سجلات التاريخ البشري الحديث في خطر في حال انهيار تويتر

4 دقائق
سجلات التاريخ البشري الحديث في خطر في حال انهيار تويتر
سيبا يو إس أيه| أسوشييتد برس

أدى موقع تويتر دوراً مهماً في الأحداث العالمية، منذ نشر أول تغريدة في عام 2006 تقريباً. تم استخدام المنصة لتسجيل كل شيء من الأحداث التي شهدها العالم العربي إلى الحرب المستمرة في أوكرانيا. كما أنها سجلت أيضاً محادثاتنا العامة لسنوات.

لكن الخبراء قلقون من أنه إذا قام إيلون ماسك بإغلاق الشركة، فقد تضيع هذه الوسائط والمحادثات إلى الأبد. قام ماسك بالاعتراف للموظفين في مكالمة في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني باحتمالية إغلاق تويتر، ما يُعد خطراً حقيقياً وقائماً.

خسارة محتملة كبيرة لتويتر كمنبر عام

يقر ماسك نفسه بأن تويتر منبر عام، وهذا ما يجعل الخسارة المحتملة للمنصة كبيرة للغاية. فقد أصبح تويتر جزءاً لا يتجزأ من الحضارة اليوم. فهو مكان يوثّق فيه الناس جرائم الحرب ويناقشون القضايا الرئيسية وينشرون الأخبار العاجلة.

حيث كان الموقع أول من أعلن عن الغارة الأميركية التي أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن. وهو المكان الذي يحصل فيه الناس على آخر الأخبار حول الحرب الروسية الأوكرانية. كما ظهر على الموقع خبر إسقاط الطائرة إم إتش 17 (MH17) للمرة الأولى، وهي طائرة الخطوط الجوية الماليزية التي من المحتمل أن تكون قد أسقطتها القوات الموالية لروسيا في أوكرانيا في عام 2014. تُعد المنصة وثيقة تاريخية حية. وهناك مخاوف حقيقية من زوالها قريباً.

يقول كبير المحللين في معهد الحوار الاستراتيجي (ISD)، وهو مؤسسة فكرية عالمية، كيران أوكونور: "إذا اختفى تويتر، فإن كل الأدلة المباشرة والمحتملة على المجازر أو جرائم الحرب، ستتلاشى تماماً". تم استخدام المعلومات التي جُمعت من خلال استخبارات المصادر المفتوحة (OSINT) لدعم الملاحقات القضائية لجرائم الحرب، وهي بمثابة سجل للأحداث بعد فترة طويلة من تلاشي الذاكرة البشرية.

تقول إليز توماس، زميلة أوكونور، وكبيرة محللي استخبارات المصادر المفتوحة (OSINT) في معهد الحوار الاستراتيجي (ISD)، إن أحد الأسباب التي تجعل من الانهيار المحتمل لتويتر تحدياً استثنائياً هو أن "الميدان الرقمي العام" قد تم إنشاؤه على خوادم شركة خاصة. وتضيف: سنضطر إلى التعامل مع هذه المشكلة عدة مرات خلال العقود القادمة. "ربما يكون هذا أول اختبار حقيقي".

اقرأ أيضاً: تجربة شخصية: سأغادر منصة تويتر رغم نجاحي الكبير عليها

منجم ذهب من المعلومات

تقول توماس: إن انتشار تويتر في كل مكان، واعتماده من قبل ما يقارب من ربع مليار مستخدم على مدى 16 عاماً، ووضعه كأرشيف عام فعلي، جعله بمثابة منجم ذهب للمعلومات.

وتوضح: "يمثل هذا بالفعل فرصة عظيمة للمؤرخين في المستقبل، حيث لم نملك القدرة من قبل على جمع هذا القدر الكبير من البيانات حول أي حقبة تاريخية سابقة". لكن هذا الحجم الهائل من البيانات يمثل مشكلة تخزين ضخمة للمؤسسات.

أخذت مكتبة الكونغرس الأميركية على عاتقها الاحتفاظ بسجل عام لجميع التغريدات لمدة 8 سنوات، لكنها توقفت عن ذلك في عام 2018، وقررت الاحتفاظ بعدد صغير فقط من منشورات الحسابات.  يقول المدير التنفيذي لتحالف الحفظ الرقمي، ويليام كيلبرايد: "ولم تنجح بذلك أبداً". إن البيانات التي كان من المتوقع تخزينها في مكتبة الكونغرس ضخمة للغاية. كان لديهم بعض أفضل الخبرات في هذا الموضوع. إذا لم تتمكن مكتبة الكونغرس من القيام بذلك، فإن هذا ينبئ بشيء مهم جداً".

اقرأ أيضاً: هل ستتعطل منصة تويتر خلال الأسابيع المقبلة كما يتوقع أحد مهندسيها؟

إنها مشكلة كبيرة، لأن تويتر يعجّ بمحتوى مهم على مدى 16 عاماً مضت، وهو ما يمكن أن يساعد المؤرخين في المستقبل على فهم أحداث العالم التي تدور اليوم.

يقول إليوت هيجينز، مؤسس موقع بيلنجكات (Bellingcat) لاستخبارات المصادر المفتوحة، الذي ساعد في تقديم المتورطين في حادثة إسقاط الطائرة إم إتش 17 (MH17) إلى العدالة: "بطريقة ما، أصبح تويتر بمثابة مجمِّع للمعلومات. تأتي الكثير من الأخبار حول ما يحدث في أوكرانيا من قنوات تليغرام التي يتابعها أشخاص آخرون، لكنهم يشاركونها على تويتر". سهّل تويتر تصنيف المحتوى واستخدامه حول أي مكان في العالم تقريباً، وذلك بالاستفادة من قائمة الأخبار العاجلة للمعلومات ذات الصلة التي يحصل عليها من المؤسسات الضخمة والأفراد المستقلين. سيكون غياب الموقع مؤثراً بشدة.

إن اختفاء الكثير من المعلومات من الإنترنت ليس مشكلة جديدة. في عام 2017، اتُهم موقع يوتيوب بعرقلة التحقيق فيما يخص الأحداث في بعض الأماكن من خلال حذف الحسابات التي نشرت مقاطع فيديو عنها نهائياَ. ثم تراجع في النهاية، مدركاً الأهمية التي يضطلع بها من خلال تقديمه مجموعة من المعلومات التاريخية.

يقول هيجينز: "لا أعتقد أن هذا الأمر سيتكرر مع إيلون ماسك".  (لم يرد ماسك على طلب للتعليق حول ما إذا كان سيضمن أو يساعد في التخزين الدائم لسجل منشورات تويتر في حال عدم قدرة الموقع على الاستمرار. وحسبما ذكرت عدة تقارير، فإن تويتر لم يعد لديه فريق اتصال بعد التسريح الجماعي للعمال.)

اقرأ أيضاً: تويتر ماسك: ما فائدة تحرير العصفور المغرد إذا أصبحت الغابة كلها داخل القفص؟

لا يقتصر القلق على باحثي استخبارات المصادر المفتوحة (OSINT). إن قلق الوكالات العامة الأميركية بشأن فقدان حالة التوثيق، يسلّط الضوء على حقيقة أن الكثير من التصريحات الرسمية الصادرة عن الحكومات والهيئات العامة يتم نشرها الآن على تويتر أولاً. يقول كيلبرايد: "ليس هناك ما يشير إلى أرشفة تلك السجلات الرسمية للوكالات الحكومية أبداً، أو حتى إلى الطريقة التي سيتم فيها القيام بذلك فعلاً".

تاريخ رقمي

وقد أخذ الكثير من المستخدمين على عاتقهم القيام بشكل منفرد بنسخ بياناتهم احتياطياً، في حين يمكن استخدام أرشيف الإنترنت لتخزين لقطات لصفحات تويتر على الإنترنت بشكل دائم في مكان أكثر موثوقية من خوادم تويتر الخاصة. لكن كلتا الطريقتين لهما مشكلاتهما الخاصة: غالباً لا يتم تخزين الوسائط المتعددة من خلال طريقة أرشفة التغريدات، وهو أمر من شأنه أن يؤثر على الأعداد الهائلة من الحسابات التي تنشر صوراً ومقاطع فيديو من الأحداث الجارية في إيران، أو توثّق الحرب الروسية الأوكرانية، في حين أن الوصول إلى المعلومات بسهولة يتطلب معرفة عنوان الصفحة الإلكترونية URL الصحيح لأي تغريدة للوصول إليها. يقول هيجينز: "قد تجد صعوبة في العثور على ذلك العنوان إذا لم يتم حفظه بالفعل بطريقة ما في مكان آخر على الإنترنت".

يعتمد بعض المستخدمين على خدمات الجهات الخارجية التي تُستخدم عادةً لمحاولة تسهيل تحليل سلاسل تغريدات تويتر الطويلة وفهمها، كاستخدام تطبيق ثريد ريدر (Thread Reader) كأداة أرشفة، ولكن هذا ليس حلاً مثالياً أيضاً. تقول توماس: "يكاد يكون من المؤكد أن الشركات التي تقدم هذه الخدمات صغيرة ومؤقتة، وليس هناك ما يدفعنا للاعتقاد بأنه سيتم الاحتفاظ بالمحتوى إلى الأبد هناك أيضاً، لا سيّما بمجرد اختفاء تويتر، وكذلك نموذج عمل الشركة في فتح سلسلة تغريدات تويتر".

اقرأ أيضاً: لماذا لا تتماشى التوجهات السائدة المقترحة من تويتر مع الواقع؟

يقول كيلبرايد: "هناك طريقة لطيفة لإطفاء الأنوار، ويجب تفضيل الإغلاق المنظّم للخدمة على الفوضى التي نشهدها الآن"، في مناشدةٍ منه لإيلون ماسك للتصرف بالسرعة المطلوبة في حال كان تويتر على وشك الانهيار​​.

ليس لدى توماس حل جيد للمشكلة، وحسب التغريدات على تويتر في الوقت الحالي، فإن التوقعات ليست مبشّرة تماماً. "سنفقد الكثير من التاريخ الرقمي إذا توقف تويتر دون سابق إنذار".

المحتوى محمي