كانت جائحة كوفيد-19 سبباً رئيسياً في حدوث العديد من التغيرات في الحياة حول العالم، ومن ضمنها تغيير عادات الدفع عند شراء المنتجات الاستهلاكية، فانتشرت ثقافة استخدام المحافظ الرقمية بصورة كبيرة في الفترة التي شهدت انتشار الجائحة وبعد انتهائها، حيث اكتسبت زخماً وألهمت المراقبين الذين بدؤوا بالتساؤل فيما إذا كان يمكننا التخلص من طرق التعاملات النقدية التقليدية التي كانت سائدة.
فما هي المحافظ الرقمية وكيف تعمل؟ وما مدى انتشارها في المنطقة العربية؟ وهل ستكون حقاً الطريقة الجديدة في التعاملات النقدية في المستقبل القريب؟ وما هي أبرز المخاطر المرتبطة بها؟ وكيف تحافظ عليها من الاختراق السيبراني؟
ما هي المحفظة الرقمية؟
المحفظة الرقمية (Digital Wallet)، هي تطبيق يعمل على الأجهزة المحمولة مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ويخزن معلومات الدفع، ما يسمح للمستخدم بالدفع مقابل المشتريات مباشرة من جهازه بدلاً من استخدام بطاقات الخصم أو الائتمان أو النقود الورقية، حيث تلغي حاجة العملاء إلى إدخال بطاقاتهم ومعلومات الفواتير يدوياً، ما يجعلها خيار دفع سريعاً وبسيطاً.
كما يمكن استخدامها أيضاً لتخزين المستندات المهمة الأخرى رقمياً، مثل تذاكر الفعاليات وتذاكر ركوب وسائل النقل المختلفة مثل الطائرة والقطارات، وإيصالات حجوزات الفنادق ورخص القيادة وبطاقات الهوية، وغيرها من المستندات الأخرى.
اقرأ أيضاً: 10 اتجاهات للتكنولوجيا عام 2025 على الجميع الاستعداد لها
كيف تعمل المحفظة الرقمية؟
تلغي المحافظ الرقمية بشكلٍ أساسي الحاجة إلى حمل محفظة فعلية أو الاضطرار إلى دفع نقود ورقية مقابل عمليات الشراء، وهي تخزن معلومات الدفع الخاصة بك كلّها بشكلٍ آمن، وتعمل بشكلٍ أساسي عبر ميزات الاتصال اللاسلكية في الهاتف المحمول مثل الواي فاي والبلوتوث والإشارات الكهرومغناطيسية لنقل بيانات الدفع بأمان من جهازك إلى نقطة بيع مصممة لقراءة البيانات والاتصال عبر هذه الإشارات.
حالياً التقنيات المستخدمة من قِبل الأجهزة المحمولة والمحافظ الرقمية هي:
- رموز الاستجابة السريعة QR: يمكنك استخدام كاميرا هاتفك ونظام المسح الضوئي للمحفظة لبدء الدفع. على سبيل المثال، في تطبيق المحفظة الرقمية التابعة لشركة باي بال يمكنك إنشاء رمز الاستجابة السريعة الذي يُتيح لك استخدام حسابك لدفع ثمن مشترياتك في المتاجر.
- الاتصال قريب المدى (NFC): هي تقنية تسمح لجهازين ذكيين توصيل المعلومات ونقلها باستخدام الإشارات الكهرومغناطيسية، ويتطلب جهازين قريبين من بعضهما بعضاً للاتصال.
اقرأ أيضاً: كيف أصبحت الصين الرائدة في التكنولوجيا المالية؟ ولماذا يعجز الغرب عن اللحاق بها؟
ما هو مدى انتشار طرق الدفع عبر المحفظة الرقمية في المنطقة العربية؟
أصبح العالم أكثر تقبلاً لطرق الدفع اللاتلامسية (Contactless Payment) التي توفّرها المحافظ الرقمية، وقد أصبحت المنطقة العربية أكثر ميلاً لهذا النوع الجديد من طرق الدفع التقليدية، حيث من المتوقع أن يصل حجم سوق المدفوعات الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى نحو أكثر من 380 مليار دولار بحلول عام 2029، وفقاً لشركة الأبحاث (Mordor Intelligence).
كما بيّن استطلاع أجرته شركة ماكنزي آند كومباني للاستشارات، أن المبادرات الحكومية المترافقة بدخول مزوّدي خدمات دفع إقليميين ومحليين ودوليين جدد، كان لها أثر كبير في إحداث تحول سريع نحو استخدام المحافظ الرقمية في إجراء عمليات الدفع والابتعاد عن استعمال الأموال النقدية، ويُعزى ذلك بحسب التقرير إلى معدل انتشار استخدام الهواتف الذكية بين المستهلكين في المنطقة العربية.
حيث وجد الاستطلاع أنه حتى قبل انتشار الجائحة، كانت المدفوعات الرقمية تحقق نمواً سريعاً، حيث كان معدل النمو السنوي في عدد عمليات الدفع الرقمية بين المستهلكين في دولة الإمارات العربية المتحدة يزيد على 9% بين العامين 2014 و2019 مقارنة بمعدل نمو بلغ 4-5% في أوروبا، كما كانت المملكة العربية السعودية من بين أسرع الدول التي شهدت نمواً كبيراً بعمليات الدفع الرقمية، حيث ارتفعت بأكثر من 70% بين شهري فبراير 2019 ويناير 2020.
وبالنسبة للمستهلكين بحسب الاستطلاع، فإن خيار الدفع الرقمي كان هو المفضل لأكثر من 58% منهم، كما عبّر نحو 60% ممن شملهم الاستطلاع عن توقعهم بأن تكون المحافظ الرقمية طريقة الدفع الرقمية الأكثر استخداماً خلال السنوات الخمس المقبلة.
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل لأفضل خدمات مقارنة الأسعار في الدول العربية
ويُعزى ذلك بحسب التقرير إلى اتساع سوق المدفوعات في الشرق الأوسط ودخول لاعبين جدد إليها، مثل شركات التكنولوجيا المالية وشركات الاتصالات، إلى جانب البنوك التقليدية التي أسهمت في سرعة تبنّي طرق الدفع اللاتلامسية ممثلة في المحافظ الرقمية.
وعالمياً، وجدت دراسة أجرتها شركة جونيبر للأبحاث (Juniper Research) عام 2022، أن قيمة معاملات المحافظ الرقمية من المتوقع لها أن تتجاوز 12 تريليون دولار بحلول عام 2026، كما وجدت دراسة أجرتها الشركة نفسها عام 2023 أنه من المتوقع أن يتجاوز عدد مستخدمي المحافظ الرقمية على مستوى العالم حاجز 5 مليارات مستخدم بحلول عام 2028.
الدفع عبر المحفظة الرقمية آمن بشكلٍ أكبر من طرق الدفع الأخرى
تعتبر المحافظ الرقمية أكثر أماناً من استخدام بطاقات الائتمان المادية التي يمكن فقدانها أو سرقتها، وينبع مستوى الأمان في المقام الأول من الطريقة التي تنتقل بها البيانات في نقطة البيع، حيث تستخدم المحفظة الرقمية عملية تُسمَّى الترميز المميز (Tokenization) التي تحافظ على سرية رقم بطاقة الائتمان أو الخصم عند إجراء عملية الشراء.
عندما تدفع مقابل شيء ما، بدلاً من إرسال رقم بطاقة الائتمان أو الخصم الفعلي إلى التاجر، تُنشئ المحفظة الرقمية رمزاً مميزاً للاستخدام مرة واحدة يتكون من أرقام عشوائية. هذا الرمز المميز هو ما يُستخدم لمعالجة عملية الدفع بينما تظل معلوماتك الشخصية آمنة.
بالإضافة إلى ذلك في حالة حدوث خرق للبيانات مع الشركة أو معالج الدفع، فإن أي مدفوعات تمت معالجتها باستخدام المحفظة الرقمية ستكون أكثر أماناً من طرق الدفع الأخرى والتي قد تكون معرضة للسرقة مثل أرقام بطاقات الائتمان، علاوة على ذلك تتطلب تطبيقات المحفظة الرقمية دائماً إجراءات أمنية إضافية قبل فتحها مثل طرق المصادقة البيومترية أو رقم التعريف الشخصي.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لعربات التسوق الذكية أن تشكل مستقبل تجارة التجزئة؟
ما هي أبرز المحافظ الرقمية المتوفرة في المنطقة العربية؟
هناك الكثير من تطبيقات المحفظة الرقمية للاختيار من بينها، حيث يعود القرار بصورة كبيرة إلى احتياجاتك وموقعك الجغرافي ونوع الهاتف الذكي الذي تستخدمه، على سبيل المثال يتوفر لمستخدمي أجهزة آيفون تطبيق آبل باي (Apple Pay) بينما يتوفر لمستخدمي هواتف أندرويد تطبيق جوجل باي (Google Pay)، كما لدى بعض الشركات تطبيقات تعمل لدى كل من نظامي التشغيل مثل تطبيق باي بال (PayPal).
كما توفر بعض شركات الاتصالات وشركات التكنولوجيا المالية تطبيقات محافظ رقمية خاصة بها، على سبيل المثال يوجد في المملكة العربية السعودية العديد من المحافظ الرقمية مثل إس تي سي باي (STC Pay) التابعة لشركة الاتصالات السعودية ويو آر باي (UR Pay) التابعة لمصرف الراجحي.
ما هي أبرز المخاطر السيبرانية المرتبطة بأمان المحافظ الرقمية؟
في عام 2023 أُجريت نحو 30% من معاملات نقاط البيع على مستوى العالم باستخدام المحافظ الرقمية، وبلغت القيمة الإجمالية العالمية لمعاملات المحفظة الرقمية نحو 9 تريليونات دولار، كما قادت المحافظ الرقمية عمليات الشراء عبر الإنترنت على مستوى العالم، حيث استحوذت على 50% من المعاملات عام 2023 وفقاً لمركز أبحاث شركة التسوق العالمية كابيتال ون شوبينغ (capital one shopping).
ويعود النمو الكبير في استخدام المحفظة الرقمية إلى أنها تعتبر أكثر أماناً من طرق الدفع التقليدية، ومع ذلك لا يخلو استخدامها من التهديدات والمخاطر السيبرانية والتي تتركز بصورة كبيرة في عاملين هما:
1- استخدام شبكات الواي فاي غير الآمنة:
على الرغم من أن معظم المحافظ الرقمية تستخدم التشفير لتجنب فقدان البيانات، فإن استخدام شبكات الواي فاي العامة دون وجود طبقة حماية مثل شبكة افتراضية خاصة قد يعرّض بياناتك المالية إلى خطر اعتراض البيانات ومن ثَمَّ سرقتها.
2- السرقة والاحتيال والضياع:
وبالتحديد عند عدم قفل هاتفك الذكي برمز مرور أو تفعيل إحدى طرق المصادقة البيومترية، حيث يمكن لمَن يجده أو يسرقه إجراء عمليات الشراء أو حتى سحب الأموال من حسابك المصرفي قبل أن تدرك أن هاتفك قد ضاع أو سُرِق.
اقرأ أيضاً: افضل 10 منصات وتطبيقات لإطلاق متجرك الإلكتروني في 2024
كيفية المحافظة على المحفظة الرقمية من الاختراق السيبراني
لتقليل احتمالات تعرض محفظتك الرقمية للخطر من قِبل مجرمي الإنترنت من الأفضل اتباع الممارسات الأمنية القوية بما في ذلك:
- لا تدخل إلى تطبيق المحفظة الرقمية عبر شبكات الإنترنت غير الآمنة، مثل شبكات الواي فاي الموجودة في المطارات، دون طبقة حماية إضافية.
- أنشئ كلمة مرور قوية ومعقدة لتطبيق المحفظة الرقمية وحدثها بانتظام ولا تدونها.
- تعامل مع تفاصيل تسجيل الدخول إلى محفظتك الرقمية بالطريقة نفسها التي تتعامل بها مع المعلومات الحساسة والسرية.
- راقب تفاصيل بيانات بطاقتك الائتمانية ونشاط الإنفاق من كثب، وأبلغ عن أي نشاط مشبوه على الفور.
- حدّث نظام تشغيل جهازك وتطبيق المحفظة الرقمية كلما توفر ذلك.
- لا تفتح المرفقات أو الروابط في بريدك الإلكتروني حتى تتأكد من موثوقية عنوان المرسل.
- فعّل ميزات مسح بيانات جهازك عن بُعد في حالة سرقته.
- تأكد من أن المحفظة الرقمية توفّر ميزات إشعارات الأمان وفعّلها للحصول على تنبيهات في الوقت الفعلي عند إجراء المعاملات.