ساعد بوت دردشة يعتمد على الذكاء الاصطناعي على زيادة أعداد الأشخاص المُحالين إلى خدمات الصحة النفسية عبر الخدمة الصحية الوطنية (NHS اختصاراً) في إنجلترا، لا سيما بين الجماعات التي لا تحظى بتمثيل عادل، والأقل طلباً للمساعدة، وذلك وفق بحث جديد.
يشهد الطلب على خدمات الصحة النفسية في إنجلترا نمواً مطرداً، خصوصاً منذ ظهور جائحة كوفيد-19. فقد تلقت خدمات الصحة النفسية 4.6 ملايين إحالة مرضية في 2022 -وهو أعلى رقم مسجل على الإطلاق- كما أن عدد الأشخاص الذين يتواصلون مع هذه الخدمات يشهد ارتفاعاً متواصلاً. لكن هذا الطلب المتزايد لا يقابله ما يكفي من التمويل أو من متخصصي الصحة النفسية، وفقاً للجمعية الطبية البريطانية.
استخدام بوتات الدردشة لدعم الصحة النفسية
ولهذا، قرر مصممو بوت الدردشة، من شركة الذكاء الاصطناعي ليمبيك (Limbic)، دراسة إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لرفع مستوى الرعاية المقدمة، وذلك من خلال مساعدة المرضى في الحصول على المساعدة بصورة أسرع وأكثر فاعلية.
أوردت دراسة جديدة، نُشِرَت مؤخراً في مجلة "نيتشر ميديسن" (Nature Medicine)، تقديرات حول أثر بوت الدردشة الذي يحمل اسم ليمبيك أكسيس (Limbic Access) على الإحالات إلى برنامج العلاجات الكلامية للقلق والاكتئاب التابع للخدمة الصحية الوطنية (NHS Talking Therapies for Anxiety and Depression program)، وهو مجموعة من العلاجات النفسية المبنية على الأدلة والمخصصة للبالغين الذين يعانون اضطرابات القلق أو الاكتئاب أو كليهما.
وتضمنت الدراسة تحليلاً لبيانات من 129,400 شخص يزورون مواقع الويب حتى يحيلوا أنفسهم إلى 28 خدمة من خدمات العلاجات الكلامية التابعة للخدمة الصحية الوطنية عبر أنحاء إنجلترا، وقد استخدم نصف هذه الخدمات بوت الدردشة على مواقع الويب الخاصة به، على حين استخدم النصف الآخر طرقاً أخرى لجمع البيانات، مثل استمارات الويب. وقد ارتفع عدد الإحالات من الخدمات التي تستخدم بوت الدردشة من ليمبيك بنسبة 15% خلال فترة الدراسة التي بلغت ثلاثة أشهر، على حين ارتفع عدد الإحالات لدى الخدمات الأخرى التي لم تستخدمه بنسبة 6% فقط.
كما شهدت الإحالات بين جماعات الأقليات، بما فيها الأقليات العرقية، زيادة كبيرة اقترنت بتوفر بوت الدردشة، ووصلت إلى 39% بين المرضى الآسيويين، و40% بين المرضى من أصحاب البشرة الداكنة.
كيف ساعد بوت الدردشة في تنظيم تقديم خدمات الصحة النفسية؟
ومن النقاط المهمة التي وردت في التقرير إشارة المؤلفين إلى أن زيادة عدد المرضى الحاصلين على الإحالات للحصول على المساعدة من الخدمات لم تؤدِّ إلى زيادة أزمنة الانتظار أو تتسبب بتراجع عدد التقييمات السريرية المُنَفَّذة. ويُعزى هذا إلى أن المعلومات المفصلة التي جمعها بوت الدردشة كانت تُتيح تخفيض الوقت الذي يحتاج إليه المختص السريري البشري لتقييم المرضى، مع تحسين جودة التقييمات، وتوفير موارد أخرى.
الجدير بالذكر أن بوت الدردشة التفاعلي واستمارة الويب الجامدة يمثّلان طريقتين مختلفتين للغاية لجمع المعلومات، كما يقول مدير قسم الطب النفسي الرقمي في مركز ديكونيس الطبي في ماساتشوستس، جون توروس، الذي لم يشارك في الدراسة.
ويقول: "تُبيّن لنا هذه الدراسة بعض نواحي المسار الذي قد يسلكه هذا الحقل، حيث سيصبح من الأسهل الوصول إلى الناس لفحصهم، بغض النظر عن التكنولوجيا. لكنها أيضاً تُثير التساؤل حول نوع الخدمات التي سنقدّمها للناس، وكيفية توزيع هذه الخدمات".
اقرأ أيضاً: ما الذي تجب مراعاته قبل استخدام بوتات الدردشة لخدمة العملاء؟
عموماً، ذكر المرضى الذين استخدموا بوت الدردشة وقدّموا ملاحظات إيجابية إلى ليمبيك أن بوت الدردشة مريح وسهل الاستخدام. كما قالوا أيضاً إن الإحالة زادت أملهم بالتحسن أو ساعدتهم على التخلص من الشعور بالوحدة. أيضاً، أشار بعض المشاركين أكثر من غيرهم إلى الطبيعة غير البشرية لبوت الدردشة، ما يشير إلى أن التفاعل مع البوت ساعدهم على تجنب الشعور بالإدانة أو العار أو التوتر وغيرها من المشاعر السلبية التي يمكن أن تنتج عن التحدث إلى إنسان.
الذكاء الاصطناعي كأداة فعالة لتحقيق المساواة في تقديم الخدمات
يقول مؤسس ليمبيك ورئيسها التنفيذي، روس هاربر، الذي شارك في تأليف البحث: "يمثّل ارتفاع نسبة التحسن على وجه الخصوص لدى شرائح الأقليات العرقية وغيرها، التي تتألف عادة من أفراد يصعب الوصول إليهم، نتيجة رائعة حقاً. وتُبيّن هذه النتيجة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتحول إلى أداة فعّالة لتحقيق المساواة والشمولية عند استخدامه على نحو صحيح".
كانت مواقع الويب المزودة ببوت الدردشة تعرض على زوارها نافذة منبثقة توضّح أن ليمبيك هو مساعد آلي مصمم لمساعدتهم في الحصول على الدعم النفسي. في إطار عملية الفحص الأولية التي تعتمد على الأدلة، يوجّه بوت الدردشة إلى المريض سلسلة من الأسئلة، بما فيها إصابته بأي مشكلات طبية طويلة الأمد، أو وجود تشخيصات سابقة أجراها مختصون بالصحة النفسية. ويتبعها بعدة أسئلة مصممة لقياس أعراض مشكلات الصحة النفسية الشائعة والقلق، ويعدّل هذه الأسئلة وفقاً للأعراض الأكثر اقتراناً بمشكلات المريض.
يستخدم بوت الدردشة البيانات التي يجمعها لإنشاء إحالة مفصلة، والتي يتشاركها مع نظام التسجيل الإلكتروني الذي تستخدمه الخدمة. يمكن لمختص الرعاية البشرية بعد ذلك الوصول إلى هذه الإحالة، والاتصال بالمريض خلال بضعة أيام لإجراء التقييم وبدء العلاج.
اقرأ أيضاً: 6 طرق لتتلقى ردوداً أفضل من بوتات الدردشة
يمثّل بوت الدردشة من ليمبيك تركيبة من عدة أنواع من نماذج الذكاء الاصطناعي. فالنموذج الأول يستخدم معالجة اللغة الطبيعية حتى يحلل ردود المريض المكتوبة، ويقدّم الإجابات المناسبة والمتعاطفة. وتعمل النماذج الاحتمالية على تحليل البيانات التي قدّمها المريض واستخدامها لتركيب إجابات بوت الدردشة على نحو متوافق مع مشكلات الصحة النفسية التي يُرجّح أن المريض يعانيها. وقد قال مؤلفو التقرير إن هذه النماذج قادرة على تمييز ثماني مشكلات شائعة من مشكلات الصحة النفسية بدقة 93%.
يُضيف هاربر قائلاً: "ليس لدينا عدد كافٍ من مختصي الصحة النفسية، ولهذا نسعى إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإمكانات المتاحة لدينا حالياً. سيُتيح لنا هذا التعاون بين المختصين من البشر وأنظمة الذكاء الاصطناعي توفير حل حقيقي لمشكلة الاختلال بين العرض والطلب في مجال الصحة النفسية".