بعد هدوء عاصفة ديب سيك: 3 تأثيرات بعيدة المدى في مستقبل الذكاء الاصطناعي

4 دقيقة
بعد هدوء عاصفة ديب سيك: 3 تأثيرات بعيدة المدى في مستقبل الذكاء الاصطناعي
مصدر الصورة: ليون نيل/غيتي

لا يتسبب إطلاق نموذج واحد جديد للذكاء الاصطناعي عادةً في إحداث ضجة كبيرة خارج الأوساط التكنولوجية، إضافة إلى أنه لا يثير عادةً مخاوف المستثمرين بما يكفي لهبوط قيمة الأسهم في السوق بمقدار تريليون دولار. والآن، بعد مرور بضعة أسابيع على اللحظة التاريخية التي شهدتها شركة ديب سيك (DeepSeek)، هدأت الأجواء قليلاً. وانتقلت العناوين الإخبارية الرئيسية لتغطي مواضيع أكثر هدوءاً، مثل تفكيك البرامج الفيدرالية الأميركية الطويلة الأمد، وتطهير مجموعات الأبحاث والبيانات للامتثال للأوامر التنفيذية الأخيرة، والتداعيات المحتملة للتعرفات الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس ترامب على كندا والمكسيك والصين.

لكن، ما هو التأثير الذي من المرجّح أن تُحدثه ديب سيك في مجال الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل؟ إليكم فيما يلي 3 بذور زرعتها ديب سيك، والتي ستنمو حتى مع خفوت الضجيج الإعلامي الأولي.

أولاً، إنها تفرض نقاشاً حول مقدار الطاقة التي يجب السماح لنماذج الذكاء الاصطناعي باستهلاكها في السعي للحصول على إجابات أفضل

ربما تكون قد سمعت (بما في ذلك مني) بأن النموذج ديب سيك يتميز بالفاعلية في استهلاك الطاقة. هذا صحيح بالنسبة إلى مرحلة التدريب، أمّا بالنسبة إلى مرحلة الاستدلال، أي عندما تطرح سؤالاً على النموذج وينتج إجابة، فإن الأمر معقد. فهو يستخدم تقنية سلسلة الأفكار، التي تقسم الأسئلة المعقدة -مثل: هل من المقبول دائماً أن نكذب لحماية مشاعر شخص ما؟- إلى أجزاء، ثم يجيب منطقياً عن كل جزء منها. وتسمح هذه الطريقة لنماذج مثل ديب سيك بتقديم أداء أفضل في الرياضيات والمنطق والبرمجة وغير ذلك.

اقرأ أيضاً: ما هي نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر التي طبقتها ديب سيك؟ وكيف سيكون تأثيرها؟

تكمن المشكلة، بالنسبة للبعض على الأقل، في أن طريقة "التفكير" هذه تستهلك من الكهرباء أكثر بكثير مما تستهلكه أنظمة الذكاء الاصطناعي التي اعتدنا عليها. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي مسؤول عن جزء صغير من إجمالي الانبعاثات العالمية في الوقت الحالي، فإن هناك دعماً سياسياً متزايداً لزيادة كمية الطاقة الموجهة للذكاء الاصطناعي بصورة هائلة. وبطبيعة الحال، وسواء كانت كثافة الطاقة في نماذج سلسلة الأفكار تستحق ذلك أم لا، فإن هذا يعتمد على الأهداف التي نستخدم الذكاء الاصطناعي من أجلها. يبدو أن البحث العلمي لعلاج أسوأ الأمراض في العالم جدير بالاهتمام. أما توليد المحتوى غير المرغوب فيه باستخدام الذكاء الاصطناعي، فهو أقل أهمية بكثير.

يشعر بعض الخبراء بالقلق من أن النجاح الباهر لنموذج ديب سيك سيقود الشركات إلى دمجه في الكثير من التطبيقات والأجهزة، ومن أن المستخدمين سيستخدمونه في سيناريوهات لا تستدعي ذلك. (على سبيل المثال، فإن الطلب من ديب سيك أن يشرح نظرية النسبية لأينشتاين هو مضيعة للوقت، لأنه لا يتطلب خطوات منطقية في التفكير المنطقي، ويمكن لأي نموذج عادي للدردشة قائم على الذكاء الاصطناعي أن يفعل ذلك بقدر أقل من الوقت والطاقة).

ثانياً، حققت شركة ديب سيك بعض التطورات الإبداعية في أساليب التدريب التي تتبعها، ومن المرجح أن تحذو الشركات الأخرى حذوها

نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة لا تعتمد في تعلمها على الكثير من النصوص والصور والفيديو فقط. فهي تعتمد إلى حد كبير على البشر لتنقيح تلك البيانات والتعليق عليها ومساعدة الذكاء الاصطناعي على اختيار إجابات أفضل، وغالباً ما يكون ذلك مقابل أجور زهيدة.

إن إحدى الطرق التي يجري فيها إشراك العاملين من البشر هي من خلال تقنية تُسمّى التعلم المعزز مع الحصول على الملاحظات البشرية. حيث يتولى النموذج توليد الإجابة، ويتولى مختصو التقييم من البشر تقييم تلك الإجابة، وتُستخدم درجات التقييم هذه لتحسين النموذج. كانت شركة أوبن أيه آي (OpenAI) رائدة في هذه التقنية، على الرغم من أنها مستخدمة الآن على نطاق واسع في هذا المجال.

وكما ذكر زميلي ويل دوغلاس هيفن، فإن شركة ديب سيك فعلت شيئاً مختلفاً؛ فقد توصلت إلى طريقة لأتمتة عملية التقييم والتعلم المعزز هذه. قال مدير الأبحاث السابق في شركة علي بابا وهو الآن الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة كودو (Qodo)، وهي شركة ناشئة في مجال برمجة أنظمة الذكاء الاصطناعي التي مقرها في الشرق الأوسط، إيتامار فريدمان: "إن تخطي الاعتماد على الملاحظات البشرية أو تقليل التغذية الراجعة البشرية هو أمر في غاية الأهمية، فأنت تقوم بتدريب النماذج بالكامل تقريباً دون الحاجة إلى تولي البشر هذا العمل".

تجيد هذه الأنظمة العمل في مواضيع مثل الرياضيات والبرمجة على وجه الخصوص، لكنها ليست بارعة في مواضيع أخرى، لذلك لا يزال الاعتماد على العاملين من البشر أمراً لا مفر منه. ومع ذلك، ذهبت ديب سيك إلى ما هو أبعد من ذلك واستخدمت تقنيات تذكرنا بالأسلوب الذي اتبعته شركة جوجل ديب مايند (Google DeepMind) في تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها عام 2016 كي يتفوق في لعبة غو (Go)، حيث جعلته يرسم خريطة للحركات المحتملة ويقيّم نتائجها. من المؤكد أن الشركات الأخرى ستتبع هذه الخطوات المتقدمة، لا سيما أنها موضحة بالتفصيل في وثائق ديب سيك المفتوحة المصدر.

اقرأ أيضاً: تشات جي بي تي وديب سيك آر 1: أيّهما أفضل؟

ثالثاً، سيؤدي نجاح ديب سيك إلى طرح موضوع رئيسي على طاولة النقاش: هل يمكن الدفع باتجاه أن تكون أبحاث الذكاء الاصطناعي متاحة للجميع، والدفع باتجاه تعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة في مواجهة الصين في الوقت نفسه؟

قبل فترة طويلة من أن تصدر ديب سيك نموذجها مجاناً، كانت بعض شركات الذكاء الاصطناعي تزعم أنه يجب أن تكون صناعة الذكاء الاصطناعي بمثابة كتاب مفتوح. وزعمت أنه إذا التزم الباحثون بمبادئ معينة مفتوحة المصدر وأظهروا عملهم، يمكن التعامل مع السباق العالمي لتطوير الذكاء الاصطناعي الفائق الذكاء على أنه جهد علمي في سبيل الصالح العام، وستتولى الجهات الفاعلة المشاركة في كبح جماح أي جهة فاعلة من بينها تحاول الانفراد بالتفوق.

إنها فكرة جيدة. وقد تحدثت شركة ميتا بشأن دعم هذه الرؤية إلى حد كبير، وقال المستثمر المغامر مارك أندريسن إن النهج المفتوح المصدر يمكن أن يكون أكثر فعالية في الحفاظ على أمان الذكاء الاصطناعي وسلامته من اللوائح التنظيمية الحكومية. وقد كانت أوبن أيه آي تتبنى نهجاً يخالف هذه المزاعم، حيث أبقت نماذجها مغلقة بحجة أن ذلك يمكن أن يساعد على إبعادها عن متناول الجهات الفاعلة الشريرة.

وقد أحدثت ديب سيك بعض الفوضى في تلك الروايات. حيث قال الرئيس التنفيذي لأوبن أيه آي، سام ألتمان، ضمن جلسة أسئلة وأجوبة موسعة على منصة ريديت (Reddit) مؤخراً: "لقد كنا على الجانب الخطأ من التاريخ في هذا الأمر وعلينا اكتشاف استراتيجية مختلفة بشأن البرمجيات المفتوحة المصدر"، وهو أمر مفاجئ بالنظر إلى موقف أوبن أيه آي السابق. وقد أصر آخرون، بمن فيهم الرئيس ترامب، على الحاجة إلى جعل الولايات المتحدة أكثر قدرة على المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي، معتبرين أن نجاح ديب سيك يمثل جرس إنذار. وقال أحد مؤسسي شركة أنثروبيك (Anthropic)، داريو أمودي، إن هذا تذكير بأنه يتعين على الولايات المتحدة أن تفرض رقابة صارمة على أنواع الرقاقات المتقدمة التي ستصل إلى الصين في الأعوام المقبلة، كما يشدد بعض المشرعين على هذا الرأي نفسه.

ستمثل الأشهر المقبلة، والإصدارات المستقبلية من شركة ديب سيك وغيرها، اختباراً حقيقياً لكل واحدة من هذه الحجج.

المحتوى محمي