كيف ترسم وكالة حكومية أميركية مستقبل الطاقة؟

4 دقائق
نظرة من الداخل: الوكالة الحكومية التي ترسم مستقبل الطاقة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ PopTika

أسهمت الحكومة الأميركية في ابتكار بعض من أشهر اختراعات القرن المنصرم، بدءاً من الحواسيب الشخصية وصولاً إلى نظام تحديد المواقع العالمي بشكله المعاصر. والآن، تعمل على تقديم مساهمة مماثلة في مجال الطاقة.

تم دعم هذه المشاريع المهمة من قبل وكالة المشاريع والأبحاث الدفاعية المتقدمة، المعروفة اختصاراً باسم داربا (DARPA). وقد أسست الولايات المتحدة هذه الوكالة في 1958 كجزء من وزارة الدفاع، وقامت هذه الوكالة بتمويل ورعاية التكنولوجيات المتعلقة بالمسائل الدفاعية، بدءاً من مرحلة الأفكار وصولاً إلى مرحلة التنفيذ. وأصبحت هذه الوكالة نموذجاً للحكومات التي تسعى إلى دعم الأبحاث المتقدمة في أنحاء العالم كافة.

واعتماداً على مخطط داربا، تم تأسيس أربا-إي (ARPA-E) كجزء من وزارة الطاقة في عام 2007 لدعم ابتكارات مماثلة في مجال الطاقة. ومنذ ذلك الحين، قدّمت الوكالة أكثر من 3 مليارات دولار من التمويل لأكثر من 1,400 مشروع في أبحاث الطاقة المتقدمة، وساعدت على إطلاق تكنولوجيات مبتكرة في الأسواق. وقد أطلقت وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر غرانهولم على هذه الوكالة لقب "مصنع المشاريع الطموحة" الحكومي في مجال الطاقة.

اقرأ أيضاً: شركة ناشئة تنجز خطوة كبيرة تجاه استخدام الطاقة النظيفة في قطاع الطيران

وفي يناير/ كانون الثاني، تسلمت المديرة الجديدة، إيفيلين وانغ، منصبها في الوكالة. وحتى تقود هذه الوكالة، تخلت وانغ عن منصبها السابق مديرة لقسم الهندسة الميكانيكية في معهد إم آي تي. وفي جلسة خاصة، تحدثنا معها حول مستقبل تكنولوجيا الطاقة، والتحديات المقبلة، وكيفية قياس التقدم في المراحل المبكرة من الأبحاث. وفيما يلي بعض المقتطفات من هذا الحوار، والتي تم تعديلها بهدف زيادة الوضوح والإيجاز.

ما وجهة نظرك حول دور أربا إي في دعم تكنولوجيا الطاقة في الوقت الحالي وما علاقتها بالنطاق الأوسع لوزارة الطاقة؟

تستغرق بعض تكنولوجيات الطاقة عقداً من الزمن على وجه التقريب حتى تصبح قابلة للتطبيق بصورة واقعية ومؤثرة. وأعتقد أن باقي أقسام وزارة الطاقة تركّز في أغلب الأحيان على خارطة طريق محددة، وتولي اهتماماً خاصاً للإنجازات على المدى القريب.

أما نحن، فنركز على المشاريع عالية المخاطر والمردود، وهي تكنولوجيات يمكن أن تؤدي إلى تحولات جذرية في مجال الطاقة، وأعتقد أن عملنا يشمل نطاقاً واسعاً للغاية، حيث يمتد من المفاهيم الأساسية إلى التحقيق العملي لنموذج أولي يمكن استثماره في المستقبل.

ولهذا، أعتقد أننا نعمل بصورة متكاملة مع باقي أقسام وزارة الطاقة، ولكن العملين مختلفان جذرياً، لأننا نركز على هذه الابتكارات التكنولوجية عالية المخاطر، وبعيدة الأمد. وهنا يكمن تأثير أربا-إي، لأننا نركز على الأشياء التي لا نعرف ما إذا كانت ستحقق النجاح أم لا، ولكنها تنطوي على احتمال إحداث تغيير كبير في مشهد الطاقة. وهو شيء أعتقد أن الكثير من الوكالات الأخرى لا تغامر به.

ما بعض المجالات التي أصبحت جاهزة للابتكار في قطاع الطاقة؟ 

على المدى القريب، نبذل جهوداً كبيرة لتحسين المواد نصف الناقلة، على سبيل المثال، وذلك لزيادة إمكانات شبكة الكهرباء العامة. ونسعى إلى التفكير في أساليب لنقل الشبكة إلى تحت الأرض، وهي مسألة مهمة للغاية بالنسبة للكثير من أعمالنا الحديثة.

كما بدأنا باستكشاف المحيط، وأعتقد أنه يمثّل فضاء بإمكانات كبيرة لم يتم استثمارها من حيث الدعم المالي ضمن وزارة الطاقة. لقد بذلنا جهوداً كبيرة في دراسة تقنيات إزالة ثنائي أوكسيد الكربون البحري، فالتحقق والاستشعار مسألتان فائقتا الأهمية لتحديد مقادير ثنائي أوكسيد الكربون الفعلية التي تم التقاطها من المحيط. كما أعتقد أنه ثمة فرص أخرى في مجال المواد الثمينة في الوقت الحالي، وكيفية الحصول عليها من المحيط.

كيف يمكن أن نحدد مدى نجاح الوكالة إذا كانت تركز بشكل أساسي على الحلول التكنولوجية بعيدة الأمد؟

لدينا معايير تأثير نقوم بمراقبتها باستمرار. وعلى سبيل المثال، فنحن نراقب عدد الملكيات الفكرية. ونراقب عدد الشركات الناشئة التي تم تأسيسها، وعدد عمليات طرح الاكتتاب الأولي، وعمليات الاندماج، وعمليات الاستحواذ.

ولكنني أعتقد أن المؤشر الحقيقي للنجاح، والذي يتجاوز جميع هذه الأرقام، هو نجاح بعض الشركات التي قمنا بتمويلها. ولهذا، يمكن أن أطرح مثالاً رائعاً للغاية حول تكنولوجيات استشعار غاز الميثان. ففي مجال النفط والغاز، عادة ما يقوم شخص بالتجوال حول الأنابيب مع جهاز استشعار للعثور على تسريبات الميثان.

اقرأ أيضاً: هل من الممكن سحب الميثان من الغلاف الجوي لإبطاء الاحترار العالمي؟

وقد تم تأسيس شركة بريدجر (Bridger) التي استفادت من إحدى التكنولوجيات المبنية على تقنية الليدار. وتقوم الشركة باستخدام هذه التكنولوجيا مع طائرة مسيّرة عن بُعد، والتحليق بها عبر مقاطع الأنابيب، حيث تتمتع بحساسية كافية لكشف أماكن التسريب بدقة.

عندما بدأنا بهذا البرنامج، لم تكن شركات النفط والغاز على دراية حتى بإمكانية تطبيق هذه الطريقة، على الرغم من أنها يمكن أن توفر الكثير من الأموال. وبعد أن أصبحت هذه التكنولوجيا بحوزة شركة بريدج، أصبحت أمامها فرصة لإحداث تحول ضخم في قطاع النفط والغاز.

صورة ليدار جوية مع مناطق ملونة تشير إلى تسريب غازي
التسريبات غير متوافقة مع المواقع الظاهرة في الصورة، وقد تم وضعها كمثال توضيحي وحسب. شركة بريدجر فوتونيكس المحدودة

والآن، بدأت هذه الشركة تجني الأرباح. إذاً، هذا أول مؤشر على النجاح، ولكن القصة والرحلة لا تقلان أهمية، فقد كانت الشركات في مجال النفط والغاز غير مدركة لإمكانية استخدام هذه التكنولوجيا، ولكنها وصلت إلى مرحلة جني الأرباح، بسبب وجود حاجة كبيرة للغاية إليها.

ما مستقبل الابتكار في مجال الطاقة؟

تعتبر المرحلة الحالية حاسمة بالنسبة للطاقة، ولأمننا الطاقي، وللمناخ. وعندما نفكر بما يجب فعله بحلول عام 2050 لتحقيق أهداف الانبعاثات، فإننا نعيش حالياً المرحلة الأكثر أهمية.

اقرأ أيضاً: 6 طرق لإعداد خطط الوصول إلى صافي صفري من الانبعاثات

فتكنولوجيات الطاقة تحتاج إلى الوقت، خصوصاً تلك الابتكارات غير التقليدية، والقادرة على إحداث تحولات ضخمة. وعندما نفكر بهذا، سندرك أننا لا نمتلك الكثير من الوقت في الواقع، وأننا بحاجة إلى تسريع التقدم. وبما أننا أشبه بمصنع للأفكار، أو مصنع للمشاريع الطموحة، فيجب أن نكون أكثر جرأة في تفكيرنا، ونواصل التفكير بمستوى أعلى من الجرأة والطموح، ونسعى إلى تسريع تحقيق الإنجازات الكبيرة والمؤثرة.

نحن لسنا سوى جزء واحد من بيئة عمل متكاملة فيما يتعلق بالطاقة، ونحن بحاجة إلى مساهمة الجميع في حل هذه المشكلات. إننا بحاجة إلى مبتكرين، ومستثمرين، وأكاديميين، ومختبرات حكومية، ونحتاج إلى تضافر جهود الجميع حتى نحقق التقدم بشكل يتيح لنا إنقاذ العالم. ولهذا، أعتقد أن ما نقوم به أشبه بنداء لتعزيز مشاركة الجميع، بحيث نستطيع أن نعمل معاً، لأن مستقبلنا يعتمد على تحقيق النجاح.

المحتوى محمي