يُستخدم الواقع الافتراضي بالفعل في العديد من المجالات. وقد اكتسب أهمية كبيرة في مجال التعليم الطبي، وقامت عدة مؤسسات تعليمية وجامعات بالاعتماد على تقنية الواقع الافتراضي لمحاكاة جسم الإنسان والحيوانات وإجراء العمليات الجراحية، كما يمكن أن تساعد الطلاب الجدد على مواجهة مخاوفهم.
كيف سيؤثر استخدام الواقع الافتراضي على نظام التعليم الطبي وتأهيل المختصين في الرعاية الصحية ومستقبل الطب. هل يمكن للواقع الافتراضي إحداث ثورة في تعليم الطب؟ هل سيكون التعليم باستخدام الواقع الافتراضي مفيداً وغير مكلف؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، علينا تقييم استخدام الواقع الافتراضي فعلياً في مجال التعليم الطبي وتقييم ما إذا كان سيساهم في تطوير التعليم وتحسينه، وما إن كان من الممكن تطبيقه على نطاق أوسع في المستقبل.
الواقع الافتراضي في التعليم الطبي
استخدمت العديد من الجامعات ومراكز الأبحاث تكنولوجيا الواقع الافتراضي من أجل تدريب الطلاب والمختصين في مجال الرعاية الصحية وزيادة خبرتهم، فمن المؤكد أن هذه التكنولوجيا أفضل بكثير من استخدام الصور ثنائية الأبعاد أو مقاطع الفيديو، وهي تتيح إمكانية رؤية نماذج ثلاثية الأبعاد لأجسام البشر والكائنات الحية الأخرى وتشريح هذه الأجسام والأعضاء الداخلية فيها، بهذا يكون الطلاب قادرين على رؤية الجسم بوضوح ومعرفة العمليات الداخلية التي تتم فيه.
ليس هذا فحسب، كذلك يتيح الواقع الافتراضي التفاعلي للطلاب إمكانية التفاعل مع أعضاء وأنسجة الجسم بشكلٍ جيد وذلك من خلال التفاعل مع النماذج الافتراضية للمرضى ورؤية تشريح الأعضاء بدقة.
اقرأ أيضاً: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب وتشخيص الأمراض
إيجابيات استخدام الواقع الافتراضي التعليم الطبي
يستطيع الطلاب الذين يتعلمون باستخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضي اكتساب أكبر قدر ممكن من الخبرة العملية دون تعريض سلامة المرضى للخطر، وذلك لأن جميع التجارب والدراسات والعمليات الجراحية تكون على نماذج افتراضية. كما تتيح إمكانية تكرار التجارب والعمليات الجراحية بالقدر الكافي للطلاب لاكتساب الخبرة الضرورية، ما يساهم بشكلٍ فعال في تحسين مهاراتهم.
يمكن أيضاً بفضل الواقع الافتراضي إدخال الطلاب في نفس جو غرفة العمليات الافتراضية لإجراء العمليات الجراحية أو الإسعافات الأولية.
الجانب الأكثر أهمية في هذه التكنولوجيا هو تقليل التكاليف المالية، وذلك لأن تعليم الطلاب يكون في غرف عمليات افتراضية دون الحاجة إلى انتقالهم للمستشفى. كما يغني عن الحاجة للأعضاء البشرية الحقيقية.
يمكن أيضاً من خلال الواقع الافتراضي التغلب على مشكلة الاكتظاظ في غرفة العمليات، ففي التعليم التقليدي، تكون غرفة العمليات صغيرة جداً ولا تستوعب سوى عدداً قليلاً من الطلاب الذين يحضرون ويتابعون ما يجري، وأحياناً لا يمكن إدخال أكثر من طالبين أو ثلاثة في الوقت ذاته، لكن من خلال غرفة العمليات الافتراضية، نستطيع أن نضمن حصول كل طالب على مساحة افتراضية كافية له ليتعلم جيداً.
ميزة أخرى لا تقل أهمية عن الميزات السابقة تتعلق بسلامة الطلاب وحمايتهم، فكما نعلم، غرف العمليات الجراحية هي مصدر خطر للإصابة بالعدوى وانتقال الأمراض، ويمكن أن تؤدي عمليات التصوير الشعاعي الحقيقية إلى ضرر على الجسم.
نستنتج من ذلك كله أن تعليم طلاب الطب ومتخصصي الرعاية الصحية باستخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضي يقدم ميزات ذات قيمة عالية ومخاطر أقل، كما يساهم في توفير التكاليف.
اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي في الطب: خطر التحيز يهدد تطبيقاته الواسعة
الأدوات التي يحتاجها الطلاب للتعلم باستخدام الواقع الافتراضي
يمكن تعليم أي شخص كيف يستخدم تكنولوجيا الواقع الافتراضي من خلال استخدام نظارة الواقع الافتراضي وجهاز التحكم، وبذلك يصبح الطلاب خلال دقائق داخل غرفة العمليات الافتراضية دون الحاجة لإضاعة وقتهم في ارتداء ملابس غرف العمليات والانتقال للمستشفى.
معظم تقنيات الواقع الافتراضي الحديثة التي يمكن توفيرها للتعليم الطبي تتيح زاوية رؤية 360 درجة وصور عالية الدقة تظهر كل التفاصيل.
اقرأ أيضاً: كيف تساهم التكنولوجيا في تطوير الطب والرعاية الصحية؟
الواقع الافتراضي التفاعلي
يعني التعليم باستخدام الواقع الافتراضي التفاعلي إمكانية إدخال الطلاب في العالم الافتراضي الذي يمكن التفاعل مع ما يوجد فيه. يمكن أن يشمل ذلك دخول غرف العمليات الافتراضية والعناية بالمرضى الافتراضيين والتعاون مع الآخرين لإجراء العمليات الجراحية أو الإسعافات كما يحصل تماماً على أرض الواقع.
حالياً تتوفر أدوات متطورة جداً تدعم التعليم بالواقع الافتراضي التفاعلي، مثل الشعور بلمس الأشياء الافتراضية والتحكم الصوتي والاستخدام الدقيق لليدين لتنفيذ المهام المعقدة.
يمكن أيضاً تعليم الطلاب كيفية التعامل مع بعض الجوانب المتعلقة بعملهم الطبي، على سبيل المثال، يمكن إضافة أفراد العائلة خارج غرفة العمليات أو جعل المريض يواجه مشكلة طارئة أثناء العملية ليتعلم الطالب كيف يتصرف في مثل هذه الحالات التي قد تحصل في الحياة الواقعية.
تقدم شركات مثل Oxford Medical Simulation مثل هذه المنصات على مستوى العالم، مع سيناريوهات تغطي تعليم الطب العام والتمريض وطب الأطفال والطب النفسي وصحة المجتمع.
أيضاً، لدى شركة سوني اليابانية قسم خاص بحلول الرعاية الصحية، يقدم هذا القسم خدمة تدريب الطلاب والمختصين في مجال الرعاية الصحية بتقنية الواقع الافتراضي.
اقرأ أيضاً: من الخيال إلى الواقع: أبرز التقنيات التي تنبأت بها أفلام الخيال العلمي
ما هي العيوب؟
من المؤكد أن هناك صعوبات تواجه استخدام أي تكنولوجيا جديدة، ويحتاج اعتماد الواقع الافتراضي في تعليم الطب إلى دعم أعضاء هيئة التدريس وشرح كيفية استخدام هذه التكنولوجيات ليتمكنوا من الاستفادة منها بشكلٍ جيد في تعليم الطلاب وتقييم مستوى تعليمهم وخبرتهم التي اكتسبوها.
بالإضافة إلى ذلك، يرى الكثير من الخبراء أن التعلم بالواقع الافتراضي لا يكفي لوحده لجعل الطلاب قادرين على مزاولة عملهم على أرض الواقع، لهذا، لا ينبغي أن يحل اعتماد المؤسسات التعليمية الواقع الافتراضي في التعليم الطبي محل التعليم التقليدي، ويجب النظر إليه على أنه مجرد تكنولوجيا جديدة تساعد في التعليم وتقليل تكاليفه، وتوفير ظروف معينة لا يمكن توفيرها من خلال التعليم العادي.
مع تطور تكنولوجيات الواقع الافتراضي وتطوير عالم الميتافيرس، من المتوقع أن يتوسع استخدام هذه التكنولوجيات في مجالات التعليم المختلفة، بما في ذلك التعليم الطبي، إلى جانب عملية التعليم ككل في المستقبل.