئة العمل أكثر من إجمالي الراتب والمكافآت، ويبحثون عن الشعور بالانتماء والرعاية والموثوقية داخل مجتمع عملهم. فهم يبقون في وظائفهم عندما يتم منحهم المرونة، ويغادرون عندما يفتقدونها. ومن عوامل استبقائهم الأخرى العمل الهادف، ودعم الصحة والرفاهة، ووجود زملاء العمل الموثوق بهم والداعمين، وبيئة العمل الآمنة. وتشبه هذه التجربة ما يريده معظم الموظفين، مع استثناء واضح للغاية؛ وهو أن عنصر الأجور يظهر في أسفل القائمة (الشكل 2).

 

شكل 2

يظهر تحليل ماكنزي أن ارتفاع معدلات عدم الارتباط وعدم الرضا يمكن أن يُكلّف الشركات ملايين الدولارات سنوياً. وبشكلٍ عام، فإن التعامل مع سبب بقاء الموظفين أو رحيلهم يُعدُّ أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للشركات مع نمو استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي.

يكشف المزيد من التعمق في شريحة المستخدمين بكثرة والمبدعين الذين يبقون في وظائفهم أن 72% أفادوا بأنهم يشعرون بالانخراط في العمل، مقارنة بـ 63% في العينة الإجمالية. ومع ذلك، فإن 55% من المشاركين ذكروا أن الاحتراق الوظيفي وصل بهم إلى مستويات سريرية، وهو معدل أعلى بكثير من العينة العالمية البالغة 32%؛ أي أن الشركات قد لا تحصل على الإنتاجية وحجم المشاركة التي تتوقعها من هؤلاء الموظفين. 

كما تؤدي العناصر دوراً كبيراً في توجيه الموظفين إلى مناصب جديدة. وبالنسبة لقوة العمل على نطاق أوسع، فإن أهم أربعة عوامل وراء قبول الأشخاص وظيفة ما تتشابه مع سبب بقائهم فيها. ومع ذلك، بالنسبة لمستخدمي الذكاء الاصطناعي بكثرة ومبدعيه، هناك تركيز أقوى على العلاقات مع المدراء والزملاء، وعلى العلاقة بالمجتمع على نطاقٍ أوسع.

على وجه التحديد، يقول نصف عدد المشاركين إن الزملاء الموثوقين والداعمين يمثّلون لهم أهمية بالغة، وأكد نصف عددهم تقريباً أهمية رعاية القادة وإلهامهم. وذكر نحو اثنين من كل خمسة أن العمل الهادف والمجتمع الشامل محفز أساسي، يأتي قبل المرونة، واعتبروها ذات أهمية أساسية لأولئك الذين يبقون في وظائفهم. وعلى النقيض من المجموعة الأوسع نطاقاً من الموظفين حيث يعتبر الراتب ثالث أهم عامل جذب، فإنه بالنسبة لهذه الفئة من الموظفين يأتي الأجر في المرتبة السابعة كعامل محفز. لن يلتحق الموظف بالشركة لأجل المال فقط، ومن المؤكد أنه لن يبقى من أجله (الشكل 3).

شكل 3

الأكثر طلباً: المهارات المعرفية الإدراكية العاطفية الاجتماعية 

مع عمق التفاعل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي (أي التنقل بين مراحل عدم الاستخدام إلى الاستخدام الخفيف إلى الاستخدام المكثّف)، نجد اتجاهاً ثابتاً بين الموظفين، التقنيين منهم وغير التقنيين؛ فهم يصنّفون المهارات المعرفية الأعلى على أنها أكثر أهمية من المهارات التقنية. وحتى بين الموظفين التقنيين الذين يصنعون محتوى بالذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن 59% منهم يصنّفون المهارات المعرفية العليا على أنها الأهم بينما اختار 55% المهارات التقنية (الشكل 4).

شكل 4

وفيما يتعلق بالمهارات الاجتماعية والعاطفية، يظهر اتجاهان مثيران للاهتمام. الاتجاه الأول هو أن معظم المواهب التقنية ترى أن أهمية المهارات الاجتماعية والعاطفية تزداد مع زيادة استخدام هذه الشريحة للذكاء الاصطناعي التوليدي، في حين تشير المواهب غير التقنية إلى نقيض ذلك. والاتجاه الثاني هو أن المبدعين الذين يعتبرون أنفسهم موهبة تقنية يولون أهمية أقل للمهارات الاجتماعية والعاطفية، مثلهم مثل غير المستخدمين. 

في المحصلة، يبدو أنه عندما يصبح الموظفون أكثر انخراطاً في التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي، يبتعد تركيزهم عن المهارات الاجتماعية العاطفية، ما لم يكونوا في مناصب تقنية بالأساس. وربما لا يدرك الموظف مدى تغير طبيعة وظيفته فيما يتعلق بإدارة الأفراد والتفاعل معهم، خاصة ما يتصل بأهمية صقل المهارات الاجتماعية والعاطفية الأساسية.

توجه الشركات إلى بناء مواهب التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي داخل إداراتها

تسعى العديد من الشركات حثيثاً إلى إيجاد سبيل فعال لحل مشكلة العرض والطلب لجهة مواهب التعامل مع الذكاء الاصطناعي. وتوصل استقصاء المسؤولين التنفيذيين إلى أن معظم الشركات والمؤسسات تخطط لبناء قدراتها في هذا المجال داخلياً، بصقل المهارات وإعادة توجيه مهارات أخرى مع تمكين المواهب، مقارنة بالسعي إلى التعهيد الخارجي (الشكل 5). ونظراً لانتشار نماذج الموظفين هذه في الشركات وسوق العمل على نطاقٍ أوسع، فقد يكون من الأفضل الاستعانة بشرائح فرعية، مثل المبرمجين ومهندسي البرمجيات، توظيفاً، وعندئذ تستفيد بقية الشرائح، مثل المختصين في إثراء تجارب العملاء بدرجة أكبر، من خلال صقل المهارات وإعادة توجيه المهارات بما يؤدي إلى سد هذا الاحتياج.

شكل 5

أمّا مكمن المشكلة هنا فهو أنه إذا أرادت الشركة بناء مهارات التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي لدى موظفيها الموجودين بالفعل، فإنها مضطرة إلى الاحتفاظ بالموظفين الذين أشاروا،

وفقاً للاستقصاء، إلى أنهم يخططون لترك الشركة خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة.

ولطالما بقيت هذه الفجوة بين ما يعبّر عنه الموظفون وما ترغب الشركة في تقديمه لهم أمراً جوهرياً في تجارب بيئة العمل منذ تفشي الجائحة. وقد توصلت أبحاثنا حول اتجاهات المواهب إلى أن الموظفين يبحثون دائماً عن المرونة والعمل الهادف، ويريدون أن يشعروا بالتقدير والمشاركة.

وعند تعيين شريحة كثيفي الاستخدام وصُنّاع المحتوى من خلال الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تعتمد عليها العوامل الأكثر أهمية، نرى أن تركيزها على جوانب العلاقات مماثل إلى حد كبير لما عبّرت عنه عينة الاستطلاع الأوسع نطاقاً. وهنا، نجد أن الحاجة إلى رعاية الأسرة هي العامل الذي يمثّل أكبر زيادة في الأهمية، في حين يأتي عامل الأجر في ذيل القائمة. 

بالإضافة إلى ذلك، تتزايد أهمية عوامل من قبيل الشعور بتقدير المدير، والحصول على فرص التطوير المهني، والإحساس بالقيام بعمل هادف. ومن ناحية أخرى، فإن فرص التقدم المهني لا تحظى بتلك الأهمية الكبيرة، ما يشير إلى وجود أوضاع مميزة لمَن يعمل في وظيفة عالية التقنية، ويتعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي إما بصنع محتوى أو استخدام مكثف في إتمام المهام (الشكل 6).

شكل 6

ما من شك في قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على زيادة إنتاجية الأفراد وقوة العمل؛ وهو ما قد يعني أتمتة نحو 30% من عمليات الشركات عبر شتى شرائح الوظائف في أفق عام 2030.

دور الإدارة العليا تجاه فجوة الاحتياج 

ما من شك في قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على زيادة إنتاجية الأفراد وقوة العمل؛ وهو ما قد يعني أتمتة نحو 30% من عمليات الشركات عبر شتى شرائح الوظائف في أفق عام 2030. 

وهنا، ينبغي للإدارة العليا في تلك الشركات الإجابة عن ثلاثة أسئلة أساسية تتعلق بمستقبل قوة العمل لديها تحت تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي: 

كيف يمكننا إعادة صياغة توصيف الوظائف لتكون أكثر تركيزاً على العنصر البشري؟

لتكن البداية بتحديد مهام الموظفين، ومهام الذكاء الاصطناعي التوليدي، وآلية إدارة الموظفين لزملائهم واستخدام الذكاء الاصطناعي نفسه. وستكون المهارات التقنية، مثل البرمجة، هي أساس عديد من الوظائف، لكن المهارات الاجتماعية العاطفية والمهارات المعرفية العليا ستكون بمثابة عوامل تُميّز العمل الإبداعي والتعاوني مستقبلاً. وربما يعني هذا المزيد من الاجتماعات أو مسارات أخرى تمكن الموظفين من المشاركة بأكثر الطرق إنتاجية.

إن الموظفين الذين يؤدون عملهم بمستويات عالية تلهم الآخرين، من الفئة التي تُسمّى "النجوم الناجحة"، يساعدون على تحفيز التعاون والابتكار وصنع قرارات أفضل. لكنهم لا يشكّلون سوى أقل من 4% من عدد الموظفين في الشركات. وندرة هؤلاء الموظفين هي التي تفرض تعيينهم في مناصب من شأنها تعزيز الأداء العام لبيئة العمل.

كيف نُعيد تعريف قابلية المرونة؟

مع تغير طبيعة الوظائف، أصبح من الضروري أن تُقيِّم الشركة مردود الموظف وفقاً للنتائج التي حققها، وليس عدد الساعات التي أمضاها في العمل. ويجب أن يتغير معيار الإنتاج. فعلى سبيل المثال، قد تكون بعض التعليمات البرمجية المكتوبة أطول، ولكنها قد لا تكون بالضرورة أفضل أو أكثر سهولة عند التنفيذ والاستخدام.

ومع قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على رفع كفاءة الأداء الوظيفي، هل يمكن لعمل هادف يستغرق أسبوعاً أن يتحقق في غضون أقل من 20 ساعة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل لا يزال أسبوع العمل المكون من 40 ساعة هو المعيار السليم؟ بدلاً من ملء ساعات العمل بالمهام للوصول إلى رقم محدد في أسبوع معين، يمكن للشركة التركيز على طرق التأكيد على الجانب المميز والإبداعي من الوظيفة بما يجعلها ذات هدف. ويمكن للوظائف التي توفّر مساحة للمسة البشرية أن تيسر وجود قوة عمل أكثر تفاعلاً وإنتاجية.

كيف نجيد فن الإصغاء؟ 

هذا من المفاهيم الأساسية التي تجد الشركة صعوبة في تطبيقها، ونقصد بذلك التشاور مع الموظفين بدلاً من قيادتهم بافتراض موافقتهم. يساعد الحوار المتواصل على حل المشكلات استباقاً مع رفع المعنويات. وهو يكتسب أهمية خاصة مع توسع شريحة المواهب التي تتعامل مع الذكاء الاصطناعي.

لقد أعربت أغلبية المشاركين في الاستقصاء عن حماسها لتمكين الذكاء الاصطناعي التوليدي في عملها، على الرغم من أن نحو 4% يبدون قلقاً بشأن تأثير ذلك في وظائفهم (ترتفع هذه النسبة إلى 7% بين الموظفين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً). ويمثّل هذا القلق فرصة للإدارة العليا حتى تشرك الموظفين في مناقشة التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي التوليدي.

ولتوضيح مدى صلة هذه التحولات بقوة العمل اليوم، نقدّم مثالين لوظيفتين غير تقنيتين تتعاملان مع الذكاء الاصطناعي التوليدي: أخصائي الاتصال ومدير بالإدارة الوسطى.

مساحة زمنية أوسع للابتكار والتعاون 

اليوم، تُعدّ أخصائية الاتصال في أي شركة كبيرة من مستخدمي الذكاء الاصطناعي التوليدي بكثافة. واشتملت مهام وظيفتها على إجراء مقابلات مع المسؤولين التنفيذيين وتجميع أفكارهم تمهيداً لصياغة كلمات ونقاط حوار ورسائل بريد إلكتروني وغيره من محتوى الاتصال بالمعنيين داخل الشركة وخارجها. ويقاس أداؤها بعدد الرسائل التي نفذتها وجودة النصوص (المحتوى) التي تقدمها.

اعتادت إرسال الأسئلة إلى المسؤولين التنفيذيين مبكراً، ومن ثَمَّ تحديد مواعيد سلسلة من المقابلات، وهي مهمة قد تستغرق عدة أسابيع. لكنها اليوم قادرة على تلقيم المقابلات المسجلة لروبوت دردشة الذكاء الاصطناعي التوليدي، فتحصل منه على ملخص ملاحظاتهم في ثوانٍ.

سيكون عليها مراجعة هذا النص وتحريره، لكن مجمل العملية أسرع بكثير. فمن قبل، كانت تقضي 60% من وقتها في تجميع المواد، فلم تعد هذه المهمة تستغرق من وقتها سوى 10%، ما يُتيح لعقلها التفكير استراتيجياً في الرسالة التي تهدف الكلمة إلى نقلها وتحديد وسيط التواصل الأشد فاعلية. كما سيكون لديها المزيد من الوقت لتوطيد العلاقات مع الصحفيين الذين يغطون أخبار القطاع، وهو ما قد يعني تغطية صحفية أفضل لأخبار الشركة، وربما تجد وقتاً لمساعدة مديرة الموارد البشرية على تأليف ذلك الكتاب الذي تتوق للبدء فيه.

وتزيد هذه الكفاءة المكتسبة من التعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي الإنتاجية، وتشجّع على المزيد من التفكير الابتكاري، وتوفّر وقتاً لاجتماعات مع الدوائر الرئيسية، ما يعود بالفائدة على الموظفة وفريقها والشركة. فالقيمة التي تضيفها إلى الوظيفة أصبحت الآن مختلفة تماماً.

إدارة الأفراد وإدارة الذكاء الاصطناعي التوليدي 

هذا أحد المدراء في الإدارة المتوسطة بإحدى الشركات، ويقدّم لنا نفسه بأنه منشئ محتوى غير تقني عبر الذكاء الاصطناعي التوليدي. وفي الوقت الحالي، أفاد المدير بأنه يقضي نحو نصف وقته في المهام الفردية والإدارية ونحو ربع وقته في الأنشطة المتعلقة بالأفراد. وفي عالم يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، يمكنه تقليل عدد الساعات التي يقضيها في الأنشطة غير المتعلقة بالأفراد وإعادة تخصيص ذلك الوقت لدعم التقارير المباشرة والانخراط في مناقشات استراتيجية أوسع.

عندما تبدأ فرق العمل في استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي ليساعدها على تفريغ قدراتها في مجال آخر، تتطور وظيفة المدير في الإدارة الوسطى لتشمل إدارة الأفراد وإدارة استخدام هذه التكنولوجيا لتعزيز مخرجاتهم. بمعنى آخر، سيصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي بمثابة فرد آخر في فريق العمل. وكما الحال مع مرؤوس مباشر يحتاج إلى تدريب مكثّف ليؤدي عمله بكفاءة وسرعة، يحتاج الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى مزيد من التوجيه وإتاحة فرصة أكبر للمشاركة؛ في البداية على الأقل، وربما لفترة أطول.

وأخيراً، من أدوار المدير الجوهرية ضمان إضفاء الطابع البشري على العمل. فمع تغير طبيعة المهام والوقت المخصص لها، والانتقال من التركيز على العمليات إلى التركيز على النتائج، يصبح المدير العامل الحاسم في تحديد ما إذا كانت الشركة تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي في الارتقاء بأداء الأفراد أم لا. كما أن الاطلاع المستمر على أفكار ورغبات فريق العمل يزيد من فرص قيام المدير بدوره في توفير وظائف ذات طابع بشري تعاوني أكبر. وحتى يتسنى له إعداد الأفراد، يمكن للمدير تشجيع موظفيه على إدراك أهمية أفكارهم ورؤاهم ومساهماتهم الإبداعية للشركة، مع تطور استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي.

أدّى تفسخ العلاقة بين الإدارة العليا بالشركة وموظفيها إلى مستوى عالٍ من السخط وعدم الرضا بينهم، ما يؤثّر في الشريحة التي تتعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي عن كثب، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالاحتراق الوظيفي. ولدى الشركة التي ترغب في الاستفادة من مكاسب الإنتاجية التي كفلها الذكاء الاصطناعي التوليدي فرصة تبديد مخاوف هذه الشريحة سريعة التوسع بشأن طبيعة العمل. ومن المرجّح أن تكتسب الشركة، التي تولي أهمية للمهارات البشرية أكبر من التنافس على زيادة الإنتاج، ولاء موظفيها بما يثمر مستوى أعلى من الأداء على المدى الطويل.

المحتوى محمي