كيف ستغير أجهزة إنترنت الأجسام حياتنا؟

5 دقائق
إنترنت الأجسام
حقوق الصورة: بيكساباي.

إذا كنت من المهتمين بالتكنولوجيا، فلا بد أنك سمعت من قبل عن مصطلح إنترنت الأشياء Internet of Things (IoT)، الذي يشير إلى إطار تقني يضم كل الأجهزة والأدوات الموجودة في العالم حولنا والتي بإمكانها جمع وإرسال ومعالجة البيانات التي تلتقطها من بيئتها المحيطة، عن طريق أجهزة استشعار مُدمَجة ومعالِجات ووسائط اتصال. ولكن ماذا لو كان العالم بالنسبة لهذه الأجهزة هو أجسامنا، حينها يظهر لنا مصطلح جديد تماماً هو إنترنت الأجسام Internet of Bodies (IoB).

ما هو إنترنت الأجسام (IoB)؟

يقول الباحثون بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) إن "إنترنت الأجسام عبارة عن شبكة من الأشياء الذكية التي يمكن ارتداؤها وزراعتها وهضمها وحقنها، والتي تسمح بالاتصالات داخل وخارج الجسم. على سبيل المثال، يمكن ربط الساعات الذكية والأحذية الذكية وأجهزة تنظيم ضربات القلب وأجهزة القوقعة الصناعية المزروعة في الجسم لمراقبة مؤشراتنا الحيوية"، وهي امتداد لنطاق إنترنت الأشياء الواسع.

وفي دراسة منشورة في شهر يوليو الماضي، في دورية (IEEE Internet of Things) التي تصدر عن معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات، قال الباحثون أحمد الطويل وخالد سلامة وعبد القادر شليك، إن شبكة إنترنت الأجسام يمكن أن تُحدث ثورة في البنية التحتية الحالية للصحة والسلامة العامة، لاسيما في ضوء الأزمة الصحية والاقتصادية الأخيرة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد.

اقرأ أيضاً: علماء يعملون على إنشاء نسخة بيولوجية من إنترنت الأشياء

أجهزة إنترنت الأجسام

تطورت تكنولوجيا إنترنت الأجسام بسرعة، خلال الأعوام القليلة الماضية، لتؤدي عدداً من الوظائف الطبية والاستهلاكية، وظهرت شركات ناشئة متخصصة في تطوير هذه الأجهزة، مثل شركة كير بريديكت (CarePredict) الأميركية، التي طورت سواراً للمعصم يتتبع التغيرات البسيطة في الأنماط السلوكية لكبار السن التي تسبق السقوط وسوء التغذية والاكتئاب، كما يمكنه أيضاً إرسال إشارات استغاثة سريعة.

إنترنت الأجسام
حقوق الصورة: أنسبلاش.

ويمكن أن نقسم الأجهزة المتضمنة في شبكة إنترنت الأجسام إلى ثلاث فئات:

1- أجهزة خارجية: يتم ارتداؤها أو توصيلها بجسم الإنسان. وتعمل على جمع البيانات ونقلها بناءً على الاتصال الجسدي، من خلال أجهزة الاستشعار والرؤية الحاسوبية. ومن أبرز الأمثلة على هذه الأجهزة الساعات الذكية وأجهزة تتبع اللياقة البدنية بشكل عام، بما فيها أساور قياس درجة الحرارة، وأجهزة مراقبة الأطفال وكبار السن.

2- أجهزة داخلية: توضع هذه الأجهزة داخل جسم الإنسان. وقد يتم تناولها أو زراعتها عن طريق الجراحة. ومنها على سبيل المثال، أجهزة القوقعة التي تُزرع في الأذن، والعدسات اللاصقة التي تستخدم في الواقع المعزز، وأجهزة تنظيم ضربات القلب الإلكترونية، والحبوب الذكية.

3- أجهزة مدمجة: في هذه المرحلة يمكن دمج الأجهزة الإلكترونية بالكامل مع جسم الإنسان، والعمل معاً مع الحفاظ على اتصال عن بُعد في الوقت الفعلي. وتتضمن هذه الفئة البنكرياس الصناعي، والوشوم الإلكترونية، والأطراف الصناعية الذكية.

وتشير دراسة أصدرتها مؤسسة الأبحاث الأميركية "راند" إلى أن البرمجيات أو القدرات الحاسوبية في أجهزة إنترنت الأجسام قد تكون بسيطة جداً، بحيث تقتصر على بضعة أسطر من الرموز البرمجية، تستخدم لإعداد شريحة دقيقة مزروعة في الجسم، أو معقدة جداً على شكل حاسوب يُعالِج الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التعلم الآلي. وتوضح الدراسة أن الأجهزة غير المتصلة بالإنترنت، مثل أجهزة مراقبة القلب العادية، أو أساور تحديد الهوية الطبية، ليست مشمولة ضمن أجهزة إنترنت الأجسام، لأنها وعلى الرغم من أنها تُغير وظيفة الجسم من خلال السماح للمستخدم باستشعار الاهتزازات الكهرومغناطيسية، إلا أنها لا تحتوي على برمجيات ولا تتفاعل.

اقرأ أيضاً: جامعة إم آي تي تطور نظاماً قد يجعل أجهزة إنترنت الأشياء أكثر ذكاءً

تطبيقات طبية واستهلاكية متنوعة

كما يتضح من نوعيات الأجهزة التي ذكرناها هنا أن الغالبية الساحقة من التطبيقات الحالية والمستقبلية تدور في فلك الرعاية الصحية، فقد أدى التقدم السريع في مجال التكنولوجيات الطبية وعلم البيانات على مدار العقد الماضي إلى تطور كبير في الأجهزة الطبية المتصلة بالإنترنت، والتي تَعِد بتوفير بيانات أفضل وأكثر دقة لدعم رعاية المرضى وتحسين فعالية الرعاية الصحية.

أحد التطبيقات الطبية الواعدة لإنترنت الأجسام هي الحبة الذكية (Smart Pill)، حيث تحتوي هذه الحبوب الصالحة للبلع على أجهزة إلكترونية وشرائح حاسوبية. وبمجرد ابتلاعها، يمكنها جمع البيانات من أعضائنا ثم إرسالها إلى جهاز بعيد متصل بالإنترنت. وقد وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) في عام 2017، على أول حبة رقمية، وهي أقراص "أريبيبرازول" (Aripiprazole)، وتحتوي على جهاز استشعار قابل للهضم ومُضمَّن في الحبة، يُسجل عملية أخذ الدواء. ويعمل النظام من خلال إرسال رسالة من جهاز استشعار الحبة إلى أداة يمكن ارتداؤها، تنقل بدورها المعلومات إلى تطبيق على جهاز محمول، ليتمكّن المرضى من تتبع عملية هضم الدواء على هواتفهم.

أما على المدى الطويل، فتبرز الواجهات الدماغية الحاسوبية (BCI) باعتبارها تطبيقاً مهمّاً في هذا الإطار، حيث يتم دمج دماغ الشخص مع جهاز خارجي للمراقبة والتحكم في الوقت الفعلي. والهدف النهائي لهذه الواجهات هو المساعدة في استعادة الوظائف للأفراد ذوي الحاجات الخاصة باستخدام إشارات الدماغ، بدلاً من المسارات العصبية العضلية التقليدية.

بيد أن التطبيقات الطبية، وعلى الرغم من تعددها، ليست المجال الوحيد الذي نرى فيه إمكانات شبكات إنترنت الأجسام، ففي إحدى التجارب التي قد تكون ثورية، وافق 50 موظفاً من أصل 80 يعملون في شركة "ثري سكوير ماركت" (Three Square Market) على زراعة إحدى شرائح تحديد الهوية بالأمواج الراديوية (RFID) في أيديهم. تسمح لهم هذه الشريحة -التي يبلغ حجمها حجم حبة الأرز- بالمرور من الباب إلى مبنى الشركة بدون مفتاح، وتسجيل الدخول إلى أجهزة الحاسوب الخاصة بهم، والدفع مقابل الوجبات الخفيفة، فقط من خلال التلويح بأيديهم على جهاز استشعار. وبالتالي فقد حلت هذه الشريحة الدقيقة محل كلمات المرور وشارات الهوية وحتى بطاقات الائتمان.

وتستخدم شبكات إنترنت الأجسام في مجالات أخرى متعددة، منها الرياضة، إذ أصبحت الأجهزة القابلة للارتداء أدوات أساسية في الأنشطة الرياضية لمراقبة أداء الرياضيين وصحتهم وتحسينهما. كما يمكنها اكتشاف الإصابات بسهولة قبل أن تتفاقم. وباستخدام البيانات، يمكن تحسين أداء كل رياضي على حدة من خلال ابتكار أفضل شكل ووضعية واستراتيجية مناسبة له خصيصاً. وحتى في المجال العسكري، سنجد العديد من التطبيقات لأجهزة إنترنت الأجسام، التي تتراوح بين مراقبة الحالة الجسدية والعاطفية للجنود، وتتبع مواقعهم، وصولاً إلى مساعداتهم في محاكاة مواقف قتالية واقعية.

اقرأ أيضاً: من الخيال إلى الواقع: أبرز التقنيات التي تنبأت بها أفلام الخيال العلمي

تحديات ومخاوف من إنترنت الأجسام

على الرغم من كل الوعود البراقة التي تلوح في الأفق مع تسارع تطور أجهزة إنترنت الأجسام، إلا أن هذه التكنولوجيات الجديدة تحمل في طياتها أيضاً العديد من التحديات والمخاطر، ليس فقط على معلوماتنا الشخصية الأكثر خصوصية، بل وعلى أجسامنا نفسها. ولعل أحد أوائل الأمثلة على مثل هذه المخاطر، هو ما حدث عام 2013 عندما قام الأطباء باستبدال جهاز إزالة رجفان القلب المتصل بالإنترنت لنائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني، بجهاز أخر مُعدل غير متصل بالإنترنت، بحيث "لا يمكن اختراقه من قبل الإرهابيين الذين قد يحاولون قتله" عن طريق إصابته بسكتة قلبية.

وترى ماري لي، عالمة الرياضيات والمؤلفة الرئيسية لدراسة مؤسسة راند، أن ثمة غموض حول اللوائح التنظيمية الخاصة بالبيانات التي تنتجها هذه الأجهزة، وتحديداً حول من يمتلك هذه البيانات، وكيف يتم استخدامها، ولمن يمكن بيعها. وأشارت لي وفريقها إلى ثلاثة مجالات هامة يمكن أن تشكل أجهزة إنترنت الأشياء مخاطر عليها: خصوصية البيانات، والأمن السيبراني، والأخلاق.

بالنسبة للخصوصية، تحذر الدراسة من قدرة تلك الأجهزة على تتبع وتسجيل وتخزين أماكن تواجد المستخدمين ووظائفهم الجسدية وما يرونه ويسمعونه وحتى ما يفكرون فيه، وبالتالي فإن عملية جمع البيانات يمكن أن تشكل خطراً كامناً على الخصوصية، اعتماداً على ما يتم جمعه، وعدد المرات، وما إذا كان المستخدمون قد قدموا موافقة مستنيرة مسبقاً، وما إذا كان يمكنهم إلغاء الاشتراك بسهولة أو منع الشركات من بيع بياناتهم.

أما فيما يتعلق بالمخاطر الأمنية، فيشير الباحثون إلى أن احتمالية حدوث ثغرات أمنية يمكن أن تسمح لأطراف غير مصرح لها بتسريب معلومات خاصة أو العبث بالبيانات أو منع المستخدمين من استخدام حساباتهم. وتضرب لنا خطوة ديك تشيني الوقائية مثلاً على النتيجة التي قد تحدث في حالة القرصنة أو التلاعب بالأجهزة من إحداث إصابات جسدية أو حتى القتل.

وأخيراً، تثير شبكات إنترنت الأجسام المزيد من المخاوف الأخلاقية، بما في ذلك عدم المساواة وتهديد الاستقلالية الشخصية. كما أن بعض الفئات التي لا تتمتع بتغطية تأمينية، أو إمكانية الوصول إلى الإنترنت، أو البراعة التقنية، قد تخسر الفوائد الفورية التي توفرها هذه التكنولوجيا. وفي أسوأ السيناريوهات يمكن أن تمنح هذه الأجهزة بعض الحكومات والشركات القدرة على تعزيز سلطتها الاستبدادية.

إنترنت الأجسام
حقوق الصورة: أنسبلاش.

في النهاية، على الرغم من أن شبكات إنترنت الأجسام قد تبدو أمراً مستقبلياً، إلا أن العديد من الأشخاص مرتبطون بهذه الشبكات حالياً بالفعل. فقد نما سوق الساعات الذكية العالمي وحده إلى 49.74 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى 59.02 مليار دولار بنهاية هذا العام بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 18.7٪. ومع أن استغلال هذه الكميات الهائلة من البيانات يمكن أن يساعدنا في تحسين كل شيء بدءاً من أنظمة الرعاية الصحية والأنظمة الغذائية وزيادة الإنتاجية، إلا أن هذا الأمر سيظل رهناً بالتغلب أولاً على الكثير من الصعوبات والمخاطر التي تقف في طريق هذه التكنولوجيا الوليدة.

المحتوى محمي