شبكة أقمار اتصالات اصطناعية مملوكة لأوروبا
اتخذت دول الاتحاد الأوروبي أولى خطواتها الهادفة إلى بناء شبكة أقمار اصطناعية للاتصالات، سعياً للحصول على موطئ قدم في سباق الإنترنت الفضائي المحتدم، ولتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الصينية والأميركية في هذا المجال.
وذكرت المفوضية الأوروبية، في نهاية الشهر الماضي، أنها ستعمل مع عدد من الشركات للشروع في دراسة جدوى تستمر لمدة عام، بتكلفة تبلغ 7.1 مليون يورو (8.7 مليون دولار) لدراسة تصميم وتطوير وإطلاق نظام اتصالات فضائي مملوك لأوروبا، يعتمد على نشر مجموعة أقمار اصطناعية في مدار أرضي منخفض.
وأشارت شبكة بلومبرج إلى أن التكلفة الإجمالية لشبكة الأقمار الاصطناعية الأوروبية ستبلغ 6 مليارات يورو (7.3 مليار دولار).
ويهدف المشروع الجديد -الذي يترأسه مفوض السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي تييري بريتون- إلى تعزيز السيادة الرقمية الأوروبية وتوفير اتصال آمن للمواطنين والحكومات والشركات التجارية والمؤسسات العامة بالإضافة إلى توفير اتصالات الإنترنت عالية السرعة للمناطق الريفية والنائية.
منافسة عبر القارات
أوضحت المفوضية أن دراسة الجدوى ستنظر في الدور الذي يمكن أن تلعبه الأقمار الاصطناعية في توفير شبكات الجيل الخامس "مع الأخذ في الاعتبار أيضاً التطور الذي يسعى للوصول إلى تقنيات الجيل السادس".
وسيدخل المشروع الأوروبي في منافسة مع عدد من الشبكات المنافسة، أبرزها شبكة ستارلينك (Starlink) الأميركية التي أنشأها الملياردير إيلون ماسك، والتي يأمل أن يرسل من خلالها 42 ألف قمر اصطناعي إلى الفضاء، وشبكة ون ويب (OneWeb) التي تتخذ من لندن مقراً لها، والتي تهدف لامتلاك 648 قمراً اصطناعياً في المدار، بعدما تحولت إلى شبكة منافسة للاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من التكتل. ومن المقرر أن تبدأ هذه الأخيرة في تقديم خدمات الإنترنت في غضون 18 شهراً.
وكان إيلون ماسك قد أعلن في تغريدة نشرها في نوفمبر الماضي، أن الإصدار التجريبي من ستارلينك- التي تقتصر خدماتها حالياً على شمال الولايات المتحدة وجنوب كندا- قد يصل إلى أوروبا بحلول فبراير أو مارس القادم، موضحاً أن شركته في انتظار الحصول على موافقات كل دولة أوروبية على حدة، لأنه لا يوجد نظام موافقة موحد على مستوى الاتحاد الأوروبي.
التشفير الكمي.. ميزة تنافسية
أوضح جان إيف لو جال رئيس وكالة الفضاء الفرنسية (CNES)، في مؤتمر صحفي عبر الإنترنت أمس الأول، أن أوروبا ستسعى لمواكبة التقدم الذي أحرزته الصين في مجال تأمين الاتصالات، لتحقيق ميزة تنافسية ضد الشبكات المنافسة التي تفتقر إلى مثل هذه التقنيات.
وكان علماء صينيون قد طوروا ما يقولون إنه شكل "غير قابل للقرصنة" من اتصالات الأقمار الاصطناعية التي تعتمد على فيزياء الكم لتشفير الإشارات. وقد نجح القمر الاصطناعي الصيني "ميسياس"، العام الماضي، في إجراء اتصال فائق التأمين بين محطتين أرضيتين يفصل بينهما أكثر من 1000 كيلومتر، ليمثل بذلك ذروة التقدم الصيني في صراع التشفير الكمي.
ومن المقرر أن تقود شركة إيرباص ائتلاف الشركات التي ستعمل على تطوير الشبكة الأوروبية، جنباً إلى جنب مع مجموعة من مشغلي خدمات الإنترنت الأوروبيين وشركات الاتصالات والشركات العاملة في مجال الفضاء، أبرزهم مؤسسة تاليس إلينيا سبيس (Thales Alenia Space) الفرنسية المتخصصة في صناعة الأقمار الاصطناعية ومعدات الاتصالات، وشركة أو إتش بي (OHB SE) الألمانية للأنظمة الفضائية، ومشغلي الأقمار الاصطناعية الأوربيين يوتلسات (Eutelsat Communications SA) وإس إي إس (SES SA).
مشكلات محتملة
على الرغم من أن شبكات الأقمار الاصطناعية التي تدور في المدار الأرضي المنخفض (الذي يصل حتى ارتفاع 2,000 كيلومتر فوق سطح الأرض) توفر اتصالاً أسرع بكثير بشبكة الإنترنت من الاتصال الذي توفره الشبكات الفضائية التقليدية التي يتم تشغيلها من الأقمار الاصطناعية المستقرة في مدارات بعيدة، إلا أنها طريقها إلى تحقيق الأرباح لا يزال غير واضح، لأن المحطات الأرضية اللازمة لتشغيلها معقدة ومكلفة.
وفي سياق أخر، يعبّر الكثير من علماء الفلك منذ سنوات عن مخاوفهم من تأثير هذه الأقمار الاصطناعية على عمليات الرصد المرئي، وحتى عمليات علم الفلك الراديوي. وحذر العالم المتخصص في الكواكب أليكس باركر، عام 2019، من أن أقمار ستارلينك المرئية للعين المجردة قد تصبح أكثر من النجوم المرئية في نهاية المطاف.
كما أدى الإعلان عن هذه المجموعات الضخمة من الأقمار الاصطناعية إلى إثارة مخاوف من تحقق تأثير كيسلر (الذي يحمل اسم عالم ناسا الذي اقترح هذا السيناريو أول مرة)، حيث يصبح المدار الأرضي مكتظاً بالحطام الخَطِر نتيجةَ العديد من التصادمات بين الأقمار الاصطناعية. وسيشكل هذا الحطام خطراً على جميع التجهيزات التي تدور حول الكوكب، ويصبح الفضاء غير آمن لإطلاق مركبات فضائية جديدة.