المكتب الهادئ: وسيلة للاستماع إلى صوت المكتب بغرض زيادة التركيز

3 دقائق
حقوق الصورة: أوفيس فيرنتشر.

في وقت سابق من هذا العام -قبل تفشي الجائحة وعمليات الإغلاق- تلقَّى مهندس الصوت ستيفان بيجون طلباً غير معتاد: هل عساه يفكر في صنع أصوات تحاكي الأصوات التي نسمعها في المكتب؟

“قلت لا، لا، لا، لن أفعل ذلك!”، بهذه الكلمات رد بيجون، مؤسس موقع myNoise.net، الذي تحول إلى مصدر للسعادة لدى أولئك الذين يبحثون عن ضجيج خلفي يساعدهم على التركيز في العمل. ويضيف: “اعتقدت أن هذا الأمر محير للغاية، فالناس لا يريدون الاستماع إلى هذه الأصوات”.

غير أن بيجون استمر في تلقي المزيد من الطلبات. ومع تفشي الجائحة، رضخ في نهاية المطاف وشرع في العمل. ومنذ صدور مولّدِ الضجيج الخلفي “المكتب الهادئ” في شهر مارس الماضي، تم الاستماع إليه 250 ألف مرة، ما جعله أحد أكثر الأصوات شعبية على موقع (ماي نويز). ويُمكن للمستخدمين ضبط بعض المؤثرات الصوتية والنغمات باستخدام سلسلة من مؤشرات التحكم. ومع ذلك، لا يزال بيجون في حيرة من أمره من الكيفية التي اكتسبت بها أصوات نقرات المفاتيح وأزيز أجهزة الفاكس وصدى المحادثات البعيدة التي يحتوي عليها “المكتب الهادئ” مثل هذه الشعبية.

الشعور بالأمان

بشكل عام، فإن الأشخاص الذين يستخدمون الأصوات لمساعدتهم على التركيز قد دأبوا على اللجوء إلى أصوات الطبيعة أو الأصوات الهادئة، كالعواصف المطيرة أو الأجراس البوذية أو تغريد الطيور. وخلال السنوات الأخيرة، باتت موسيقى الاسترخاء “lo-fi chill” وغيرها من أشكال “موسيقى التركيز” شائعة للغاية، لدرجة أنه يوجد حالياً قنوات متعددة مُخصصة لهذا النوع من الموسيقى على موقع يوتيوب.

ومع ذلك، كانت هذه القنوات تستهدف عادةً طلاب الجامعات الذين يتطلعون إلى صرف انتباههم عن الضوضاء المحيطة والتركيز في دراستهم دون مقاطعات زملائهم في السكن. إلا أنه بعد تطبيق تدابير الحجر الصحي، بات العاملون ذوي الياقات البيضاء [أي: أولئك الذين يقومون بعمل “ذهني” مكتبي] أيضاً في حاجة إلى الاستماع لضجيج خلفي، لا سيما أولئك الذين اعتادوا على العمل في المكاتب المفتوحة، والتنقل جيئة وذهاباً بين مكاتبهم وغرفة الاجتماعات.

ولا يبحث الكثير من هؤلاء العمال الدؤوبين عن موسيقى إلكترونية مرتجلة أو أناشيد جريجورية. ويقول جيدريوس نورفيلاس، البالغ من العمر 28 عاماً والذي يعمل في شركة تكنولوجية ناشئة في مدينة بلفاست بأيرلندا، إن صوت لوحات المفاتيح الذي يُمكن الاستماع إليه على موقع “صوت الزملاء” (Sound of Colleagues) جعله يشعر “بالأمان”. ويضيف: “إن صوت شخص آخر يضغط على المفاتيح هو مؤشر على وجود أشخاص حولي”.

كان من المفترض في البداية أن يكون “صوت الزملاء” -على غرار صوت “المكتب الهادئ” الموجود على موقع بيجون- مجرد مزحة. وتقف وكالتان إعلانيتان سويديتان -هما فاميلين ستوكهولم (Familjen Stockholm) وريد بايب (Red Pipe)- وراء تأسيس هذا الموقع الذي يتيح لك سماع صوت ماكينة صنع القهوة، والهواتف، والمطر الذي يضرب النافذة، بل حتى سماع صوت كلب في المكتب.

ويقول توبياس نورمان، مؤسس وكالة ريد بايب، إنه يتلقى رسائل بريد إلكتروني من مستخدمي الموقع السعداء. ويضيف: “تلقيت اليوم رسالة من أحد المستخدمين في أستراليا يقول فيها إنه لم يكن يتصور أبداً أنه سيفتقد المكتب، لكنه على ما يبدو يفتقده فعلاً”، موضحاً أنه “يستخدم (صوت الزملاء) في الخلفية، إلا أن الشيء الوحيد الذي لا يزال يفتقده هو صوت ’بلينج‘ الذي يصدره الميكروويف!”.

تركيز جديد

كان هذا المستخدم الأسترالي واحداً من بين 1.2 مليون شخص يستخدمون الموقع، ما دفع نورمان وزملاءه إلى إنشاء قائمة تشغيل مُحددة بشكل أكبر على موقع سبوتيفاي: “زميل مكتب يتناول الإفطار في الصباح الباكر، زميل مزعج ورد فعل مفاجئ، مكتب في التسعينيات وجرس الهاتف الأرضي يدق”. بعبارة أخرى، كل الأشياء التي يذكر هذا البحث أنها تُسبب صعوبات في التركيز وتُضعف إنتاجية العاملين في المكاتب المفتوحة.

أجرى نيك بيرهام، من جامعة كارديف متروبوليتان في المملكة المتحدة، أبحاثاً حول الضجيج الخلفي وأصوات المكاتب. وفي دراسة نُشرت عام 2013 في دورية (Noise Health)، توصل هو وزوجته وزميلته هيلين هودجيتس إلى أن ضجيج المكتب يُمكن أن يؤثر سلباً على كلٍ من التذكر التسلسلي -أي القدرة على تذكر المعلومات- ومهارات الحساب الذهني، خاصةً عندما يتضمن هذا الضجيج محادثات مسموعة ومفهومة. لكن بيرهام يرى أنه من المفترض أن تعمل همهمة خلفية المكتب التي نسمعها في قوائم التشغيل على نحو مختلف؛ إذ تُساعد مواقع مثل “ماي نويز” و”صوت الزملاء” على إحداث “تأثير الثرثرة” الذي نشعر به في المقهى: تمتزج الأصوات والكلمات معاً، ما يساعد الأشخاص على التركيز عن طريق منع الضجيج الخلفي المزعج.

وعلى أي حال، يُمكن لأصوات المكتب أن تمنح الكثير من العاملين نوعاً من الراحة. وتقول برينلي لويز، الكاتبة البالغة من العمر 24 عاماً والمقيمة في إقليم الشمال الغربي الهادئ على الحدود الأمريكية الكندية: “في بعض الأيام أستمع إلى أصوات الطبيعة كالغابات أو المحيطات، وأحياناً أستخدم أصوات الألحان، وفي أيام أخرى، أستمع إلى أصوات صادرة عن أشخاص تشبه ضجيج المكتب”. بيد أنها تشير إلى أنها عادةً ما تلجأ إلى صوت “المكتب الهادئ” عندما “تفتقد التواجد في الأماكن العامة خلال هذه الأوقات الغريبة”.

ولعل هذا هو الهدف من الاستماع المتواصل إلى أصوات المكاتب: استعادة الشعور بالحياة الطبيعية. نريد فقط أن نصدق أننا سنتمتع مجدداً في يوم من الأيام بترف الانزعاج من رنين المصعد، أو من أن أحد الزملاء يضغط بقوة على لوحة المفاتيح، بل حتى من الصوت العالي الذي يصدره أحد رفاق المكتب أثناء مضغ الطعام.

المحتوى محمي