إن بناء بيئة افتراضية واقعية الشكل يتطلب الكثير من الوقت والمهارة؛ حيث يتوجب بناء التفاصيل يدوياً واستخدام شريحة رسوميات تقوم بتنجيز الأشكال المجسمة ثلاثية الأبعاد (التنجيز: بناء المنظر النهائي بكافة التفاصيل الرسومية)، والإضاءة المناسبة، ومختلف البِنى السطحية والإكساءات. وعلى سبيل المثال، فإن أحدث ألعاب الفيديو الشهيرة، ريد ديد ريدمبشن 2 (صدرت في أكتوبر 2018)، قد تطلبت فريق عمل من ألف مطوِّر تقريباً لبنائها على مدى أكثر من ثماني سنوات، وكانوا يعملون أحياناً أكثر من 100 ساعة أسبوعياً. ولكن يبدو أن هذا الإرهاق لن يكون ضرورياً بعد الآن، وذلك بفضل خوارزمية جديدة ومتطورة للذكاء الاصطناعي يمكنها أن تتخيل على عجل كافة التفاصيل الواقعية التي تخص أحد المشاهد.
فقد قامت شركة إنفيديا المتخصصة في الشرائح الرسومية بتطوير هذه الخوارزمية، التي لن تسهِّل من حياة مطوِّري البرمجيات وحسب، بل يمكن استخدامها أيضاً لتوليد البيئات الافتراضية الخاصة بالواقع الافتراضي بصورة آلية، أو لتعليم السيارات ذاتية القيادة أو الروبوتات حول العالم؛ حيث يقول بريان كاتانزارو (نائب رئيس قسم التعلم العميق التطبيقي في إنفيديا): "يمكننا أن نبني مشاهد جديدة لم تُرَ من قبل، ويمكننا أن نقوم بتنجيزها. فنحن نقوم في الواقع بتعليم النموذج (كيف يرسم) بناء على فيديوهات حقيقية".
وقد استخدم باحثو إنفيديا التعلم الآلي النموذجي للتعرف على الأجسام المختلفة في مشهد الفيديو، مثل: السيارات، والأشجار، والمباني، وغيرها. ومن ثم استخدموا ما يعرف باسم: الشبكات التوليدية التنافسية لتدريب الحاسوب على بناء الصور الواقعية ثلاثية الأبعاد.
ويمكن بعد ذلك تلقيم النظام بالشكل العام للمشهد، وهو الذي يوضِّح مواضع الأجسام المختلفة، وسيملأه بتفاصيل مذهلة ولامعة بعض الشيء. وتبدو النتيجة النهائية مثيرة للإعجاب، حتى لو ظهرت بعض تلك الأجسام منحنية أو ملتفة بعض الشيء. يقول كاتانزارو: "تقوم البرمجيات التقليدية بعملية التنجيز عن طريق بناء كيفية لتفاعل الضوء مع الأجسام. وقد تساءلنا عما نستطيع فعله من أجل أن نستخدم الذكاء الاصطناعي في تغيير عملية التنجيز".
كما يقول كاتانزارو إن هذه الطريقة يمكنها أن تسهِّل من عملية تصميم الألعاب. وبالإضافة إلى تنجيز مشاهد كاملة، فيمكن استخدامها أيضاً لإضافة شخص حقيقي إلى لعبة فيديو اعتماداً على مقطع فيديو واقعي له، كما يقترح إمكانية استخدام هذا البرنامج للمساعدة في تنجيز إعدادات واقعية للواقع الافتراضي، أو تأمين بيانات تدريب مصطنعة للسيارات أو الروبوتات ذاتية التحكم، ويقول: "لا يمكنك أن تحصل في الواقع على بيانات تدريب حقيقية لجميع الأوضاع الممكنة". وقد تم الإعلان عن العمل مؤخراً في مؤتمر NeurIPS للذكاء الاصطناعي في مونتريال.
يقول ميشييل فان دي بان (وهو بروفسور مختص بالتعلم الآلي والرسوميات الحاسوبية في جامعة كولومبيا البريطانية): "إنه عمل مثير للاهتمام ويستحق الإعجاب". ويلحظ أن الأعمال السابقة التي اعتمدت على الشبكات التوليدية التنافسية كانت تقوم على اصطناع عناصر أكثر بساطة (مثل الصور الإفرادية أو تحريك للشخصيات)، ويتابع قائلاً: "يمهد هذا العمل لطريقة مختلفة جذرياً لبناء الصور المتحركة، وتتمتع بمجموعة مختلفة من الإمكانات"، وهي أقل عبئاً على الحواسيب وأكثر قدرة على التفاعل.
وليست خوارزمية إنفيديا سوى الأحدث في مجموعة من الإنجازات المذهلة التي تتضمن استخدام الشبكات التوليدية التنافسية، وقد تم ابتكار هذه الشبكات من قِبل أحد باحثي جوجل منذ عدة سنوات، وقد ذاع صِيتها بصفتها أداة ممتازة لاصطناع الصور والأصوات الواقعية، والغريبة إلى حد يثير القشعريرة.
ويبدو أن هذا التوجه سيُحدث ثورة في عالم الرسوميات الحاسوبية والمؤثرات الخاصة المرئية، ولمساعدة الفنانين والموسيقيين على تخيل وتطوير أفكار جديدة. ولكنه قد يؤدي أيضاً إلى زعزعة ثقة العامة في الأدلة القائمة على الصوت والصورة. ويعترف كاتانزارو أن من الممكن إساءة استخدام هذه التقنية، حيث يقول: "إنها تقنية متعددة الاستخدامات، بما فيها الاستخدامات المسيئة".