استطاع العلماء بعد عقود من البحث إيجاد حلول للطاقة النظيفة، وبدائل أكثر استدامة من الوقود الأحفوري، بما في ذلك الطاقات المتجددة كالشمس والرياح والمياه، إلا أن تكنولوجيا البطاريات أصبحت العقبة الجديدة لتلبية احتياجات العالم من الطاقة النظيفة، إذ بقى التحدي الأكبر متمثلاً بالطبيعة المتقطعة لمصادر الطاقة، وكيفية تخزينها للأوقات التي لا تكون في الشمس أو الرياح متوفرة. وفقاً لباحثي شركة "بولار نايت إينرجي" (Polar night energy) الفنلندية، ربما الحل على بُعد عدة كيلومترات منك، الرمال.
استخدام الرمل لتخزين الحرارة
كشفت شركة "بولار نايت إينرجي"، وهي شركة تُعنى بتخزين الحرارة الموسمية، عن أول بطارية رملية تجارية في العالم يمكنها نقل الحرارة إلى المدن للاستخدامات المنزلية أو الصناعية. وتتألف من صومعة فولاذية بطول 7 أمتار وقطر 4 أمتار بداخلها نحو 100 طن من الرمل القياسي، كما أبرمت شراكة مع مزود التدفئة "فاتاجانكوسكي" (vatijankowski) لتخزين الطاقة الزائدة من مزارع الرياح والطاقة الشمسية في مدينة كانكانبار (kankanpar) الفنلندية.
يقول ماركو يلونين (Markku Ylönen)، المؤسس المشارك لشركة "بولار نايت إينرجي"، ورئيس قسم التكنولوجيا في بيان: "الغرض الرئيسي منها هو العمل كمخزن عالي السعة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية الزائدة.
يتم تخزين الطاقة على شكل حرارة يمكن استخدامها لتدفئة المنازل أو لتوفير بخار ساخن وحرارة عملية عالية للصناعات التي غالباً ما تعتمد على الوقود الأحفوري".
اقرأ أيضاً: كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في حل المشكلات التي تعترض صناعة الطاقة الشمسية؟
كيف تعمل البطارية الرملية؟
البطارية الرملية في الأساس هي وحدة تخزين للطاقة، تعمل كنظام تبادل حراري مغلق، يتم تسخين هواء ضمن نظام أنابيب مغلق حتى 600 درجة مئوية باستخدام سخان مقاومة كهربائي يعمل بالكهرباء المولدة بتوربينات الرياح والألواح الشمسية.
يتحرك الهواء الساخن ضمن الأنابيب بتكوين يسمح بتسخين مركز الرمال أكثر من الأجزاء الخارجية، ما يقلل من كمية فقدان الحرارة في الغلاف الخارجي، ومن الحاجة للعزل الداخلي، وبالطبع من تكاليف بناء البطارية الرملية.
بمجرد أن تصل درجة حرارة الرمل إلى أقصى حد ممكن لها، يمكن تخزينها ضمن البطارية الرملية لعدة أسابيع وحتى شهر، ولكن كيف تخرج الحرارة المخزنة؟
لاستخدام الحرارة، نحتاج لدفع الهواء البارد عبر الأنابيب مرة أخرى ضمن صومعة الرمال حتى ترتفع درجة حرارته. يخرج الهواء الساخن والمعزول من الطرف الآخر، حيث يمكنه تبادل الحرارة مع الماء الذي يتم تغذيته مباشرة في نظام التدفئة.
اقرأ أيضاً: تعرف على مشروع طاقة الرياح «دومة الجندل» في السعودية
لماذا الرمال؟
يتميز الرمل بكونه مادة عالية الكثافة ومنخفضة التكاليف باستثناء الرمال المستخدمة في البناء، لكن أكثر ما يميزها هو ارتفاع نقطة غليانها إلى ما يفوق بكثير نقطة غليان الماء، أي أنها قادرة على تخزين أضعاف ما يمكن لخزان مماثل من الماء تخزينه، قد تصل درجة حرارته إلى نحو 600 درجة مئوية. بالإضافة إلى ذلك، تساعد المقاومة الحرارية للمواد المستخدمة في بناء البطارية الرملية وملحقاتها في زيادة سعة التخزين القصوى للرمال.
مستوى تشغيل البطارية الرملية
يقول فيل كيفيوجا (Ville Kivioja)، كبير العلماء في شركة "بولار نايت" لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، إن البطارية الفنلندية تخزن 8 ميغاواط / ساعة من الطاقة الحرارية عندما تكون ممتلئة، وتُفرغ نحو 200 كيلوواط من الطاقة عبر الأنابيب، وهو ما يكفي لـ 100 منزل والمسبح العام.
تهدف شركة بولار نايت إلى تشغيل ما بين 20 - 50 دورة في السنة، أي نحو 100 ساعة لكل شحنة. وفقاً ليلونين، من الممكن تقنياً بناء نظام يتم تفريغه على فترة أطول من عدة أسابيع وتصل لشهرين، لكن هذا سيتطلب حجماً أكبر وتقنيات وأكثر تعقيداً، ما يجعله غير مُجدٍ اقتصادياً في أي نوع من أنظمة التخزين.
في المستقبل، تهدف بولار نايت لبناء نظام تخزين طاقة بسعة نحو واحد جيجاواط في الساعة، سيصل طوله إلى 10 أمتار وقطره إلى 20 متراً، وهو الحجم المناسب لشبكات التدفئة في كانكانبار ولجميع الصناعات التي تتطلب حرارة معالجة أو بخار عالي الضغط لعملياتها.
تجارب مشابهة
في الوقت الذي شيدت فيه شركة بولار نايت بطاريتها الرملية، تقوم شركة إنتاج الطاقة السويدية "فاتنفال" (Vatenfall) ببناء خزان بارتفاع 45 متراً في مدينة برلين الألمانية، وبسعة تصل إلى 56 مليون لتر من الماء لتخزين الحرارة عند الدرجة 98 درجة مئوية. من المتوقع تشغيله عام 2023، بحيث يمكنه إنتاج نحو 200 ميجاواط يتم تفريغها مباشرة في نظام التدفئة المحلي لمدة تصل إلى 13 ساعة. فتخيل ما ستكون عليه السعة فيما لو كان الخزان مملوءاً بالرمال عند درجة حرارة تفوق الـ 500 درجة مئوية.
اقرأ أيضاً: كيف يتم تسخين الماء بالطاقة الشمسية؟
استطاعت بطاريات الرمل بحجمها الكبير وعمرها الافتراضي الذي يستمر لعدة عقود أن تتفوق على بطاريات الليثيوم التي تفقد جزءاً من سعتها مع كل دورة شحن وتفريغ، ما سيجعلها تؤدي دوراً رئيسياً في جهود تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.