الجيل الخامس ما زال في المهد: لماذا كثُر الحديث عن شبكات الجيل السادس؟

ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للهواتف المحمولة لعام 2023 (MWC 2023) في مدينة برشلونة الإسبانية الذي شهد حضور نحو 90 ألف زائر، كان الحديث عن شبكات الجيل السادس (6G) دائراً بحرارة، حيث قدم العديد من شركات الاتصالات العالمية وجهات نظرها حول التكنولوجيا التي وجدت حيزاً كبيراً من النقاش، على الرغم من أننا بدأنا للتو في استكشاف شبكات الجيل الخامس (5G).

تبني شبكات الجيل الخامس لا يزال ضعيفاً حتى الآن

على الرغم من أن الحديث عن شبكات الجيل السادس بالنسبة للعديد من المستهلكين يبدو مشوقاً للغاية، للوعد الخيالي الذي يمكن أن تقدمه فيما يخص السرعة وتحسين عمل التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، فإن كِبار المدراء التنفيذيين حذروا من أن صناعة الاتصالات يجب ألا تخلق الكثير من الضجيج حول هذه التكنولوجيا لتجنب إرباك المستهلكين.

فالحديث عنها يأتي في الوقت الذي تدرس فيه الشركات أيضاً كيفية تحقيق عائد على استثماراتها التي تقدر بمليارات الدولارات في شبكات الجيل الخامس على مدار السنوات القليلة القادمة، حيث يذكر كبير مسؤولي التطوير في شركة الاتصالات الكورية الجنوبية إس كي تيليكوم (SK Telecom) مين يونغ ها (Min Yong Ha): "لم ننتهِ من نشر شبكات الجيل الخامس حتى الآن، لذا لا أعتقد أن التحدث عن شبكات الجيل السادس حكيم بما يكفي، حيث إن الحديث عنه سابق لأوانه ومبكر جداً".

وهذا يعود بشكل أساسي إلى أن تبني شبكات الجيل الخامس واعتمادها حول العالم لا يزال يسير بوتيرة ضعيفة. على سبيل المثال، على الرغم من أن شركات تشغيل الهواتف المحمولة في الصين وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة طرحت شبكات الجيل الخامس منذ عام 2019، إلا أن تبنيها بين المستهلكين لا يزال منخفضاً.

وفقاً لتقرير من شركة تحليلات السوق ستراتيجي أناليتكس (Strategy Analytics) صدر عام 2022، يوجد 800 مليون مستخدم فقط في جميع أنحاء العالم يستخدم هاتفاً ذكياً يدعم اتصال شبكات الجيل الخامس، وهي نسبة ضئيلة لا سيما وأن عدد من يستخدمون الهواتف الذكية اليوم قد وصل إلى نحو 4 مليار شخص حول العالم.

نتيجة لذلك يتفق العديد من المحللين أن شركات الاتصالات التي استثمرت المئات من المليارات لنشر شبكات الجيل الخامس سوف تكافح لتحقيق الأرباح، مع التأكيد أن تحقيق الأرباح من عمليات نشرها لشبكات الجيل الخامس قد يكون قريبا جداً، مع تسارع تبني شبكات الجيل الخامس في معظم البلدان التي تم نشرها فيها، مثل الهند التي تبنت شبكات الجيل الخامس بسرعة.

ومع ذلك، يتفق المحللون على أن المستهلكين ليسوا سوى مقياس واحد، إذ توجد عدة مقاييس يمكن البناء عليها. على سبيل المثال، تمثل القطاعات الصناعية والتقنيات الجديدة مثل السيارات ذاتية القيادة والسيارات المتصلة أسواقاً مهمة لشبكات الجيل الخامس، حيث تتميز بالكثير من الإمكانيات التي قد تُساهم في نشر شبكات الجيل الخامس بسرعة.

لماذا تتحدث شركات الاتصالات عن شبكات الجيل السادس الآن؟

يتطلب تطوير شبكات الاتصالات الجديدة عادةً معايير جديدة لتنظيم عملها، وهي عبارة عن قواعد تقنية عالمية تحدد كيفية عمل التكنولوجيا وقابلية تشغيلها البيئي حول العالم، حيث تستغرق كتابة المعايير والاتفاق عليها عدة سنوات وتتضمن مشاركة عدد غير محدود من اللاعبين لصياغتها، مثل شركات الاتصالات والأكاديميين والهيئات، وهذا هو السبب في تحذير العديد من خبراء الاتصالات من غياب التفكير في شبكات الجيل السادس ملياً.

وحالياً، يجري العمل على معايير شبكة الجيل السادس بالفعل من خلال هيئات وضع المعايير مثل مشروع شراكة الجيل الثالث (3rd Generation Partnership Project)، اختصاراً ثري جي بي بي (3GPP) الذي بدأ وضع معايير شبكة الجيل السادس، لكنه لا يزال في المراحل الأولى.

ومع ذلك، يشدد معظم المسؤولين التنفيذيين عن شركات الاتصالات على أن المفتاح يجب أن يكون التركيز على نشر شبكات الجيل الخامس حتى أثناء إجراء الأبحاث حول شبكات الجيل السادس، لأن الحديث عن شبكات الجيل السادس قد يربك المستهلكين بينما لا تزال هناك تطورات يجب تحقيقها في شبكات الجيل الخامس.

ويقول رئيس التكنولوجيا في شركة الاتصالات البريطانية بي تي (BT)، هوارد واتسون (Howard Watson) في هذا الصدد: "نحن كصناعة علينا التوقف عن إرباك العملاء من خلال التحدث معهم حول شبكات الاتصالات الجديدة القادمة، لأن السؤال التالي الذي سيطرحونه سيكون: متى ستأتي شبكة الجيل السادس؟".

ويضيف: "لا أرى أي حالات استخدام اليوم نعجز عنها مع شبكات الجيل الخامس أو تطوراتها الفورية، ومن ثم لا أريد أن أربط المستهلكين والمؤسسات بهذا الأمر، بدلاً من ذلك يجب انتظار هذا الشيء الجديد المسمى شبكات الجيل السادس".

شبكات الجيل الخامس قد تكون كافية في الوقت الحالي

يرتبط تطوير أي شبكة اتصالات جديدة بشكل أو بآخر بالشبكة التي سبقتها، فقد تم بناء العديد من شبكات الجيل الخامس الحالية على معدات وتكنولوجيا من شبكات الجيل الرابع، ومع ذلك فإن شركات الاتصالات بدأت طرح ما تسميه شبكات الجيل الخامس المستقلة (Standalone 5G)، حيث تستخدم هذه الشبكات تقنية مستقلة عن شبكات الجيل الرابع مع وعد بتحقيق الإمكانات الكاملة لشبكات الجيل الخامس، كما سيكون هناك أيضاً المزيد من البرامج التي تعمل على تشغيل شبكات الجيل الخامس المستقلة للمساعدة في تحسين الكفاءة، مثل إدارة حركة مرور البيانات.

وفي هذا الصدد يذكر الرئيس التنفيذي لشركة نوكيا (Nokia) بيكا لوندمارك (Pekka Lundmark)، ضمن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2022: "لا تزال هناك خطوة واحدة يجب أن تأتي قبل التفكير في شبكات الجيل السادس وسيطلق عليها شبكات الجيل الخامس المتقدمة (5G Advanced) والتي من المتوقع أن تصبح متاحة في السوق في غضون عامين".

ويضيف: "سوف تتاح شبكات الجيل الخامس المتقدمة لجميع الأجهزة وعمليات النشر وحالات الاستخدام تقريباً، ما يساعد في تحسين تجربة استخدام التقنيات الناشئة مثل الواقع الافتراضي والمعزز ودعم تحليق الطائرات المسيرة، إذ أنها ستأتي بكفاءة محسنة وقدرات موسعة وتجربة مستخدم محسنة، لذلك لا يوجد سبب لانتظار شبكات الجيل السادس".

هل سيتم نشر شبكات الجيل السادس في أولمبياد 2032؟

في هذه المرحلة، ونظراً لعدم وضع معايير شبكات الجيل السادس، لا توجد فكرة واضحة عن الشكل الذي ستبدو عليه، ومع ذلك يتفق معظم الخبراء على أهمية أن تبدأ شركات الاتصالات على الأقل في وضع علامات على ما ستكون عليه وما لن تكون، حيث من المتوقع أن تجلب شبكات الجيل السادس تحسينات كبرى في الأمن السيبراني لشبكات الهاتف المحمول بالإضافة إلى المزيد من الميزات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

أما عن موعد الإطلاق، فإن العديد من المدراء التنفيذيين ومن ضمنهم الرئيس التنفيذي لشركة نوكيا يتوقعون أن طرح شبكات الجيل السادس سيكون في عام 2030، كما يرى النائب الأول والمدير العام لمجموعة نتوورك أند إيدج (Network and Edge) في شركة إنتل نيك ماكيوين (Nick McKeown) أن عام 2030 سيكون هو الموعد لطرح شبكات الجيل السادس إذا تقدمت عملية صياغة المعايير حتى ذلك الحين.

وبما أن العديد من الأجيال الجديدة من شبكات الهاتف المحمول عادةً ما يتم نشرها أولاً في الفعاليات الكبرى، فإن العديد من الخبراء يتوقعون أن يتم نشر شبكات الجيل السادس بشكل فعلي ضمن دورة الألعاب الأولمبية الصيفية المقامة في مدينة بريسبان الأسترالية في عام 2032، بينما من المتوقع بحسب المحللين والخبراء أن يتم إطلاق أول هاتف ذكي يدعم شبكات الجيل السادس في عام 2029.