شعرت مؤخراً بالحزن الشديد. فقد قطعت إحدى صديقاتي المقربات تواصلها معي. لا أعرف السبب الحقيقي، كما أن محاولاتي لإصلاح الموقف أدّت إلى نتائج عكسية. دائماً ما تكون مثل هذه المواقف مؤلمة ومثيرة للارتباك. لذا فلا عجب في أن يلجأ الناس بصورة متزايدة إلى بوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للاستعانة بها في معالجة هذه المواقف. وثمة ما يدعو إلى التفاؤل: فقد يكون الذكاء الاصطناعي قادراً على المساعدة فعلياً.
نظام ذكاء اصطناعي من جوجل ديب مايند للاتفاق حول القضايا الاجتماعية
مؤخراً، درّب باحثون من جوجل ديب مايند (Googel DeepMind) نظاماً من النماذج اللغوية الكبيرة بغية مساعدة الأشخاص على التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الاجتماعية أو السياسية المعقدة التي تحمل أهمية خاصة. وقد تدرب نموذج الذكاء الاصطناعي على كشف المواضيع والمجالات التي تتقاطع فيها أفكار الأشخاص وتقديمها. وبمساعدة هذا الوسيط الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، أصبح أفراد المجموعات الصغيرة من المشاركين في الدراسة أقل انقساماً في مواقفهم تجاه قضايا متنوعة. يمكنك قراءة المزيد حول هذا الموضوع في هذا المقال من ريانون ويليامز(إنكليزي).
يمثّل العصف الذهني أحد أفضل استخدامات بوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. وقد نجحتُ سابقاً في استخدام هذه البوتات لإنشاء مسودات لرسائل إلكترونية أكثر حزماً أو إقناعاً للتعامل مع المواقف الصعبة والمحرجة، مثل تقديم شكوى بشأن خدمة ما أو التفاوض بشأن الفواتير. تشير أحدث الأبحاث إلى أن هذه البوتات يمكن أيضاً أن تساعدنا على رؤية الأمور من وجهة نظر الآخرين. إذاً، لمَ لا أستخدم الذكاء الاصطناعي لإصلاح علاقتي مع صديقتي؟
اقرأ أيضاً: نصائح لتحقيق أقصى استفادة من بوتات الدردشة الذكية
تشات جي بي تي كمصلح!
وصفتُ الخلافَ القائم بيني وبين صديقتي من وجهة نظري لتشات جي بي تي (ChatGPT)، وطلبت منه النصيحة حول ما يجب أن أفعله. كانت الإجابة بمثابة تأكيد قوي لصحة طريقتي في التفكير، لأن بوت الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي عبّر عن دعمه لأسلوبي في التعامل مع المشكلة. وكانت النصيحة التي قدمها متوافقة مع ما كنت أفكر في فعله على أي حال. لقد وجدت أن الدردشة مع البوت والحصول على المزيد من الأفكار حول كيفية التعامل مع حالتي الخاصة أمر مفيد. لكنني لم أشعر بالرضا في نهاية المطاف، لأن النصيحة كانت على أي حال عمومية وغامضة للغاية ("ارسمي حدودك بهدوء" [Set your boundary calmly] و"عبري عن مشاعرك" [Communicate your feelings])، ولم تتضمن فعلياً أي معلومات من النوع الذي يقدمه معالج نفسي مختص.
ثمة مشكلة أخرى أيضاً: فكل خلاف يجمع بين اثنين من الأطراف. ولهذا، بدأت محادثة جديدة، وصفت فيها المشكلة كما أعتقد أن صديقتي تراها. وقد دعم بوت الدردشة القرارات التي اتخذتها صديقتي وأكد صحتها، تماماً كما فعل معي. من ناحية، ساعدني هذا التمرين على رؤية الأشياء من وجهة نظرها. فقد حاولت، عموماً، أن أتعاطف مع مشاعر الشخص الآخر، لا أن أخرج من النقاش منتصرة وحسب. لكن من ناحية أخرى، يمكنني أن أتصور تماماً المواقف التي تدفعنا فيها المبالغة في الاعتماد على نصيحة بوت الدردشة، الذي يقول لنا ما نرغب في سماعه، إلى الإصرار على آرائنا وقراراتنا، وهو ما يمنعنا من رؤية الأشياء من وجهة نظر الشخص الآخر.
اقرأ أيضاً: كيف تساعد بوتات الدردشة في الحصول على مساعدة في الصحة النفسية؟
بوت الدردشة ليس معالجاً نفسياً
لقد كانت هذه التجربة بمثابة تذكير جيد بالواقع: فبوت الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي ليس معالجاً نفسياً مختصاً ولا صديقاً. فمع أنه يستطيع أن يكرر الكميات الهائلة من نصوص الإنترنت التي تدرب عليها، مثل الببغاء، إلّا أنه لا يفهم حقاً معنى الشعور بالحزن أو الارتباك أو البهجة. ولهذا، أنصح بالتحلي بالحذر عند استخدام بوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في المسائل البالغة الأهمية، وعدم الأخذ بما تقوله على محمل الجد.
لا يمكن لبوت الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي أن يحل محل المحادثة الحقيقية على الإطلاق، حيث يكون كلا الطرفين على استعداد حقاً للإصغاء وأخذ وجهة نظر الطرف الآخر بعين الاعتبار. ولهذا، قررت أن أتخلى عن هذه الجلسات الحوارية العلاجية مع الذكاء الاصطناعي، وأن أحاول التواصل مع صديقتي مرة أخرى. ادعوا لي بالتوفيق!