أمضت شركة مواد في مقاطعة ألاميدا بولاية كاليفورنيا الأميركية العقدَ الماضي في العمل على زيادة الطاقة المخزنة في بطاريات الليثيوم-أيون، وهو تقدم يمكّن أن يتيح للأدوات الأصغر حجماً والمركبات الكهربائية الوصولَ إلى مدى أكبر بكثير.
طورت شركة سيلا جسيمات تعتمد على السيليكون يمكنها أن تحل محل الجرافيت في الأنودات، وأن تحمل المزيد من أيونات الليثيوم التي تنقل التيار في البطارية.
والآن بدأت الشركة في طرح منتجاتها في السوق للمرة الأولى؛ حيث ستوفر نسبة من مسحوق الأنود الموجود داخل بطارية جهاز اللياقة البدنية القابل للارتداء ووب 4.0 (Whoop 4.0). ورغم أنه جهاز صغير إلا أنه قد يمثل خطوة كبيرة للأمام في مجال البطاريات الذي غالباً ما تفشل فيه النتائج المعملية الواعدة في التحول إلى نجاحات تجارية.
ويقول جين بيرديتشيفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة سيلا: "فكر في ووب 4.0 على أنه سيارة تسلا رودستار الخاصة بنا. إنه حقاً أول جهاز في السوق يبرهن على هذه الطفرة". وكان بيرديتشيفسكي قد ساعد -بصفته الموظف السابع في شركة تسلا- في حل بعض التحديات الجسيمة التي واجهت بطارية أول سيارة كهربائية أنتجتها الشركة.
زادت مواد الشركة -بمساعدة بسيطة من التطورات الأخرى- من كثافة الطاقة في بطارية جهاز تتبع اللياقة البدنية بنحو 17٪، وهو ما يعد تقدماً كبيراً في مجال عادة ما يتقدم إلى الأمام بضع نقاط مئوية في السنة.
ويقول فينكات فيسواناثان، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية بجامعة كارنيجي ميلون، إن هذا الأمر يعادل حوالي أربع سنوات من التقدم القياسي "ولكن في قفزة كبيرة واحدة".
وبالرغم من أن شركة سيلا لا تزال تواجه بعض التحديات التقنية الحقيقية، إلا أن هذا التقدم يُعد إشارة واعدة بشأن إمكانات البطاريات ذات القدرات المتزايدة على مساعدة العالم على الابتعاد عن الوقود الأحفوري مع تسارع مخاطر تغير المناخ. إن تعزيز كمية الطاقة التي تستطيع البطاريات تخزينها يُسّهل مهمة مصادر الكهرباء النظيفة في تشغيل المزيد من المباني والمركبات والمصانع والشركات.
أما بالنسبة لقطاع النقل، فيمكن للبطارية ذات الطاقة الأكثر كثافة أن تقلل من تكاليف المركبات الكهربائية أو تزيد مداها، لتعالج بذلك اثنتين من أكبر المشكلات التي تُثني المستهلكين عن التخلي عن شاحناتهم المسرفة في استهلاك البنزين. كما تبشر بالوصول إلى بطاريات تخزين للشبكات قادرة على توفير المزيد من الطاقة من مزارع الطاقة الشمسية ومزارع الرياح، أو توفير أدوات استهلاكية تدوم لفترة أطول بين الشحنات.
ويقول بيرديتشيفسكي، الذي حصد جائزة مبتكرون دون 35 عام 2017، إن كثافة الطاقة هي السبيل إلى "كهربة كل شيء".
وفيما يتعلق بجهاز اللياقة البدنية الجديد، أتاحت مواد البطارية الجديدة وغيرها من التحسينات لشركة ووب -التي تتخذ من مدينة بوسطن مقراً لها- تقليصَ حجم الجهاز بنسبة 33٪ مع استمرار البطارية في العمل لمدة خمسة أيام. والآن بات هذا المنتج -الذي طُرح للبيع في 8 سبتمبر الجاري- رقيقاً إلى الحد الذي يسمح بإدخاله في "الملابس الذكية" فضلاً عن ارتدائه مثل الساعة.
كما أن شركة سيلا -التي أعلنت عن تمويل بقيمة 590 مليون دولار في يناير الماضي- دخلت في شراكات لتطوير مواد البطاريات لبعض شركات صناعة السيارات، بما فيها بي إم دبليو (BMW) ودايملر (Daimler). وقالت الشركة إن تقنيتها يمكن في النهاية أن تزيد كمية الطاقة في بطاريات الليثيوم-أيون بما يصل إلى 40٪.
منع الحرائق
أجرى بيرديتشيفسكي مقابلة عمل وحصل على وظيفته في شركة تسلا قبل سنته النهائية في جامعة ستانفورد؛ حيث كان يسعى للحصول على شهادة في الهندسة الميكانيكية. وانتهى به المطاف إلى لعب دور رئيسي في معالجة أحد الأخطار الوجودية المحتملة التي تهدد الشركة: وقوع حريق في أي من آلاف البطاريات المعبأة في السيارة من شأنه أن يشعل حزمة البطاريات بأكملها.
وضع بيرديتشيفسكي برنامجاً لتقييم سلسلة من تصميمات حزم البطاريات بشكل منهجي. وبعد مئات الاختبارات، طورت الشركة تركيبة من ترتيبات البطاريات ومواد نقل الحرارة وقنوات التبريد التي حالت إلى حد كبير دون اندلاع الحرائق.
وفي أعقاب إطلاق تسلا سيارة رودستر، شعر بيرديشيفسكي أنه يتعين عليه إما الالتزام بدعم الشركة لخمس سنوات أخرى حتى تطوير سيارتها التالية (الطراز إس) أو انتهاز الفرصة لتجربة شيء جديد.
وفي النهاية، قرر أنه يريد بناء شيء خاص به.
عاد بيرديشيفسكي إلى جامعة ستانفورد للحصول على الماجستير في مجال دراسة المواد والديناميكا الحرارية والفيزياء، على أمل إيجاد طرق لتحسين التخزين على المستوى الأساسي. وبعد تخرجه، أمضى عاماً بصفته رائد أعمال مقيم في شركة سوتر هيل فينتشرز (Sutter Hill Ventures)، يبحث عن أفكار يمكن أن تشكل أساساً لعمله الخاص.
وفي تلك الفترة صادف ورقة علمية تحدد طريقة لإنتاج جسيمات تعتمد على السيليكون لأنودات بطارية الليثيوم-أيون.
لطالما اعتبر الباحثون أن السيليكون يمثل وسيلة واعدة لزيادة الطاقة في البطاريات؛ لأن ذراته يمكن أن ترتبط بأيونات ليثيوم أكثر بعشر مرات من حيث الوزن مما يمكن للجرافيت، وهو ما يعني أنها تحمل كمية أكبر بكثير من الجسيمات المشحونة التي تولد التيار الكهربائي في البطارية. بيد أن أنودات السيليكون تميل إلى التفتت أثناء الشحن؛ لأنها تتضخم لاستيعاب الأيونات التي تنتقل ذهاباً وإياباً بين الأقطاب الكهربائية.
وقد سلطت الورقة البحثية -التي شارك في تأليفها جليب يوشن أستاذ علوم المواد في معهد جورجيا للتكنولوجيا- الضوءَ على إمكانية تطوير مواد سيليكونية صلبة ذات نواة مسامية يمكنها أن تستقبل أيونات الليثيوم وتطلقها بسهولة أكبر.
وفي العام التالي، شارك بيرديشيفسكي في تأسيس سيلا مع كل من يوشين وأليكس جاكوبس، وهو مهندس أخر سابق في تسلا.
عراقيل وتأخيرات
أمضت الشركة العقد التالي في تغيير وتبديل أساليبها وموادها، وعملت من خلال أكثر من 50 ألف تكرار كيميائي بينما كانت توسع نطاق قدرتها التصنيعية. وقررت الشركة في مرحلة مبكرة تطوير المواد التي يمكن لشركات تصنيع بطاريات الليثيوم-أيون استبدالها، بدلاً من اتباع المسار الأكثر تكلفة وخطورة المتمثل في إنتاج بطاريات كاملة بنفسها.
ومع ذلك، فإن سيلا لم تقطع شوطاً طويلاً كما كانت تأمل في البداية.
بعد حصولها على عدة ملايين من الدولارات من وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة للطاقة (ARPA-E) التابعة لوزارة الطاقة الأميركية، أخبرت الشركة -في مرحلة ما- وكالةَ الأبحاث أن موادها يمكن أن تُستخدم في المنتجات بحلول عام 2017 وفي المركبات بحلول عام 2020. وفي عام 2018، عندما أعلنت سيلا عن اتفاقها مع بي إم دبليو، قالت إن الجسيمات التي تنتجها يمكن أن تساعد في تشغيل المركبات الكهربائية الخاصة بشركة صناعة السيارات الألمانية بحلول عام 2023.
ويقول بيرديشيفسكي إن الشركة تتوقع الآن أن يتم استخدام موادها في المركبات "بحلول عام 2025"، مضيفاً أن حل مشاكل "الميل الأخير" كان أصعب مما توقعوا. وقد تضمنت التحديات العمل مع شركات تصنيع البطاريات للحصول على أفضل أداء من المواد الجديدة.
وأضاف في رسالة بالبريد الإلكتروني: "كنا متفائلين بشكل ساذج إزاء التحديات الخاصة بالتوسع وطرح المنتجات في السوق".
وتشير أخبار ووب إلى أن سيلا تمكنت من هندسة الجسيمات بطريقة توفر الأمان والعمر التشغيلي ومعايير أداء البطارية الأخرى المماثلة لتلك التي تحققها المنتجات الموجودة حالياً.
ولكن من الجدير بالذكر أن جسيمات سيلا لن توفر سوى حوالي 25٪ فقط من سعة أنود البطارية، وستوفر المواد المعيارية المصنوعة من الجرافيت النسبة الباقية.
ويرى فيسواناثان أن الاختبار الأكبر يتمثل في الانتقال من استبدال الجرافيت جزئياً إلى استبداله بالكامل، وهو ما يتطلب مستوى أكبر من الدقة والأداء.
ويقول إنه بالإضافة إلى ذلك لا تزال الشركة تواجه تحديات جسيمة للانتقال من الأجهزة الاستهلاكية إلى تلبية المتطلبات الأكثر صرامة للمركبات الكهربائية، فالسيارات والشاحنات والحافلات تحتاج إلى بطاريات كثيفة الطاقة وآمنة للغاية يتم شحنها بسرعة وتتمتع بعمر تشغيلي طويل، إلى جانب أشياء أخرى. ويضيف فيسواناثان أن مشكلة كيمياء البطاريات هي أن تحسين المواد والعمليات التي ينطوي عليها معيار أداء واحد يمكن أن يأتي في الكثير من الأحيان على حساب معايير أخرى.
ويقول بيرديشيفسكي إن مواد البطارية التي تنتجها سيلا ستحل بالكامل محل الجرافيت في منتجها التجاري التالي، الذي يقول إنه "جاهز ومُعد" للعمل مع شريك لا يمكنه أن يعلن عنه بعد. وخلافاً لغيرها من مواد البطاريات الواعدة التي تحظى باهتمام الصحافة والمستثمرين هذه الأيام -مثل فلز الليثيوم- فإن مواد السيليكون التي تنتجها سيلا موجودة بالفعل في المنتجات.
ويضيف: "نحن من أشد المؤمنين بأن الأمل والضجة لا يغيران العالم، بينما شحن (المنتجات) يغيره".