كنت قد أنهيت للتو مكالمة هاتفية مع ميغان كاسبار من منظمة "ريد داو" (Red DAO)، وكنت أستجمع أفكاري، عندما أدركت أن الميتافيرس أكبر بكثير مما قيل لنا. فمن جهة، هناك الشركات التكنولوجية الكبيرة. فالشركات التكنولوجية الكبرى في العالم، مثل "جوجل" (Google)، و"مايكروسوفت" (Microsoft)، و"ميتا" (Meta)، وعلى الرغم من جمعها لمليارات المستخدمين على منصاتها وامتلاكها للتريليونات من الدولارات، فإنها ما زالت تصارع للهيمنة على حصة سوقية أكبر. ومن ناحية أخرى، يوجد صنف جديد من العوالم الافتراضية المستوحاة من صناعة الألعاب، مثل "ساندبوكس" (Sandbox) و"ديسينترال لاند" (Decentral land) وغيرها.
وبالطبع، هناك نحن، أي الناس، المستخدِمون، الذين نمثل العملة التي تسيّر كل شيئ، أو بالأحرى بياناتنا إذا توخينا الدقة. ومن دون الناس، لا توجد منصات، ومن دون منصات، لا توجد تقييمات من مستوى التريليونات من الدولارات. هذا المقال يضم مجموعة من الأفكار والخواطر العشوائية حول الميتافيرس، والتي ستلتقي جميعاً في نقطة تحمل طابعاً محدداً. والآن، دعونا نبدأ.
اقرأ أيضاً: شركات عربية نجحت في دخول عالم الميتافيرس الافتراضي والاستفادة منه
هيكلية ويب 3.0
كنت في مؤتمر التدريب الاستراتيجي في ميامي، وكنت أتحدث عن الاستعداد للمستقبل والبلوك تشين عندما التقيت بغاريب شاموس. غاريب هو أحد الأشخاص الذين يحاولون عدم لفت الانتباه، وعلى الرغم من هذا، فهو يعمل على الدوام على أشياء يمكن أن تغير العالم بكل ما في الكلمة من معنى. إضافة إلى ذلك، فهو مؤسس سلسلة مؤتمرات "إيس كوميك كون" (ACE Comic Con) ذات الشهرة الواسعة والتي تعج بالنجوم وتجتذب الملايين من المشاركين والمشاهير والعلامات التجارية. ويقول: "أجل، سنطلق سلسلة جديدة من الرموز غير القابلة للاستبدال من الأبطال الخارقين، بحيث يستطيع المشارك صياغة رحلته البطولية بنفسه".
والآن، وقبل أن أبدأ الشرح، علينا الاعتراف بأن الميتافيرس مليء بنشاطات الرموز غير القابلة للاستبدال، ولكن ما كان غاريب يخبرني به كان يتجاوز ما كنت أسمع عنه من قبل. وسألته: "ماذا تقصد"؟ أخذ غاريب يشرح لي أن الويب الجديدة، أو البنية الهيكلية للإصدار "ويب 3.0"، كانت تقرع على أبواب البنى التحتية التكنولوجية من حولنا، ما يعني تغييراً شاملاً لكل شيء نعرفه ويتعلق بالتكنولوجيا، مثل الحواسيب والتكنولوجيا والأنظمة وقواعد البيانات وأي شيء غير ذلك. تتمحور تكنولوجيا "ويب 3.0" حول تحقيق "اللامركزية" في كل شيء، وإزالة الوسيط.
وإذا فكرنا قليلاً، سنجد أن الشركات التكنولوجية الكبيرة أصبحت ثرية لأنها نجحت في استغلال استخدام بيانات النشاط والإعجابات والمشاركات وغيرها من التفاعلات الناتجة عنك وعنّي وعن أكثر من مليار مستخدم على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يتيح لشركات التكنولوجيا الضخمة أن تستثمر هذه البيانات تجارياً وتقدم للمستخدمين مقابل ذلك القدرة على التواصل مع بعضهم بعضاً. إضافة إلى ذلك، يعتاد المستخدمون على السلوك غير الاجتماعي، والسلوك الطائش، ويصابون بإدمان التواصل الاجتماعي، والحاجة إلى إثبات الذات، وغير ذلك من الآثار السلبية.
ولكن ويب 3.0 تعد بثورة كاملة. فعند تغيير طريقة تبادل المعلومات وتخزينها وهيكلتها على الإنترنت وعبر المنصات، يمكن للمستخدمين أن يسيطروا على بياناتهم، وفي المقابل، يقدمون الإذن للأطراف الخارجية للوصول إلى معلوماتهم الخاصة والشخصية، أو يمنعونها من ذلك. إضافة إلى ذلك، يمكن للمستخدمين أيضاً، كنتيجة لهذه التكنولوجيا، أن يستفيدوا مالياً من بياناتهم، إذا لم يكن لديهم مانع من مشاركتها مع الآخرين، ويستطيعون أن يطالبوا بالدفع لقاءها. وهذا مجرد جانب واحد من ويب 3.0. إضافة إلى ذلك، وبفضل لامركزية البيانات والمعلومات، لن يستطيع أي مزود أو بائع الاستفادة من بيانات المستخدمين مالياً أو بأي شكل آخر. وستتحول الإدارة المركزية للبيانات إلى تخزين لامركزي، وستصبح التقنيات مثل البلوك تشين عنصراً أساسياً في طريقة تخزين المعلومات.
اقرأ أيضاً: لنكن صريحين: ويب 3.0 لا تسير على ما يرام
دور العملات المشفرة
وبعد أن تحدثنا عن هذه الناحية، لنتحدث عن دور العملة المشفرة في هذا العالم الجديد. لقد كانت العملة المشفرة تتحدى الأنظمة المالية منذ بضع سنوات، وعلى الرغم من أنها ما زالت تحاول تحقيق الاستقرار فيما يتعلق بالمتاجرة بها كأحد الأصول، فإن القيمة التكنولوجية لبعض المزايا مثل العقود الذكية كانت معروفة منذ فترة طويلة.
وفي الوقت الحالي، تقوم الكثير من الصناعات بتطبيق العقود الذكية، أو تعمل على ذلك. إضافة إلى ذلك، فإن العملات المشفرة نفسها حققت تطورات كبيرة عبر أجيالها، ونحن حالياً نشهد الجيل الثالث من العملات المشفرة التي تتضمن أحدث التصاميم في هذا المجال. فعلى الرغم من كل السمعة التي تتمتع بها بيتكوين، وشهرة علامتها التجارية، فإنها عملة مشفرة من الجيل الأول.
الميتافيرس
والآن، لننتقل إلى الميتافيرس. لقد حقق الميتافيرس شهرة كبيرة للغاية، وأصبح الجميع يتحدثون عنه. يمثل الميتافيرس نتيجة تصميم رسومي ثلاثي الأبعاد وفائق الجودة، إضافة إلى توافر الأجهزة القادرة على تحويل هذه التصاميم إلى بيئات افتراضية ثلاثية الأبعاد، حيث يستطيع المستخدمون، أي نحن، المشاركة عن طريقة بناء شخصيات رقمية. وستقوم هذه الشخصيات بما تطلبه منها. وستستطيع هذه الشخصيات المشي، والكلام (بصوتك بطبيعة الحال) للتفاعل مع بعضها بعضاً في الميتافيرس.
والآن، تستطيع الشخصيات الرقمية زيارة متحف فني افتراضي، وشراء قطعة فنية بشكل رمز غير قابل للاستبدال، أو حتى شراء قطعة ملابس أو إكسسوار من "غوتشي" (Gucci) أو "بالينسياغا" (Balenciaga). ما زال هذا العالم الجديد والجريء في بداياته، ويمكن أن يأخذ عدة توجهات مختلفة.
وبالعودة إلى حواري مع ميغان كاسبار، ومعلوماتها حول توجهات صناعة الأزياء مع الميتافيرس، شعرت بالذهول. حيث تعمل دور الأزياء الكبرى على استخدام الميتافيرس كنطاق لتثبيت العلامة التجارية، وإجراء التجارب. ووفقاً لميغان، فهذا تطور بطيء ويسير بخطى ثابتة، وليس شيئاً يجب على الجميع أن يشاركوا فيه على الفور.
ويجب أن يكون بناء الميتافيرس بطريقة آمنة وشمولية الأولوية الوحيدة لجميع المشاركين في هذه العملية.
لقد برزت منطقة الشرق الأوسط كتربة خصبة للغاية للنمو الابتكاري والتكنولوجي. ومع إمكانية الوصول إلى الأسواق والكفاءات والمنشآت والأنظمة البيئية من المستوى العالمي، يمكن لهذه المنطقة أن تثبت وجودها في جميع نواحي الابتكار.
اقرأ أيضاً: شركات عربية نجحت في دخول عالم الميتافيرس الافتراضي والاستفادة منه
وتحتل الإمارات العربية المتحدة، بمؤسساتها المستقبلية مثل مؤسسة دبي المستقبل، موقع الصدارة لكي تولي تعزيز مكانة المنطقة أهمية استراتيجية. كما أن المملكة العربية السعودية تعمل على بناء اقتصاد يركز على البيانات وتطوير المدن الكبرى. وقد حققت دول أخرى في المنطقة، مثل قطر والكويت وعمان والبحرين، تقدماً في مجالات تكنولوجية أخرى. وسيلعب الميتافيرس دوراً أكبر بكثير خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، مع بناء مزودي وبائعي التكنولوجيا على مستوى العالم لقاعدة لهم في الشرق الأوسط. تبلغ نسبة سكان الشرق الأوسط بعمر أقل من 25 سنة 60% من إجمالي السكان، ما يجعله منطقة مثالية لانتشار التكنولوجيات الجديدة. إن الأجيال الجديدة أكثر براعة في التكنولوجيا.
ويمثل الحوار مع أشخاص مثل غاريب وميغان غذاء فكرياً غنياً، حيث يساعدون على استيعاب الجوانب المختلفة لعملية تطوير الميتافيرس. ومع استمراري في عملية تأليف كتابي "الميتافيرس للمبتدئين" (Metaverse for Dummies) لدار "وايلي" (Wiley) للنشر، أنظر إلى المستقبل بعد عشرين أو ثلاثين سنة. وما سيحدث لاحقاً سيكون أكثر بكثير مما حدث في العقود القليلة الماضية فقط. وأستطيع أن أرى المزيد من المخاطرات الأكبر والمكاسب الأهم، والتي تتضمن أشياء مثل الحصول على حقوق الخصوصية، وبناء الأساس الصحيح للميتافيرس، وتأسيس القواعد الأساسية، وضمان المساواة والعدالة والإنصاف للجميع في الميتافيرس.
بانتظار الميتافيرس إذن!