يبدو أن تحقيق التطورات الكبيرة في الذكاء الاصطناعي أصبح وقفاً على وضع تصاميم جديدة في العتاد الصلب، لا الخوارزميات، وذلك وفقاً لبيل دالي العالم الأساسي في شركة إنفيديا، والذي ظهر على منصة مؤتمر إيمتيك ديجيتال للذكاء الاصطناعي الذي نظمته إم آي تي تكنولوجي ريفيو، حيث قال: "يعود الفضل في الثورة الحالية في التعلم العميق إلى العتاد الصلب".
استدل دالي على صحة استنتاجه بتاريخ مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أن أغلب الخوارزميات التي نستخدمها اليوم موجودة منذ الثمانينات، في حين أن الإنجاز الهام باستخدام كميات كبيرة من البيانات المصنفة لتدريب شبكاتها العصبونية لم يظهر إلا في بدايات هذا القرن، ولم تنطلق ثورة التعلم العميق فعلياً إلا في بدايات العقد الثاني من هذا القرن، عندما بدأ استخدام وحدات المعالجة الرسومية (GPU) في هذا المجال، وقال: "يجب أن نستمر بوضع تصاميم جديدة لعتاد صلب يتمتع بإمكانيات أكبر، وإلا فإن تطور الذكاء الاصطناعي سيتباطأ".
تعمل إنفيديا حالياً على ثلاثة مسارات أساسية مختلفة: تطوير شرائح أكثر تخصصاً، وتخفيف الحوسبة المطلوبة للتعلم العميق، وإجراء الاختبارات على الشرائح ذات البنى التماثلية بدلاً من الرقمية.
وجدت إنفيديا أن الشرائح عالية التخصص المصممة لمهمة حاسوبية محددة يمكن أن تتفوق على شرائح وحدات المعالجة الرسومية التي يمكن أن تقوم بشكل جيد بالعديد من أنواع العمليات الحاسوبية المختلفة. ويقول دالي أن الفرق في الفعالية قد يصل إلى 20% بالنسبة لنفس المستوى من الأداء.
أشار دالي أيضاً إلى دراسة أجرتها إنفيديا لاختبار فكرة "التشذيب"، أي تقليل الحسابات المطلوبة لعملية التدريب بدون التضحية بدقة نموذج التعلم العميق. وقد وجد باحثو الشركة أنهم تمكنوا من تجاوز حوالي 90% من هذه الحسابات مع المحافظة على نفس الدقة في التعلم، ما يعني إمكانية تنفيذ نفس مهام التعلم على شرائح ذات بنى أصغر بكثير.
أخيراً، ذكر دالي أن إنفيديا تجري حالياً اختبارات على الحوسبة التماثلية. تخزن الحواسيب جميع المعلومات تقريباً، بما فيها الأرقام، على شكل سلاسل من الأصفار والواحدات، ولكن الحوسبة التماثلية تسمح بترميز جميع القيم –مثل 0.3 أو 0.7- بشكل مباشر، وهو ما يمكن أن يفتح المجال أمام حوسبة أكثر فعالية، نظراً لإمكانية تمثيل الأرقام بشكل مختصر وجيد في نفس الوقت، على الرغم من أن دالي قال أيضاً أن فريقه ليس متأكداً كيف ستتناسب الحوسبة التماثلية مع مستقبل تصميم الشرائح.
ظهر على المنصة أيضاً نافين راو، نائب رئيس الشركة والمدير العام لمجموعة منتجات الذكاء الاصطناعي في إنتل. وقد ربط ما بين أهمية تطور العتاد الصلب للذكاء الاصطناعي ودور التطور في البيولوجيا. وقد ذكر أنه يوجد فرق تطوري بين الجرذان والبشر يصل إلى بضعة مئات من الملايين من السنوات. ولكن على الرغم من الإمكانات الأكبر بكثير، ما زال البشر يمتلكون نفس وحدات الحوسبة الأساسية الموجودة لدى الجرذان.
تابع راو قائلاً إنه يمكن تطبيق نفس المبدأ على تصاميم الشرائح. فأي شريحة –سواء أكانت متخصصة أو عامة الاستخدام، رقمية أو تماثلية، ضوئية أو غير ذلك- هي ببساطة طبقة قاعدية لترميز المعلومات والتلاعب بها. ولكن تصميم هذه الطبقة القاعدية قد يحدد الفرق في الإمكانات بين البشر والجرذان.
قال راو إن الحشرات، على غرار الجرذان، تحوي نفس الوحدات الأساسية مثل البشر. ولكن الحشرات تتمتع ببنى ثابتة، على حين أن البشر يمتلكون بنى أكثر مرونة، وأردف أن هذا لا يعني أنه يوجد نوع متفوق على الآخر، ولكنهما ببساطة تطورا لتحقيق أغراض مختلفة. فقد تستطيع الحشرات أن تبقى على قيد الحياة بعد حرب نووية، على حين يمتلك البشر قدرات أخرى أكثر تعقيداً.
يمكن أيضاً تطبيق نفس الفكرة على تصاميم الشرائح. فمع اتصال المزيد من الأجهزة بالإنترنت، لن يكون من المنطقي دائماً أن نرسل بياناتها إلى السحابة حتى تُعالج ضمن نموذج تعلم عميق، بل قد يكون من الأفضل تشغيل نموذج تعلم عميق صغير وفعال على الجهاز نفسه. ويمكن أن تستفيد هذه الفكرة، المعروفة باسم "الذكاء الاصطناعي على الحافة"، من بنى شرائح متخصصة وثابتة وأكثر فعالية. ومن ناحية أخرى، يمكن لمراكز البيانات التي تحوي "الذكاء الاصطناعي السحابي" أن تعمل على بنى شرائح مرنة وقابلة للبرمجة بشكل كامل، وذلك للتعامل مع طيف أوسع من مهام التعلم.
لحظ راو أنه مهما كانت التصاميم التي تقرر إنتل وإنفيديا العمل عليها، فسيكون التأثير على تطور الذكاء الاصطناعي كبيراً. فعلى مر التاريخ، تطورت الحضارات المنفردة بطرق مختلفة للغاية بسبب تميز المواد المتاحة لها. وبنفس الطريقة، فإن العمليات التي ستصبح أسهل بفضل تصاميم الشرائح المختلفة من إنتل وإنفيديا سوف تؤثر كثيراً على مهام التعلم التي ستركز عليها أوساط الذكاء الاصطناعي.
قال راو: "نحن نشهد حالياً في مجال الذكاء الاصطناعي انفجاراً في الحلول والأساليب يماثل بداية ظهور الحياة على الأرض، ولكن المنافسة الشرسة ستقضي على بعضها بلا شك".