عبر المصدر المفتوح: لبنان يقترب من إنتاج أجهزة تنفس صناعي لمواجهة كورونا

4 دقائق

يومياً، يسجل لبنان ما يقارب 30 إصابة جديدة بفيروس كورونا، بعد أن كان في الأسبوع الفائت قد استقر على معدل 10 حالات يومياً، إن ارتفاع عدد إصابات كورونا ينذر بالسوء. فلبنان -الذي يعيش على أرضه حوالي 6 مليون نسمة- يتوقع المراقبون أن يواجه قطاعه الطبي ضغوطاً جمة قد ينجم عنها عجز القطاع عن معالجة كافة الحالات المصابة بكورونا.

المقالات الأكثر قراءة ضمن تغطية فيروس كورونا المستجد:

كانت الحكومة اللبنانية قد خصصت مستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت لاستقبال حالات كورونا، ولكن مع ازدياد عدد المصابين يتزايد الخطر من فقدان المستشفى القدرة على توفير اللوازم الطبية لمعالجة المصابين، خصوصاً أجهزة التنفس الصناعي الضرورية لإسعاف المرضى ومساعدتهم في التنفس. 

لا يأمل اللبنانيون أن يشاهدوا مرضى كورونا يموتون دون علاج أو على أبواب المستشفيات. وتحت شعار المصدر المفتوح، تضافرت جهود ما يقارب 300 شخص يعملون في اختصاصات ومن جامعات مختلفة، للعمل على صناعة أجهزة تنفس صناعي، وأقنعة لحماية وجه للأطباء الذين يحتكون مع المرضى، بالإضافة إلى ميزان لقياس حرارة الأشخاص ومعدات أخرى ستتضاءل كميتها في الأيام القادمة.

يركن فيروس كورونا داخل خلايا الجهاز التنفسي والرئتين ويؤدي في الكثير من الأحيان إلى تدمير نسيج الأعضاء التنفسية. لذلك تكمن أهمية جهاز التنفس الصناعي في قدرته على توفير الأكسجين بكميات مركزة لرئتي المصابين العاجزين عن التنفس. إن صراع مرضى كورونا على أجهزة التنفس الصناعي هو صراع بين الحياة والموت؛ ففي الآونة الأخيرة انتشرت فيديوهات لعدد من المصابين بكورونا مستلقِين على الأرض بعد رفض مستشفيات عديدة حول العالم استقبالَهم بسبب النقص في أجهزة التنفس. 

وتعد إيطاليا من أبرز الدول التي تواجه أزمة النقص في المعدات الطبية، فقد انتشرت صور  لقيام الطواقم الطبية الإيطالية -على ضوء نقص أجهزة التنفس- إلى تنويم المريض على بطنه لتوفير تدفق الأكسجين من خلال الجاذبية، كذلك أثار تصريح طبيب إيطالي استياء الرأي العام بعد قوله إن أجهزة التنفس يجب أن تتوافر للمصابين دون سن الستين عاماً. 

المصدر المفتوح لإنقاذ المصابيين

المبادرة الانسانية لصناعة معدات طبية مجانية، كان قد أطلقها مجموعة من خريجي الجامعة اللبنانية، هم: هشام عيسى، وحسين حمدان، وحسين الحاج حسن. ومنذ اللحظة الأولى لولادة المشروع، التزم الفريق بالعمل على إنجاز المهمة الإنسانية ضمن إطار المصادر الرقمية المفتوحة حتى يتسع لشريحة كبيرة من الأفراد المساهمة في المبادرة، فأنشأ الفريق مساحة عمل مشتركة على منصة "Slack"، وباستطاعة أي شخص من لبنان، وحول العالم الانضمام إليها. 

تحمل خليّة النحل اللبنانية اسم "Lebanon response team"، ويشارك في إدارتها كل من: نور علوان، وسامر ماتيا، وعلاء غانم، وعلي محيّدلي، وأحمد الصباغ، وبهاء الزعبي. تقوم المجموعة على مدار الساعة بتحميل وتحديث نتائج دراسات وأبحاث وتوصيات طبية وأسطر تشفيرية وأسماء القطع الإلكترونية التي يحتاجونها لصنع المعدات الطبية.

وتتوافق أجهزة التنفس التي يقوم الفريق اللبناني بصنعها مع توصية صدرت عن الحكومة البريطانية تتضمن المتطلبات التي على جهاز التنفس الصناعي توفيرها للمصابين بكورونا. 

بعد 5 أيام من ولادة المبادرة، استطاع الفريق اجتياز أشواط من المهمة، فسلم نموذجاً أولياً من الأقنعة الطبية لمستشفى بيروت الحكومي الذي بدوره سيجري اختبارات على النموذج.

الباحث سامر ماتيا.

وكان لإم آي تي تكنولوجي ريفيو حديث مع الاختصاصي في الحوسبة والاتصالات سامر ماتيا، الذي يتابع عدداً من المشاريع التي تضمها المبادرة، يقول ماتيا: "ينقسم الفريق إلى مجموعات منظمة. يعمل على صناعة جهاز التنفس 12 شخصاً، وحتى هذه اللحظة تمكنوا من صناعة 3 نماذج، وستختار وزارة الصحة النموذجَ الأفضل بعد أن يخضع لاختبار طبي من قِبل مختصين، كذلك يوجد مجموعة تتألف من 18 شخصاً مهمتها صيانة الأجهزة، ومجموعة أخرى مؤلفة من 3 أشخاص مخصصة لصناعة الأقنعة الواقية.

أما مشروع تصنيع ميزان الحرارة ما دون الأشعة الحمراء "فيعمل على صناعته 5 أشخاص، قدّموا إلى الآن نموذجان، استطاع واحد منهما أن يتفوق في الاختبار الطبي على ميزان الحرارة ما دون الحمراء الذي تستخدمه الصين".

ويعاني لبنان من نقص حاد في المعدات التي ترصد الحالات المصابة بكورونا عن بعد؛ لذلك سيُستخدم الميزان الحراري الذي يتم تصنيعه في المرافق العامة وسيُوضع عددٌ منها أمام المتاجر لمعرفة المصابين بكورونا.

أهمية المصدر المفتوح

قال المهندس حسين الحاج حسن، المشارك في تأسيس المبادرة، لإم آي تي تكنولوجي ريفيو "إن المبادرة تلقت دعماً من وزارة الصناعة والصحة. نعمل حالياً بإشراف من اختصاصيين في مجال الإلكترونيك والصناعات الروبوتية والفيزياء الحيوية وأطباء من مختلف الاختصاصات".

حسين الحاج حسن.

وبحسب الحاج حسن، فإن "عدداً كبيراً من المتاجر قدمت المواد الأولية التي نحتاجها في صنع الأجهزة، ويوجد شركات قدمت مساحات للعمل ضمنها".

ويصر الحاج حسن على أهمية المصدر المفتوح لتبادل الخبرات وتسريع وتيرة العمل؛ فقد ساهم المصدر المفتوح في تكليل التجربة بالنجاح، بعد أن انضم إلى الفريق لبنانيون يقيمون خارج لبنان، وتلقى دعماً من أميركيين وكنديين وفرنسيين وإيطاليين وجنسيات أخرى.

عصر المصادر المفتوحة

ليس لبنان وحده من أطلق مبادرات لصناعة الجهاز؛ إذ يغزو مواقع التواصل الاجتماعي عشرات النداءات الإنسانية للمشاركة بمنصات مفتوحة المصدر بهدف إنتاج الجهاز. وتحت شعار المصدر المفتوح لإنقاذ الكوكب من فيروس كورونا. انطلقت مبادرات شبيهة للمبادرة اللبنانية، في كولومبيا وإسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية وكندا وغيرها من الدول لصناعة أجهزة تنفس صناعي ومعدات طبية أخرى. إن صناعة أجهزة التنفس الصناعي ميزان قياس الحرارة ما دون الأشعة الحمراء يحتاج إلى كتابة السطور التشفيرية وربطها في الألواح الذكية. إن للمصدر المفتوح أهمية كبرى لدى مجتمع مطوري البرامج وأنظمة التشغيل الذكية، فمن خلال المصادر المفتوحة مثل Github يتمكن أي شخص حول العالم تصحيح الأخطاء الموجودة في النصوص التشفيرية، وإبداء ملاحظته.

قبل أيام، أطلقت جامعة فلوريدا الأميركية مصدراً مفتوحاً للسطور التشفيرية لأجهزة التنفس الصناعي، وثمة مبادرات أخرى أطلقها مطوري برامج ومهندسين إلكترونيك وأطباء في إسبانيا ودول أخرى لتحقيق الهدف نفسه. 

وفي الوقت الذي تواجه فيه الكوادر الطبية في معظم دول العالم أزمة نقص في المعدات الطبية، تأتي مبادرات المصادر المفتوحة كبديل عن الشركات الطبية لصناعة الكميات المطلوبة من أجهزة التنفس مجاناً.

عندما ولد مبدأ المصدر المفتوح الرقمي، واجه الكثير من الانتقادات الحادة من قِبل شركات تكنولوجية كبرى، فمثلاً في عام 2001 قام الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ستيف بالمر، بوصف شركةَ لينوكس التي تستخدم المصدر المفتوح بأنها كالسرطان؛ وذلك على ضوء اعتماد الاخيرة على نظام تشغيل مفتوح المصدر. 

وبعد عشر سنوات من نعت بالمر للينوكس بالسرطان، توجهت مايكروسوفت إلى تبنّي مفهوم المصادر المفتوحة، وتعد حالياً من أكبر الشركات التي توفر تطبيقات وأنظمة تشغيل مفتوحة المصدر.

لقد أدى المصدر المفتوح إلى بناء مجموعة عالمية تعمل على ابتكار أفضل نموذج مفتوح المصدر للمعدات الطبية، وفي حال نجحت في صناعة كمية كافية من المعدات الطبية، فإن ذلك سيزيد تلقائياً من الاستثمار في هذا القطاع المفتوح.

المحتوى محمي