كيف سيؤدي الكبريت إلى ابتكار جيل جديد من البطاريات الأكثر فاعلية؟

4 دقيقة
تستخدم لايتن مادة الغرافين الثلاثي الأبعاد لتعزيز الكثافة الطاقية في بطاريات الليثيوم-الكبريت التي تنتجها.

قد يكمن المفتاح لبناء بطاريات أقل تكلفة وقادرة على زيادة مدى السيارات الكهربائية في مادة متوافرة بكثرة وزهيدة الثمن: الكبريت.

سنحتاج إلى كميات هائلة من البطاريات لمواجهة التغير المناخي، سواء لتشغيل الأسطول المتنامي من السيارات الكهربائية، أو لتخزين الطاقة المتجددة على الشبكة. تمثل بطاريات الليثيوم-أيون حالياً الخيار الأكثر انتشاراً في كلا المجالين.

لكن مع تنامي الحاجة إلى المزيد من البطاريات، يزداد استخراج المواد اللازمة لتصنيعها صعوبة. قد يكمن الحل في عدد متزايد من البدائل التي تتيح الاستغناء عن بعض المعادن الأقل توافراً والأكثر إثارة للجدل واللازمة لصنع بطاريات الليثيوم-أيون، مثل الكوبالت والنيكل.

ومن المحتمل أن تصل إحدى البنى الكيميائية المنافسة، أي الليثيوم-الكبريت، إلى مرحلة مفصلية مهمة للغاية، حيث تخطط الشركة الناشئة لايتن (Lyten) لتسليم كميات محدودة من خلايا الليثيوم-الكبريت إلى أول مجموعة من عملائها في وقت لاحق من هذا العام. ستؤول هذه الخلايا (التي يمكن تجميعها معاً لبناء بطاريات بأحجام مختلفة) في نهاية المطاف إلى عملاء في صناعات الفضاء والطيران والدفاع، في إطار رحلة تهدف إلى بناء بطاريات أفضل قادرة على تحمل ظروف التشغيل في السيارات الكهربائية.

اقرأ أيضاً: لماذا تُعدُّ صناعة البطاريات عاملاً حاسماً للتحول في قطاع الطاقة؟

خلايا الليثيوم-الكبريت

عند دراسة الخيارات الجديدة للبطاريات، "نحتاج إلى شيء يمكن صنع كميات كبيرة منه، وخلال فترة وجيزة. وهنا يأتي دور الليثيوم-الكبريت"، كما تقول الرئيسة التنفيذية لتكنولوجيا البطاريات في لايتن، سيلينا ميكولايتشاك.

يُعد الكبريت من المواد الواسعة الانتشار والزهيدة الثمن، وهو أحد الأسباب الرئيسة التي يمكن أن تجعل بطاريات الليثيوم-الكبريت أخفض ثمناً بكثير. وتقول ميكولايتشاك إن تكلفة مواد هذا التصميم تعادل تقريباً نصف تكلفة المواد اللازمة لصنع خلايا الليثيوم-أيون.

لكن هذا لا يعني أن تكلفة البطاريات الجديدة ستنخفض على الفور. فقد مرت بطاريات الليثوم أيون بعقود كاملة من عمليات تخفيض التكلفة البطيئة، مع اتساع نطاق الإنتاج، والجهود التي بذلَتها الشركات لتحسين التصاميم وحل المشاكل. لكن انخفاض تكلفة المواد يعني أن تكلفة البطاريات قد تكون منخفضة في المستقبل.

لن توفر بطاريات الليثيوم-الكبريت وسيلة أقل تكلفة لتخزين الطاقة في نهاية المطاف وحسب، بل يمكن أيضاً أن تتفوق على بطاريات الليثيوم-أيون في معيار مهم للغاية، وهو الكثافة الطاقية. تستطيع بطارية الليثيوم-الكبريت تخزين ما يقارب ضعف كمية الطاقة التي يمكن تخزينها في بطارية ليثيوم-أيون لها الوزن نفسه. وهو ما يمكن أن يشكل ميزة مهمة للسيارات الكهربائية، ويتيح لشركات السيارات بناء مركبات قادرة على قطع مسافة إضافية كبيرة بعملية شحن واحدة دون زيادة وزنها.

اقرأ أيضاً: مايكروسوفت تستخدم الذكاء الاصطناعي لاكتشاف خليط يوفر 70% من الليثيوم في البطاريات

عوائق تقنية مهمة قبل أن تصبح هذه البطاريات جاهزة للاستخدام

لكن ما زالت لايتن في حاجة إلى تجاوز بعض العوائق التقنية المهمة قبل أن تصبح منتجاتها جاهزة للاستخدام في السيارات الكهربائية. ومن أهم هذه العوائق زيادة عمر البطارية.

تدوم بطاريات الليثيوم-أيون الحالية المخصصة للسيارات الكهربائية 800 دورة شحن على الأقل، ما يعني أنها تتحمل التفريغ وإعادة الشحن 800 مرة. لكن بطاريات الليثيوم-الكبريت تميل إلى التردّي بسرعة أكبر بكثير، وما زال عمر الكثير من التصاميم الحالية يبلغ 100 دورة تقريباً، كما تقول باحثة البطاريات في جامعة شيكاغو ومختبر أرغون الوطني، شيرلي مينغ.

ويُعزى هذا إلى صعوبة السيطرة على التفاعلات الكيميائية التي تعمل بطاريات الليثيوم-الكبريت من خلالها، كما تبين للباحثين. فالتفاعلات غير المرغوبة بين الليثيوم والكبريت يمكن أن تنقص عمر البطاريات، وتودي بها إلى نهاية مبكرة.

ليست لايتن أول شركة تسعى إلى تطوير بطاريات الليثيوم-الكبريت على الإطلاق، فقد سبقتها إلى ذلك شركات عدة كبيرة وصغيرة على مدى العقود السابقة. وانتهى المطاف ببعض هذه الشركات، مثل شركة أوكسيس إينرجي (Oxis Energy)، إلى الإغلاق، على حين قررت شركات أخرى، مثل سيون باور (Sion Power)، التخلي عن العمل على تطوير هذا النوع من البطاريات.  لكن تنامي الطلب على البدائل، وارتفاع مستوى الاهتمام والتمويل، قد يعنيان أن لايتن حققت النجاح حيث فشلت الشركات الأخرى سابقاً، كما تقول مينغ.

إطالة عمر البطاريات

حققت لايتن بعض التقدم في سعيها إلى إطالة عمر البطاريات، فقد وصل عمر بعض العينات مؤخراً إلى 300 دورة، كما تقول ميكولايتشاك. تعزو ميكولايتشاك هذا النجاح إلى مادة الغرافين الثلاثي الأبعاد من لايتن، التي تساعد على منع التفاعلات الجانبية غير المرغوبة، وتعزز الكثافة الطاقية للخلية. تدرس الشركة أيضاً استخدام الغرافين الثلاثي الأبعاد، الذي يتسم ببنية أعقد من الغرافين الثنائي الأبعاد، في منتجات أخرى مثل أجهزة الاستشعار والمواد المركبة.

لكن، وحتى مع التقدم الذي حققته لايتن مؤخراً، ما زالت بعيدة عن إنتاج بطاريات تدوم فترة كافية تتيح استخدامها في السيارات الكهربائية. في هذه الأثناء، تخطط الشركة لنشر خلاياها في الأسواق في مجالات لا تتطلب مواصفات عالية من حيث العمر.

نظراً إلى أن بطاريات الليثيوم-الكبريت يمكن أن تكون خفيفة للغاية، تعمل الشركة مع بعض العملاء على بناء أجهزة مثل الطائرات من دون طيار، وهي حالة يمكن لتخفيف الوزن فيها أن يحل مشكلة الحاجة إلى التبديل المتكرر للبطاريات، كما يقول الرئيس التنفيذي للاستدامة في لايتن، كيث نورمان.

افتتحت الشركة خطاً تجريبياً للتصنيع في 2023 باستطاعة إنتاج قصوى بلغت 200,000 خلية سنوياً. وبدأت مؤخراً تنتج عدداً صغيراً من الخلايا، وتخطط لتسليمها في وقت لاحق من هذا العام إلى العملاء الذين دفعوا ثمنها.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى مولدات الطاقة النانوية التي ستلغي البطاريات من الأجهزة القابلة للارتداء

ولم تعلن الشركة عن أسماء الشركات التي ستتلقى هذه الدفعة الأولى من البطاريات.  يقول نورمان إن توجهات الشركة الرئيسية في المستقبل تتضمن تحسين عمر البطاريات ورفع القدرة الإنتاجية للغرافين الثلاثي الأبعاد وخلايا البطاريات على حد سواء.

ما زالت الطريق نحو صنع بطاريات ليثيوم-كبريت صالحة للسيارات الكهربائية طويلة، لكن البنية الكيميائية الحالية المعتمدة على نطاق واسع في البطاريات، وهي الليثيوم-أيون، شهدت درجات كبيرة من التحسّن من حيث التكلفة والعمر والكثافة الطاقية خلال سنوات عمل الشركات على تطويرها، كما تقول ميكولايتشاك.

وتقول أيضاً إن المتخصصين جربوا عدداً هائلاً من خيارات البنية الكيميائية للبطاريات. وتضيف قائلة: "يتطلب تحويل أحد هذه الخيارات إلى حقيقة واقعة بذل الكثير من الجهد".

المحتوى محمي