تمكن أيمن حسين عبر حسابه في موقع مشاركة الفيديوهات الشهير تيك توك من الحصول على ما يصل إلى 50 ألف متابع في فترة زمنية قصيرة، وبالتحديد منذ بدء نشر مقاطع فيديو لتوثيق أعمال شركته "ألكويست" (Alquist) التي تعمل في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد. وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا تستخدم على نطاق واسع بالفعل، فإن ما جعل مقاطع فيديو أيمن تكتسب شهرة كبيرة هو تمكن شركته الناشئة من بناء منازل سكنية حقيقية باستخدام تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد.
ووسط العشرات من التعليقات والتي أغلبها كانت ساخرة وكوميدية، سأل أحدهم: "يبدو سهل الاستخدام بالفعل، ولكن كم من الوقت يستغرق بناء منزل حقيقي بهذه التكنولوجيا؟"، وكان الجواب صادماً: "نحو 20-30 ساعة". هذا الجواب أفرز مناقشات حقيقية، من ضمنها التساؤل الجوهري: هل يمكن لتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد أن تساعد في حل أزمة السكن بالفعل؟
كيف تستخدم تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد لبناء المنازل السكنية؟
تُستخدم تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D Printing) في العديد من الصناعات لإنشاء النماذج الأولية وتطوير المنتجات، حيث تتبنى صناعات مثل السيارات هذه التكنولوجيا بكثافة، وفي صناعة إنشاءات المباني يتزايد تطبيق تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد، ومن المتوقع أن يتوسع استخدامها في هذا القطاع بشكل أسرع من غيرها.
يعود ذلك إلى أن استخدام تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد في البناء جديد تماماً، وتُستخدم فيها الروبوتات لإنشاء الهياكل وتجميعها مع تدخل محدود للبشر، حيث يمكن أن يكون تشييد المباني باستخدام تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد أكثر فعالية من حيث التكلفة وملائماً وصديقاً للبيئة.
وحالياً تقتصر معظم عمليات شركات البناء على طباعة جدار المنزل وإنشاء إطار عمل للمنازل المكونة من طابق واحد، أي أن الجدران مبنية بالطباعة ثلاثية الأبعاد، بينما بقية المنزل مبنية بشكل تقليدي، وهذا يعني أن الأبواب والنوافذ وتمديدات الكهرباء يتم إنشاؤها وإنجازها من قبل المقاولين بعد تشييد الجدران، ولكن الفرق أن مزيج المواد المستخدمة في طباعة الجدران هو نوع مختلف من الخرسانة، حيث يتم خفض نسبة الماء إلى الإسمنت مقارنة بالخرسانة العادية.
مميزات المنازل المطبوعة ثلاثية الأبعاد
على الرغم من أن المنازل المطبوعة ثلاثية الأبعاد تميل إلى أن تكون أصغر حجماً، فإن لها عدة مميزات، مثل:
- صديقة للبيئة: يمكن بناء المنازل المطبوعة ثلاثية الأبعاد بمواد عضوية وصديقة للبيئة. علاوةً على ذلك، تستخدم بعض الطابعات ثلاثية الأبعاد المنزلية الطاقة الشمسية ما يؤدي إلى توليد انبعاثات منخفضة من ثاني أوكسيد الكربون.
- أسعار معقولة: تأتي معظم المنازل المطبوعة ثلاثية الأبعاد بتكلفة معقولة في متناول الجميع، خاصة للمجتمعات التي تعاني من الفقر أو بعد الكوارث الطبيعية.
- الفعالية: تتيح طابعات المنازل ثلاثية الأبعاد إمكانية إنهاء أساس المنزل (الجدران) في ساعات أو أقل من بضعة أيام، بينما تستغرق طرائق البناء التقليدية عدة أسابيع أو حتى أشهر.
- مرونة التصميم: تعد حرية التصميم أحد أكثر جوانب الصناعة جاذبية، حيث يمكن للمهندسين المعماريين إنشاء تصميمات معقدة قد تكون مستحيلة أو باهظة الثمن أو تستغرق وقتاً طويلاً لتطويرها باستخدام طرائق البناء التقليدية. على سبيل المثال من الممكن بسهولة إنشاء جدران منحنية وواجهات فريدة، ما يتيح أيضاً إمكانية طباعة أثاث ثلاثي الأبعاد لمطابقة المنحنيات لاحقاً.
اقرأ أيضاً: تضافر جهود أمازون وآبل وجوجل قد يجعل من المنازل الذكية حقيقة واقعة
ما الوضع الحالي لسوق المنازل المطبوعة ثلاثية الأبعاد؟
وجدت دراسة استقصائية نشرتها أحد أشهر مواقع العقارات في الولايات المتحدة وهي ريال تور دوت كوم (Realtor.com) في أغسطس من عام 2021 أن 66% من المستهلكين يفكرون في العيش في منزل مطبوع ثلاثي الأبعاد، وبالتحديد بين الأجيال الشابة (جيل الألفية)، حيث ذكر 75% منهم أنهم منفتحون على أماكن الإقامة المطبوعة ثلاثية الأبعاد، بينما قال نحو ثلث المستجيبين إنهم يعتقدون أن الطباعة ثلاثية الأبعاد هي مستقبل بناء المنازل، وستحل في النهاية محل الأساليب التقليدية.
وهذا يعود بحسب العديد من الخبراء إلى أن إحدى أكبر مزايا الطباعة ثلاثية الأبعاد هي أنها تنتج منازل بأسعار معقولة وموفرة للطاقة وقابلة للتخصيص. على سبيل المثال، تمكنت شركة ألكويست من بناء السطح الخارجي الخرساني لمنزل تبلغ مساحته 1200 قدم مربعة، ويحتوي على ثلاث غرف نوم وحمامين في مدة زمنية بلغت 22 ساعة فقط، بينما المعدل القياسي المتعارف عليه لبنائه يتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.
اقرأ أيضاً: كاميرات قادرة على تصوير ثلاثي الأبعاد لقناديل البحر الحساسة في بيئتها الطبيعية
وقد شهدت الشركة توفيراً في التكاليف بنسبة 15% للمنازل المطبوعة ثلاثية الأبعاد مقارنة بالمنازل التقليدية المبنية بألواح خشبية، وتهدف الشركة إلى زيادة توفير التكاليف إلى 30% هذا العام 2023، حيث يذكر المؤسس والمدير التنفيذي للشركة زاكاري مانهايمر: "لا يوجد شيء مختلف في منازلنا المطبوعة ثلاثية الأبعاد عن أي منزل آخر باستثناء أن الجدران الخارجية مصنوعة من الخرسانة بدلاً من الخشب، حيث تم بناء هذه المنازل بشكل متماثل تقريباً، الفرق الوحيد هو استخدامنا التكنولوجيا لتشغيل الروبوتات ما يوفر الوقت واليد العاملة والمواد".
شركات طباعة المنازل ثلاثية الأبعاد ودورها في حل مشكلة الإسكان
يعد نهج إنشاء المنازل بالطباعة ثلاثية الأبعاد طريقة فعّالة لبناء أسرع للمنازل وبتكلفة أقل ودقة أكبر مع عدد أقل من الأيدي العاملة، بالإضافة إلى ذلك فإن المواد المستخدمة في عمليات البناء أقوى من معظم مواد البناء التقليدية، ومتوقع لها أن تستمر لفترة أطول، بعكس عملية البناء التقليدية التي تأتي بالعديد من التحديات، مثل الخدمات اللوجستية وتوافر المواد الخام والمواد الملوثة والتكلفة العالية والمدة الزمنية الطويلة.
اقرأ أيضاً: طباعة غرفة احتراق لصاروخ بالطابعة ثلاثية الأبعاد! ماذا سيطبع البشر بعد؟
كل هذه التحديات أدت إلى ندرة المساكن الميسورة التكلفة في المناطق الحضرية، حيث يشهد العالم حالياً أزمة في السكن منخفض التكلفة. على سبيل المثال، تقدر حكومة الولايات المتحدة أن لديها نقصاً في المنازل السكنية ميسورة التكلفة يصل إلى 4 ملايين وحدة سكنية.
لذا فإن شركات طباعة المنازل ثلاثية الأبعاد التي ظهرت بقوة في الفترة الأخيرة لها دور كبير في تخفيف النقص في المنازل وبناء الهياكل التي تشتد الحاجة إليها، بالإضافة إلى أن الانتهاء بالفعل من العديد من المشاريع يجعل هذه الصناعة جاذبة للمستثمرين والحكومات كحل لأزمة السكن التي تعاني منها العديد من المجتمعات في أنحاء العالم المختلفة. على سبيل المثال ظهرت العديد من المشروعات بالفعل، مثل المباني المدرسية في إفريقيا، والمساكن ذات الدخل المنخفض في المكسيك التي أسهمت بشكل كبير في حل أزمات السكن والإسكان المتفاقمة.
اقرأ أيضاً: ابتكار طابعة ثلاثية الأبعاد كبيرة الحجم تعد الأولى من نوعها داخل الإمارات
التحديات التي تواجه شركات طباعة المنازل ثلاثية الأبعاد
تنمو شركات طباعة المنازل ثلاثية الأبعاد بسرعة في جميع أنحاء العالم، وتشهد هذه الصناعة بالفعل ظهور العديد من الشركات الناشئة، ومع ذلك فإن التحديات ما زالت قائمةفي كيفية نمو هذا القطاع ليكون جزءاً من حل أزمة السكن في السنوات القادمة، ومن ضمن هذه التحديات:
تكلفة الاستثمار في روبوتات الطباعة ثلاثية الأبعاد
تعتبر الروبوتات العملاقة التي تستخدم في إنشاء المنازل العقبة الأكبر لمعظم شركات طباعة المنازل ثلاثية الأبعاد. على سبيل المثال، يبدأ ثمن أقل طابعة منزلية ثلاثية الأبعاد من 400 ألف دولار، ما يجبر معظم شركات البناء على التحول إلى نهج الاستئجار بدلاً من امتلاك طابعة خاصة بها.
تنافس الشركات في مجالات التصميم والبناء معاً
على الرغم من أن معظم شركات تصميم وصناعة طابعات المنازل ثلاثية الأبعاد تؤكد أنها ستظل دائماً شركات مصنّعة فقط، فإن معظمها لا تلتزم بهذا المبدأ، حيث تعمل على الدخول في مجال البناء أيضاً بدلاً من التركيز على مجال واحد فقط.
اقرأ أيضاً: ما الذي سيعود علينا عندما نرسم الخرائط ثلاثية الأبعاد للعالم من حولنا؟
صعوبة تسعير المشاريع بشكل دقيق
بعكس مشاريع بناء المنازل التقليدية، فإن تسعير بناء منزل مطبوع ثلاثي الأبعاد غالباً ما يكون غير دقيق. على سبيل المثال في أحدث مشاريع شركة ألكويست تم تقدير تكلفة بناء كل منزل بين 250 ألف دولار و350 ألف دولار، ولكن من خلال التجربة والتحسينات التكنولوجية يمكن أن ينخفض هذا الرقم قبل انتهاء المشروع بحسب المدير التنفيذي للشركة.
محدودية القوة العاملة المدربة
على الرغم من أن إحدى مزايا مشاريع بناء المنازل السكنية ثلاثية الأبعاد هي أنه يمكن القيام به بدون العمالة الماهرة المتقدمة، ومع ذلك، لا يزال عمال البناء بحاجة إلى التدريب المناسب حول كيفية استخدام التكنولوجيا الجديدة، لهذا السبب بدأت العديد من الشركات بإطلاق برامج تدريبية للعمال الراغبين في دخول هذا السوق.