في 2013، أُطلِق نموذج أولي لنظارة الواقع المعزز في أبريل/نيسان باسم جوجل غلاس (Google Glass)، وقد حققت نجاحاً كبيراً. فقد وعد تصميم هذه النظارة باستخدام سهل يُتيح الوصول إلى أهم ميزات الهاتف الذكي، مثل تسجيل الفيديو والتوجيه في أثناء الحركة وحتى البريد الإلكتروني، دون الحاجة إلى اليدين. كانت هذه النظارة تمثّل قفزة تتجاوز شاشات اللمس والأزرار، فمستقبل الحوسبة يكمن في الوجه البشري، غير أنها تحولت إلى كارثة.
جوجل غلاس: فكرة جذابة وتطبيقق كارثي
فعلى الرغم من جاذبية الفكرة، كانت غلاس توحي بالغرابة لدى ارتدائها، كما أنها كانت عاجزة عن عرض صور واضحة وزاهية الألوان عند ارتدائها في الأماكن المفتوحة. وبعد ذلك، ظهر رد الفعل السلبي الذي تجسد بمصطلح "المتحذلق الذي يرتدي النظارة" (glasshole). فقد كانت شاشة النظارة كبيرة إلى درجة تُتيح تمييز مرتديها بسهولة وسط حشد من الناس، ووصل الأمر في اثنتين من الحالات على الأقل إلى حد المشاجرة الجسدية.
كانت النتائج واضحة؛ فاستخدام الواقع المعزز (AR) دون يدين كان فكرة جميلة على الورق، لكن تزايد التوتر بسبب تأثير الشركات التكنولوجية الكبيرة أدّى إلى وصم مرتديها بصفات سلبية، وتشبيههم بممثلي أدوار ثانوية في فيلم من أفلام الخيال العلمي.
والآن، وبعد أكثر من عقد من الزمن، أصبح المستقبل الذي تخيلته جوجل -بل وأكثر من ذلك- على وشك التحول إلى حقيقة واقعة. فالشاشات الصغيرة الجديدة، التي أصبح بعضها صغيراً بما يكفي لوضعه على طرف الإصبع، ستحتوي على مصابيح ليد ومصابيح ثنائية عضوية باعثة للضوء أو اختصاراً "مصابيح أوليد" (OLEDs) بأحجام صغيرة جداً، أو ما يُسمَّى اختصاراً "ميكرو-ليد" (micro-LED) و"ميكرو-أوليد" (micro-OLED). ومن المتوقع أن تُستخدم هذه التكنولوجيات في تصميم موجة جديدة من النظارات التي قد تتمكن من اجتذاب أكثر المشككين بالواقع المعزز عناداً.
ومن المتوقع أن تتصدر نظارة فيجن برو (Vision Pro) من شركة آبل هذا التوجه بعد إطلاقها عام 2024، على الرغم من أنها قد لا تبتعد عن التصميم الذي يوحي بالخيال العلمي. تتسم هذه النظارة بتصميم مغلق بالكامل، وهي تشبه نظارات التزلج إلى حد ما، وقد صُمِمت لتجمع بين الواقع المعزز والواقع الافتراضي (VR) في بنية واحدة تُطلق عليها آبل اسم "الحوسبة المكانية" (spatial computing).
اقرأ أيضاً: تعرّف على فيجن برو: نظارة آبل الجديدة للواقع المعزز والواقع الافتراضي
هل تتعلم فيجن برو من آبل الدرس من جوجل غلاس؟
تسعى فيجن برو إلى تفادي بعض المشكلات التي تعرضت لها جوجل غلاس، وذلك من خلال تضييق نطاق استخدام هذا المنتج. حيث تأمل آبل أن تحل النظارة محل الحاسوب والجهاز اللوحي والتلفاز، وإن كان ذلك ضمن حدود المنزل أو المكتب فقط.
لكن الابتكار الحقيقي يكمن في الداخل، فهي مزودة بشاشتي ميكرو-أوليد بحجم لا يتجاوز حجم الطابع البريدي ودقة عرض تبلغ 4K على مساحة تبلغ 8.4 سنتيمترات مربعة وحسب (1.3 بوصات). تحتوي كل شاشة على أكثر من 11 مليون بيكسل متباعدة بمسافة 6.3 ميكرو متر، أي أقل من قطر خلية الدم الحمراء البشرية.
يا لها من ترقية رائعة. تعتمد فيجن برو من آبل، على غرار نظارة كويست 3 (Quest 3) من شركة ميتا (Meta) ونظارة فايف إكس آر إيليت (Vive XR Elite) من شركة أتش تي سي (HTC)، على كاميرات تعرض صورة مطابقة للعالم الخارجي على الشاشات الداخلية، وهي تقنية معروفة باسم الواقع المختلط بالصورة العابرة. غير أن النظارات المنافسة تعتمد على شاشات الكريستال السائل أو اختصاراً "إل سي دي" (LCD) التي تفتقر إلى الحدة والدقة اللازمتين لعرض صورة دقيقة للعالم الخارجي، ما قد يجعل بعض المهام التي يُفترض أن تكون بسيطة، مثل قراءة ملاحظة مكتوبة بخط اليد، عملية صعبة.
يقول المحلل الرئيسي في شركة مور إنسايت آند ستراتيجي (Moor Insights & Strategy)، أنشيل ساغ: "أعتقد أنهم توصلوا إلى إنجاز رائع إجمالاً؛ فهذه هي النظارة المناسبة التي تُتيح للمستخدمين استيعاب القدرات الكامنة الفعلية والقصوى للواقع الافتراضي والواقع المعزز". يعتقد ساغ أن البيكسلات الإفرادية على شاشات فيجن برو ستكون غير مرئية بالنسبة لمعظم المستخدمين، "باستثناء مَن يتمتعون بحدة بصر خارقة تحقق علامة مثل 20 من 10".
يُعتقد على نطاقٍ واسعٍ أن شاشات فيجن برو المكتظة بالبيكسلات تمثّل خلاصة سنوات من العمل لمجموعة حلول أنصاف النواقل (Semiconductor Solutions Group) التابعة لشركة سوني (Sony). كان عمل هذه المجموعة في مجال الميكرو-أوليد يركّز سابقاً على شاشات التوجيه الرقمية الملونة العالية الدقة للكاميرات، مثل كاميرا سوني إس إل تي-أيه 77 (Sony SLT-A77).
اقرأ أيضاً: ما السيناريوهات المحتملة لحل أزمة حظر بيع ساعات آبل في الولايات المتحدة؟
بنت المجموعة أيضاً هذه الشاشات لجهاز محمول على الرأس، وهو جهاز أتش إم زد-تي 1 للمشاهدة الشخصية الثلاثية الأبعاد (HMZ-T1 Personal 3D Viewer) الذي أطلقته سوني عام 2011، وسوّقته بوصفه تجربة لمشاهدة الفيديو على نحو شبيه بمشاهدة فيلم في صالة السينما.
تجارب لاحقة محسّنة
حققت نظارة أتش إم زد-تي 1 أفضل أداء مع الأفلام الثلاثية الأبعاد، التي تبين أنها مجرد تقليعة لا أكثر. لكن سوني لم تتخلَّ عن الميكرو-أوليد، وفي 2018، أعلنت إنتاج شاشة ميكرو-أوليد مقاس 0.5 بوصة (2.54 سنتيمتر) مع تقليل الفواصل بين البيكسلات من 7.8 إلى 6.3 ميكرو متر (وهي المسافة الفاصلة نفسها بين البيكسلات في الشاشات الأكبر الموجودة في فيجن برو)، وهو ابتكار تمكنت الشركة من تحقيقه بفضل إنجاز غير مسبوق أدّى إلى تقريب الفلتر اللوني من المادة العضوية الباعثة للضوء في الأوليد.
فعندما تكون الشاشة صغيرة إلى هذا الحد، فإن أي تغير صغير في زاوية الضوء الصادر عن البيكسلات الثانوية الحمراء والزرقاء والخضراء يمكن أن يؤثّر سلباً في الأداء اللوني. ولهذا، فإن تغيير موضع الفلتر اللوني يحسّن زاوية المشاهدة لكل بيكسل، ما يُتيح تصنيع شاشات أصغر دون التضحية بجودة الصورة.
تستفيد مصابيح الميكرو-أوليد من بعض نقاط القوة التقليدية التي تتمتع بها مصابيح الديود الباعثة للضوء المُصنّعة بطبقات رقيقة عضوية. فكل بيكسل باعث للضوء ذاتياً، ما يعني أن سطوعه معدوم عندما لا يعمل. لا تستطيع شاشات "إل سي دي" في معظم النظارات تحقيق هذه الميزة، ولهذا، تتسم المشاهد المظلمة بغشاوة رمادية متوهجة، أمّا عندما تكون مصابيح الأوليد مضاءة، فهي تعمل بتأثيرٍ واضح.
اقرأ أيضاً: ما فوائد دمج الميتافيرس بالذكاء الاصطناعي؟ وكيف سيبدو هذا العصر؟
تبلغ شدة السطوع العظمى لشاشات فيجن برو قيمة 5,000 نيت، وهي وحدة القياس المعتمدة للسطوع في هذه الصناعة، وتعني هذه القيمة تحسين السطوع بمقدار خمسين ضعفاً مقارنة بكويست 2 من ميتا، التي تبلغ شدة سطوعها 100 نيت فقط. (لم تكشف ميتا عن شدة سطوع شاشات نظارة كويست 3، لكنها مماثلة لهذه القيمة على الأرجح).
تبني تكنولوجيا ميكرو-أوليد
من المرجح أن تؤدي فيجن برو إلى تسريع تبني تكنولوجيا ميكرو-أوليد. لكن، وعلى الرغم من إيجابياتها كلها، فإن مصابيح الأوليد المصغرة هذه لا تزال تعاني بعض العيوب. ويشير الرئيس التنفيذي لشركة كوبين (Kopin) لتصنيع الشاشات في مدينة ويستبورو بولاية ماساتشوستس، مايكل موراي، إلى أن شاشات ميكرو-أوليد ممتازة للصور المتحركة، مثل الأفلام، لكنها لا تحقق الأداء نفسه بالنسبة للنصوص الساكنة، وهو أحد الأسباب التي دفعت بشركة ميتا إلى الاستمرار باستخدام شاشات "إل سي دي" في نظارات كويست، كما يقول. وعلى الرغم من سطوع شاشات ميكرو-أوليد، فإن الجزيئات العضوية داخلها قد تتفكك بمرور الزمن، وهي ظاهرة معروفة باسم الاحتراق. إضافة إلى ذلك، أخفقت تكنولوجيا ميكرو-أوليد في تقديم حلٍ نهائي للمشكلات التصميمية في جوجل غلاس. فعلى الرغم من أن الشاشة أصبحت أفضل، فإن شكل النظارة أصبح أكثر غرابة ولفتاً للانتباه حتى.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين نظارات الواقع الافتراضي من آبل وميتا؟
تفاصيل مجهرية حقاً
تختلف شاشات ميكرو-أوليد وميكرو-ليد من حيث التفاصيل، لكنها تتشابه في العديد من نواحي الإنتاج العام. فكلا نوعي التكنولوجيا يقرن بين "لوحة خلفية" من السيليكون لتوفير الهيكل وتزويد الشاشة بالطاقة، و"لوحة أمامية" تمثّل شاشة العرض لتكوين الضوء المرئي. وتحمل كل تكنولوجيا منهما اسم نوع اللوحة الأمامية المستخدمة فيها: فهي طبقة من مادة عضوية تصدر الضوء نتيجة مرور تيار كهربائي فيها في حالة شاشات ميكرو-أوليد، وصفيف صغير للغاية من مصابيح الديود الإلكترونية المُصنّعة من أنصاف النواقل في حالة الميكرو-ليد.
ليست تكنولوجيا شاشات ميكرو-ليد ناضجة بقدر شاشات ميكرو-أوليد، لكن قدراتها الكامنة جذابة للغاية. يقول موراي: "تجمع تكنولوجيا ميكرو-ليد أفضل الميزات المتاحة؛ فهي تتميز بأعلى جودة عرض، وتتميز بالعمر الطويل، كما أنها لا تعاني مشكلات الاحتراق، وإضافة إلى ذلك، فإن سطوعها شديد للغاية ويمكن التحكم فيه، وهذا هو المستقبل".
وقد كانت شركة موجو فيجن (Mojo Vision) لتكنولوجيا الشاشات، والتي تعمل في مدينة ساراتوغا بولاية كاليفورنيا، من أولى الشركات التي تدرك القدرات الكامنة لاستخدام مصابيح الليد في الأجهزة الصغيرة. فقد أثارت الشركة موجة من الاهتمام في 2020 عندما أطلقت عدسات لاصقة مزودة بشاشات واقع معزز مرنة وشفافة. تخلت الشركة عن العمل في مجال العدسات اللاصقة منذ ذلك الحين لتركّز فقط على الشاشات، وفي 2023، عرضت موجو فيجن نماذج من شاشات ميكرو-ليد تميزت بدقة مذهلة بلغت 20,000 بيكسل في البوصة الواحدة. تعني هذه الدقة أن فاصل البيكسل -أي المسافة الفاصلة بين مركزي بيكسلين متجاورين- يبلغ 1.87 ميكرومتر فقط، وهي قيمة أصغر من حجم بعض أنواع البكتيريا، وتعادل تقريباً ثُلث حجم البيكسلات في فيجن برو من آبل.
تحول جوهري في تصميم ميكرو-ليد
تمثّل هذه الكثافات العالية من البيكسلات نتيجة تحول جوهري في تصميم ميكرو-ليد. فقد بُنيت أولى شاشات ميكرو-ليد من خلال تقنية تحمل اسم "النقل الشامل". كانت مصابيح الليد الحمراء والزرقاء والخضراء تُنتَج على رقاقات ومن ثَمَّ تُنقَل واحدة تلو الأخرى إلى الصفيحة القاعدية للشاشة، وهي تقنية لا تزال مستخدمة لصُنع الشاشات الأكبر.
لكن مصفوفات شاشات ميكرو-ليد الصغيرة، على غرار تلك التي تنتجها موجو فيجن، تعتمد على نهجٍ موحدٍ في الإنتاج؛ فمصابيح الميكرو-ليد واللوحة الخلفية السيليكونية ترتبط معاً خلال عملية إنتاج مماثلة لعملية الإنتاج المستخدمة لتصنيع الرقاقات الحاسوبية المتطورة.
تتسم معظم شاشات ميكرو-ليد الحالية المُصنّعة بهذه الطريقة بأنها أحادية اللون، ما يعني أنها تعرض لوناً واحداً فقط (وهو عادة اللون الأحمر أو الأزرق أو الأخضر). غير أن شاشات ميكرو-ليد الكاملة الألوان توشك على أن تصبح حقيقة واقعة.
تأمل شركة موجو فيجن ببناء نموذج أولي لشاشة ميكرو-ليد ملونة بحلول بدايات العام 2024، كما أن إحدى الشركات المنافسة لها، وهي شركة جيد بيرد ديسبلايز (Jade Bird Displays) في شانغهاي (التي غالبا ما يشار إليها بالأحرف الأولى من اسمها، جي بي دي JBD)، عرضت نموذجاً أولياً عملياً لشاشة ميكرو-ليد ملونة بفاصل بيكسل يبلغ 5 ميكرو متر، وهو أكبر مما تأمل شركة موجو فيجن بتحقيقه، لكنه أصغر مما هو موجود في نظارة فيجن برو من آبل.
تكمن الفائدة الأساسية للبيكسلات الأصغر والأكثر كثافة في تخفيض حجم الشاشة عند أي دقة معينة، ما يعني بدوره تخفيض حجم نظارة الواقع المعزز ووزنها. على سبيل المثال، فإن سلسلة شاشات أميوليد (AmuLED) الأحادية اللون من جي بي دي تتميز بدقة 640x480، بمقاس صغير للشاشة يسمح بوضعها على ظهر نملة مع وجود مساحة إضافية.
إضافة إلى ذلك، يتميز الميكرو-ليد بدرجة عالية للغاية من السطوع. ويتراوح هذا السطوع بين 1.8 ملايين نيت و3 ملايين نيت، وفقاً لموراي، الذي يقول: "يمكن أن يؤدي هذا السطوع، حرفياً، إلى تمزيق شبكية العين والتسبب بالعمى الدائم". وللمقارنة، نذكر أن سطوع شاشات أوليد يبلغ حالياً قيمة قصوى تعادل 15,000 نيت تقريباً.
قد يبدو احتمال الإصابة بتلف دائم في العين ميزة غريبة، لكن لا داعي للقلق، فلن يحدق أحد في مصابيح ميكرو-ليد مباشرة. فوضع الشاشة مباشرة أمام العين سيحجب رؤية العالم الحقيقي عن المستخدم. ولهذا، توضع الشاشة على الجانب في الكثير من أجهزة الواقع المعزز. بعد ذلك، تُعيد الموجهات الموجية توجيه الضوء الصادر عن الشاشة المزاحة حتى يصبح مرئياً بالنسبة للمستخدم.
يمكن أن تكون هذه العملية منخفضة الفاعلية للغاية، خصوصاً بالنسبة لنظارات الواقع المعزز العصرية، مثل ماجيك ليب 2 (Magic Leap 2) وفيوزيكس بليد 2 (Vuzix Blade 2)، التي تركّز الضوء وتعيد توجيهه عبر عدة موجهات موجية مرتبة على نحو مماثل للمرايا الموجودة في قاعات المرايا في مدن الملاهي.
يقول مدير المكونات المادية للواقع المعزز في شركة ناينتيك (Naintic)، مايكل ميلر: "تتراوح الفاعلية من 5% إلى 10% تقريباً. فإذا كان سطوع الشاشة 3,000 نيت، سيكون السطوع النهائي 300 نيت. يمكن وضع عدسات مظلمة فوقها لاستخدامها ربما في الخارج، لكنها لن تكون جيدة بما يكفي".
اقرأ أيضاً: 9 استخدامات لتكنولوجيا الواقع المعزز في قطاع البيع بالتجزئة
يجب أن تكون الشاشات المصنوعة من مصابيح ميكرو-ليد قادرة على اختراق مسار معقد من الموجهات الموجية مع تحقيق سطوع كافٍ للمشاهدة على عدسات شفافة مشابهة للعدسات الطبية.
أداء رائع، وتكلفة رائعة
تمكنت النظارات المزودة بشاشات متطورة، مثل فيجن برو المقبلة، من تحقيق تفوق كبير في أدائها على نظارات الواقع الافتراضي المنتشرة حالياً في الأسواق. كما أنها أكثر تكلفة، حيث ستُطرح فيجن برو في الأسواق بسعر 3,499 دولاراً.
وتُعزى التكلفة المرتفعة، جزئياً، إلى الشاشات؛ فتكلفة تصنيع كل شاشة ميكرو-أوليد قد تصل إلى 400 دولار، وفقاً لموراي. يقول موراي: "إذا كنت تبني نظارة ميتا كويست، أو شيئاً مشابهاً لها، فأنت في حاجة إلى شاشتين، ما يعني أن الحد الأدنى للتكلفة 800 دولار على الأقل".
قد يبدو سعر هذه الشاشات الصغيرة غريباً. ففي نهاية المطاف، تمثّل شاشات أوليد تكنولوجيا ناضجة موجودة في مئات الملايين من الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، وأجهزة التلفاز، في أنحاء العالم كافة.
كما أن مصابيح الليد أكثر انتشاراً حتى، فليس مستغرباً أن يكون ثمة مصباح ليد قريب منك وأنت تقرأ هذا المقال. هذه التكنولوجيات مفهومة جيداً، وموجودة في الكثير من الأجهزة ذات الأسعار المعقولة.
ويمكن أن تتراجع التكاليف عند انتقال شركات التصنيع إلى بناء الشاشات على شرائح سيليكونية أكبر حجماً. قد تكون الشرائح الأكبر حجماً أكثر تكلفة، لكن يمكن وضع المزيد من الشاشات على كل منها، ما يخفّض تكلفة كل شاشة على حدة. يمر منتجو الميكرو-أوليد حالياً بمرحلة من التحول من استخدام الشرائح بمقاس 8 بوصات (20.3 سنتيمترات تقريباً) إلى الشرائح بمقاس 12 بوصة (30.5 سنتيمترات تقريباً)، وهو المقاس المعتمد في تصنيع الرقاقات السيليكونية المتطورة بكميات كبيرة.
أمّا إنتاج الميكرو-ليد فهو في مرحلة أقل نضجاً، حيث يعتمد بعض الشركات على الشرائح السيليكونية الأقل فاعلية بمقاس 4 بوصات (10 سنتيمترات تقريباً).
يمثّل إنتاج الشاشات الصالحة للاستخدام، التي تتميز بكثافات البيكسلات العالية الممكنة باستخدام مصابيح ميكرو-ليد والميكرو-أوليد، تحدياً صعباً. وتكمن المشكلة الأساسية في عيب رأيته على الأرجح أكثر من مرة، وهو البيكسل "الخامد".
يعرض البيكسل الخامد لوناً واحداً فقط، وهو في أغلب الأحيان أسود مثالي أو أبيض شديد السطوع، ويرفض الاستجابة لإشارات العرض. ويمثّل تفادي هذا العيب قضية صعبة بالنسبة لشاشات الأجهزة الذكية، حيث يمكن أن يصل الفاصل بين البيكسلات إلى 500 ميكرو متر.
باستخدام مصابيح ميكرو-ليد متجانسة، وهي أصغر الشاشات وأكثرها كثافة من حيث البيكسلات على الإطلاق، فإن الشاشة تصبح غير صالحة للاستخدام بسبب أدنى عيب في السيليكون أو أصغر شذرة من الأوساخ.
يقول موراي: "هنا تكمن المعادلة الرياضية المرعبة، فعدد الشاشات الصالحة للاستخدام بعد انتهاء التصنيع يساوي على الأرجح عُشر السيليكون المستخدم في بداية التصنيع".
يعني هذا إهدار شرائح السيليكون بنسبة تتجاوز 90%، غير أن الشركة التي تنتج شاشات الميكرو-ليد لا تزال تدفع ثمن الشريحة بأكملها، ما يُضيف تكاليف ضخمة إلى كل شاشة.
يستثمر رواد الميكرو-ليد في الأدوات والعمليات التي تخفف خطوات الإنتاج. وهو أمر مهم للغاية، لأن زيادة تعقيد عملية الإنتاج تعني زيادة خطر ظهور العيوب.
تمثّل هذه المشكلة محط التركيز الأساسي للرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في الشركة البلجيكية لتطوير الشاشات ميكليدي (Micledi)، سورين ستوديل. وقد عقدت الشركة شراكة مع شركة غلوبال فاوندريز (GlobalFoundries) لتصنيع أنصاف النواقل، وتخطط لنقل إنتاجها إلى هناك لخفض التكاليف. "لم يصل الميكرو-ليد إلى مرحلة المنتج الناضج.
اقرأ أيضاً: تفاصيل خطة الصين للسيطرة على سوق صادرات أشباه الموصلات
فقد كان مجرد حلم جنوني منذ 10 سنوات، أمّا الآن، فقد بدأت أولى النماذج التجريبية تظهر لدى بعض الشركات"، وفقاً لستوديل. ويُضيف قائلاً: "أمّا السؤال المطروح حالياً فهو كيفية تصنيع هذا المنتج بكميات كبيرة دون عيوب".
الواقع المعزز يدخل أخيراً حيز الاستخدام على نطاقٍ واسع
على الرغم من صعوبة إنتاج شاشات ميكرو-أوليد وميكرو-ليد، فإن هذه المشكلات تستحق عناء البحث عن حل. فمن الممكن أن تسهم هذه الشاشات في جعل الواقع المعزز فضاءً افتراضياً يمكن لأي شخص أن يدخل إليه بسهولة وبسرعة في إطار الحياة اليومية، لا لأن الشاشات تعرض صورة واقعية وحسب، بل لأنها صغيرة ورقيقة وعالية الجودة أيضاً بما يكفي لتسمح للمهندسين بمجال واسع من الحرية في تصميم نظارات بتصميم وطابع مناسبين.
بات تأثير شاشات ميكرو-أوليد واضحاً بالفعل؛ فشركة كوبين تنتج الشاشات لنظارة موديل سي آر 3 (Model CR3) من شركة أتش إم دي إم دي، وهي نظارة مصممة للجرّاحين والمشاريع الدفاعية، مثل منظار واقع افتراضي لأسلحة الدبابة القتالية الرئيسية إم 1 أبرامز (M1 Abrams). أمّا شركة إكس ريل (XReal)، وهي شركة أخرى رائدة في مجال الواقع المعزز، فقد أطلقت مؤخراً نظارتها آير 2 (Air 2)، المزودة بشاشتي ميكرو-أوليد من سوني.
قد نشهد في المستقبل احتمالات أخرى أكثر إثارة. فمن الممكن أن يُتيح السطوع الشديد للشاشات، وحجمها الصغير، واستهلاكها المنخفض للطاقة، إمكانية تحقيق حلم نظارات الواقع المعزز الخفيفة والجذابة والشفافة بالكامل، التي لا تختلف بصورة فجة عن النظارات العادية.
"يرغب الناس في الحصول على الواقع المعزز الاستهلاكي. ويعني الواقع المعزز الاستهلاكي وجود نظارات خفيفة، بوزن 50 غراماً مثلاً، وبتصميم أنيق لا يذكر من ينظر إليه بأشرار أفلام الخيال العلمي"، كما يقول ستوديل. وقد تمكنت فيوزيكس (Vuzix)، وهي من الشركات المتخصصة في نظارات الواقع الافتراضي الخفيفة، من تحقيق هذا الحلم مع ألترالايت (Ultralite)، وهو نموذج أولي لمنصة تجريبية كشفت عنه الشركة في 2023، بتصميم يعتمد على تكنولوجيا ميكرو-ليد للحصول على نظارة جذابة ورشيقة بوزن لا يتجاوز 38 غراماً.
اقرأ أيضاً: معيار تصميم جديد قد يقلب صناعة الرقائق الإلكترونية رأساً على عقب
لا يزال الواقع المعزز في حاجة إلى "لحظة آيفون" الخاصة به، أي إطلاق جهاز سهل الاستخدام ويتميز بإيجابيات جذابة للغاية. ومع تحسّن الشاشات، سيصبح الواقع المعزز -إذا تبنّاه المستخدمون على نطاقٍ واسع- أوضح وأدق وأكثر إقناعاً، والأهم من ذلك، أكثر مدعاة إلى السرور عند الاستخدام.