تُعد إدارة البيانات الصحية من التحديات المتنامية بوتيرة سريعة في جميع أنحاء العالم. وليس النمو الذي يشهده العالم في مجالات الرعاية الصحية الذكية، والرعاية الصحية عن بعد، وتقديم الخدمات الصحية عن بعد، إلا دليلاً على وجود تحول نحو البيانات الصحية الرقمية على نطاق كبير، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تضخم حجوم البيانات التي تتم مشاركتها. وفي الوقت نفسه، أصبح المرضى أكثر قدرة على الحركة من الناحية الجغرافية أكثر من أي وقت من مضى، ويمكنهم الحصول على خدمات الرعاية الصحية في مواقع متنوعة.
تجربة المملكة المتحدة
تعرضت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة للانتقاد في السنوات الأخيرة بسبب استمرارها في الاعتماد على حلول تقنية "قديمة" لتبادل البيانات مثل أجهزة الفاكس، ما أدى إلى زيادة الأصوات المطالبة بإجراء تحديثات على التكنولوجيا المستخدمة ضمن النظام الوطني للرعاية الصحية.
وقد تعهدت الهيئة منذ أكثر من 5 أعوام بإنجاز مشروع وطني للسجلات الصحية الإلكترونية القابلة للتشغيل البيني، بحيث يتم الاحتفاظ بأكبر جزء ممكن من سجلات المرضى على وسائط غير ورقية. وهو ما يعني أنه مع تنفيذ المشروع على مستوى أمانات الهيئة والمستشفيات والمراكز الصحية المتوزعة في جميع أنحاء البلاد، يصبح بإمكان المرضى الوصول بشكل كامل إلى سجلاتهم الخاصة، وسيكون لديهم صلاحية الكتابة فيها. وسيحتفظون بحق إلغاء إمكانية مشاركة سجلاتهم إلكترونياً. مع العلم أنه حتى منتصف العام الماضي 2019، لم تتجاوز نسبة الأمانات التابعة للهيئة التي تمت رقمنتها بالكامل 10%.
حتى ذلك الوقت، كانت تشير واحدة من كل 5 من هذه الأمانات إلى أن سجلات المرضى لديها التي تمت رقمنتها تتراوح نسبتها من 76% إلى 99%، مع التذكير بأن مصطلح سجلات طبية، يشمل جميع الوثائق الطبية الخاصة بالمرضى، من الفحوصات والتشخيصات، والرسائل، والملاحظات، والنتائج.
لكن هذا لم يمنع فريقاً من الباحثين في جامعة وورويك من التركيز على اقتراح آلية تتلاءم مع الحلول الإلكترونية في القطاع الصحي، بحيث تمكن المرضى من منح موافقاتهم على مشاركة بياناتهم الطبية، وإدارتها بصيغة رقمية، الأمر الذي سيلعب دوراً هاماً من الناحية القانونية في إتاحة البيانات الطبية وتبادلها بين المؤسسات والهيئات الصحية المختلفة.
بحث يهتم بمرضى السكري
يضطر مرضى السكري في أغلب الأحيان إلى التعامل مع عدة جهات مختلفة تختص كل منها في ناحية معينة من علاجهم. وقد أجرى باحثون من مجموعة وورويك للتصنيع في جامعة وورويك استبياناً على المرضى حول وجهات نظرهم بشأن كيفية مشاركة بياناتهم، ووجدوا أنهم يفضلون مشاركتها رقمياً باستخدام تطبيق دوفتيل للموافقة الرقمية.
يوجد في المملكة المتحدة 4.7 مليون مصاب بمرض السكري، وحالهم كحال كثيرين غيرهم من مرضى السكري حول العالم، حيث يمضون الكثير من الوقت في زيارة عدة أخصائيين في عيادات مختلفة للتعامل مع نواحي محددة من العلاج. وقد أدت التطورات الجديدة في التكنولوجيات الرقمية إلى تطبيقات مبتكرة تتيح إمكانية الإدارة الذاتية للمرض بدعم من الأخصائيين، وتعطي الصلاحية للمرضى للتحكم في بعض النواحي في عملية الرعاية الصحية. تحتاج هذه المسألة إلى مشاركة الكثير من البيانات، وهو ما يتم حالياً عن طريق طلب العيادة للسجلات الطبية من عيادة أخرى، مع ضرورة موافقة الأطباء على المشاركة، ما قد يستغرق وقتاً طويلاً. إضافة إلى ذلك، فإن هذه العملية تصبح أقرب إلى الغموض مع نسيان المرضى لعمليات التحويل التي وافقوا عليها، إضافة إلى عدم سهولة إلغاء الموافقة عند الرغبة. إن قدرة المرضى على التحكم في العملية هي أحد حقوقهم الأساسية الأخلاقية والقانونية، وفي بعض الأحيان، يكون من الصعب تحقيق التوازن بين انتهاك الخصوصية والفوائد الطبية لدى مشاركة الكثير من البيانات.
غير أن الفريق البحثي من معهد الرعاية الصحية الرقمية (يعرف اختصاراً باسم آي دي إتش IDH) في مجموعة وورويك للتصنيع اقترحوا نظاماً جديداً يسمى "تطبيق دوفتيل للموافقة الرقمية"، وقد قاموا بتحليل هذا النظام في بحث حمل العنوان: "تقييم فهم المريض للمشاركة الديناميكية للبيانات الصحية باستخدام موافقة رقمية مبنية على البلوك تشين عن طريق تطبيق دوفتيل للموافقة الرقمية: دراسة مستعرضة استقصائية"، والذي تم نشره في مجلة ديجيتال هيلث (Digital Health).
يمثل تطبيق دوفتيل للموافقة الرقمية آلية راسخة وموثوقة ومرنة للمرضى لتقديم موافقتهم على مشاركة البيانات بين عيادات الطب العام، ويستطيعون أيضاً إلغاء الموافقة في أي وقت يشاؤون، ما يتيح لهم إدارة حالتهم المرضية ضمن بيئة رعايةٍ صحيةٍ متكاملة.
يعتمد نظام دوفتيل على تطبيق يعمل على الهاتف الذكي وبنية تحتية مبنية على البلوك تشين، ما يعني أنه يمكن تتبع مشاركة البيانات. يعتبر البلوك تشين من أحدث التكنولوجيات التي ظهرت في القطاع المالي، وقد سمح بتزويد تطبيقات الرعاية الصحية بالثقة والرسوخ الذي يميز القطاع المالي.
لمعرفة مدى فعالية هذا النظام، طلب باحثو آي دي إتش من 23 مريضاً و13 فرداً من أفراد طاقم العمل، في عيادة طب عام، الإجابة عن عدة مجموعات من الأسئلة، متبوعة بنقاش جماعي، وذلك لتحديد مدى استيعابهم للأساليب الحالية لمشاركة البيانات الطبية، ومعرفة ما إذا كانوا يتذكرون أنهم منحوا موافقتهم أم لا. بعد ذلك، أجرى الباحثون تحليلاً لمواضيع النقاش الجماعي وإحصائيات توصيفية لإجابات مجموعات الأسئلة.
نتائج التجربة
اكتشف الباحثون وجود ضعف كبير لدى المرضى في استيعاب عمليات الموافقة الحالية، بل إن الكثير منهم لم يتذكروا حتى أنهم أعطوا موافقتهم على مشاركة بياناتهم، وقد رأى المرضى قيمة الإمكانات التي يتيحها تطبيق الموافقة الرقمية، وأعربوا عن تفضيلهم له على الأساليب الحالية إلى حد كبير.
كما عبر المرضى عن ترحيبهم بفكرة استخدام تطبيق يمكن أن يساهم في تحسين جودة العلاج، وفي نفس الوقت يحافظ على سيطرتهم على بياناتهم. وقد أعجب المشاركون على وجه الخصوص بوضوح تطبيق الموافقة، وسهولة استعراض وإلغاء الموافقات الموجودة.
لا شك أن دراسة كهذه تقدم فكرة واعدة حول تكنولوجيا يمكن أن تمهد الطريق أمام تطبيقات مبتكرة للغاية لتحسين جودة وفعالية خدمات الرعاية الصحية، وهو ما سيرحب به المرضى، شريطة أن تكون بياناتهم تحت سيطرتهم في نهاية المطاف.
المرجع: http://dx.doi.org/10.1177/2055207620924949
تقييم فهم المريض للمشاركة الديناميكية للبيانات الصحية باستخدام موافقة رقمية مبنية على البلوك تشين، عن طريق تطبيق دوفتيل للموافقة الرقمية: دراسة مستعرضة استقصائية.