تعرف على العالم الفلسطيني الأميركي منذر الدحلة وإسهاماته في مجال المدن الذكية والتنمية المستدامة المستقبلية

5 دقائق
مصدر الصورة: MIT News

الحياة والدراسة والعمل

ولد منذر الدحلة في مدينة طولكرم الفلسطينية سنة 1962، وانتقل لاحقاً للعيش في مدينة عمان الأردنية حتى بلوغه سن السابعة عشرة من عمره، إذ هاجر مع عائلته آنذاك إلى الولايات المتحدة الأميركية ليُتابع تعليمه فيها، حيث درس الهندسة الكهربائية في جامعة إي أند إم تكساس وحصل منها على درجة الإجازة سنة 1983، ثم تابع دراساته العليا ليحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة رايس سنة 1987. 

بدأ البروفيسور دحلة مسيرته الأكاديمية عبر انضمامه لجامعة إم آي تي سنة 1987 كأستاذٍ مُساعد، وتم ترقيته لمرتبة أستاذ سنة 1998، وعمل بشكلٍ مؤقت كأستاذٍ زائر ضمن معهد كاليفورنيا للتقنية. يقود البروفيسور دحلة مجموعته البحثية الخاصة في جامعة إم آي تي، التي تركز على أبحاثٍ في مجال طرق وآليات اتخاذ القرار ضمن الظروف غير المُحددة. يشغل البروفيسور دحلة منصب مدير مختبر المعلومات وأنظمة اتخاذ القرار، فضلًا عن إدارته لمعهد البيانات والأنظمة والمُجتمع في جامعة إم آي تي منذ أن تم تأسيسه سنة 2015. 

يعيش البروفيسور دحلة مع زوجته وأطفاله الثلاثة في مدينة كامبريدج، بولاية ماساتشوستس الأميركية. 

الإنجازات البحثية والأكاديمية

يمتلك البروفيسور دحلة شهرةً عالمية بفضل أبحاثه في مجال نظرية التحكم والطرق الحاسوبية في مجال تصميم المُتحكمات، والتداخل بين التحكم والمعلومات، والحدود الأساسية للتعلم واتخاذ القرار في الأنظمة الشبكية وتحديد وتخفيف الخطر على مستوى النظام في مجال الأنظمة الشبكية والمتداخلة. ويمكن تقسيم مجالات الاهتمام البحثيّ للبروفيسور دحلة كما يلي: 

  • الأنظمة الشبكية: نظرية تأسيسية للتفاعل بين الأنظمة الفيزيائية وشبكات المعلومات، بالإضافة للعمل في مجال انتشار المعلومات والتعرّف على بنية الشبكة من خلال المعطيات. 
  • الشبكات الاجتماعية: تتابع المعلومات في الأنظمة العشوائية وديناميكيات الرأي. 
  • الخطر على مستوى النظام: تطوير نظريةٍ تأسيسية تساهم بالكشف المُبكر والتحكم بالأخطار على مستوى النظام والناتجة عن الاضطرابات المتميّزة والمؤثرة على مكونات نظامٍ شبكيّ. 
  • أنظمة النقل: نماذج ديناميكية للازدحام بحالة وجود معطلات ودراسة الأخطاء المتتابعة وقيمة المعلومات الجانبية على الأداء.

بعيداً عن التوصيفات العلمية التي قد تبدو مُبهمةً وبلا دلالةٍ مَلموسة بالنسبة لغير المُختصين، فإنه يُمكن وصف مجال أبحاث البروفيسور دحلة على أنه طريقةٌ لفهم التفاعل بين سلوك البشر والأنظمة والمُؤثرات المختلفة المحيطة بهم. الهدف هنا هو التوّصل لإطارٍ رياضيّ يُستخدم بدقة من أجل توصيف هذا التفاعل. يعتمد البروفيسور دحلة على المعطيات التي نقوم بتوليدها في كل يومٍ من حياتنا، وهنالك مصادر كثيرة ومتنوعة للمعطيات: هنالك المعطيات الناتجة عن استخدامنا لوسائل ومنصات التواصل الاجتماعيّ، وهنالك المعطيات الناتجة عن استخدامنا للأجهزة القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية، وهنالك حتى المعطيات الناتجة عن تفاعلنا مع نظامٍ كبيرٍ ومعقد مثل شبكة توزيع الطاقة الكهربائية.

تكشف هذه المعطيات عن معلوماتٍ هامة ترتبط بسلوك البشر وكيفية اتخاذ القرارات المختلفة وتأثير هذه القرارات على النظم المحيطة بنا، وهكذا -عبر تحليل هذه المعطيات- يستطيع البروفيسور دحلة فهم العديد من الأمور، مثل طريقة تدفق وتكوّن الأفكار للمجموعات وتحديد الحوافر الفعالة وقياس ديناميكية الشبكات وحركيتها. بهذه الصورة، يمكن فهم عمل البروفيسور دحلة ضمن معهد البيانات والأنظمة والمجتمع في جامعة إم آي تي على أنه تقاطعٌ بين العلوم الهندسية والعلوم الاجتماعية، يتم عبره صهر خبراتٍ مُختلفة من مجالات نظرية الأنظمة والاقتصاد والعلوم السياسية والخوارزميات الحاسوبية ونظرية الألعاب.

ويُعتبر توفير متطلبات الطاقة أحد الهواجس الكبيرة عند الحديث عن التحديات الكبيرة التي تواجه البشرية، خصوصاً مع التزايد المستمر لتعداد السكان والمشاكل المرتبطة بالمناخ وضرورة الانتقال لمصادر الطاقة النظيفة، وعند ظهور تقنيات توليد طاقة جديدة يمكن دمجها بشبكة توزيع الطاقة فإن أول ما قد يتبادر لأذهان الباحثين والتقنيين هو نواحي تقنية بحتة مثل كلفة التنصيب والتشغيل والتوافق بين التقنيات الجديدة والتقنيات القديمة المُستخدمة في شبكات التوزيع، إلا أن هذا الأمر ليس هو الجانب الوحيد للقصة، فقد بين البروفيسور دحلة في بحثٍ منشور سنة 2012 أن هنالك جوانب أخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عندما نريد تبنّي تقنياتٍ جديدة في محطات توليد الطاقة وشبكات توزيعها: يجب أخذ العلاقة بين قدرة المحطات على التوليد من جهة وبين استهلاك المستخدمين من جهةٍ أخرى، وذلك في الزمن الحقيقيّ، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بكلفة الاستهلاك على المُستخدمين، حيث قد يؤدي عدم فهم سلوك المستخدم في الزمن الحقيقيّ إلى انهيار شبكة توزيع الطاقة المعتمدة على تقنياتٍ من مجال الطاقة المُتجددة. 

توّصل البروفيسور دحلة إلى هذه النتائج بعد تطوير إطارٍ يعمل على نمذجة وتحليل ديناميكية التزويد والطلب وآليات التسعير ضمن شبكة طاقة كهربائية. بشيءٍ من التفصيل: استعرض البروفيسور دحلة وفريقه كيف يمكن فهم هذه المعضلة من وجهة نظر نظرية التحكم في المجال الهندسيّ، حيث إن رَبْط المُستخدمين -الذي يمتلكون حساسيةً عالية تجاه الكلفة- مع شبكة توزيع طاقة كهربائية -تم فيها تبني تقنيات الطاقة المتجددة- قد يؤدي إلى تغيراتٍ جذرية في هيكلية النظام ككل، وذلك بسبب السلوك غير القابل للتنبؤ لمثل هذا النمط من المستخدمين. بهذه الصورة سيتحول شكل نظام التوزيع من بنية تحكمية ذات حلقة مفتوحة -يُعتبر فيه الطلب دخلاً خارجياً-  إلى بنيةٍ تحكمية ذات حلقة مُغلقة باستجابةٍ ديناميكية مُتغيرة، وفي حال غياب آلية تحكم فعالة لمثل هذا النظام، فإن التغير الهيكليّ لبنية النظام سيؤدي إلى تزايد هشاشته وانخفاض متانته ضد الاضطرابات المُختلفة، فضلاً عن نشوء نقاط ضعف جديدة ترفع من خطر حصول انهيارٍ كامل.

وقد استخدم البروفيسور دحلة مفهوم نمذجة العلاقة بين المستخدمين وشبكات الطاقة بناءً على نظرية التحكم لفهم انعكاسات مفهوم المدن الذكية على أداء نظام توزيع الطاقة. والمدن الذكية هي إحدى التوجهات الهامة في مجال التنمية المستدامة، والهادفة لإنشاء بنيةٍ تحتية قائمة على شبكةٍ من الأجهزة المتصلة بالإنترنت تتيح تبادل المعلومات فيما بينها بكفاءةٍ عالية؛ من أجل تكوين بيئة حياتية عالية الكفاءة تسمح للقاطنين ضمنها بالحصول على العديد من المعلومات الهامة في الوقت الحقيقي، مثل المعلومات المتعلقة بطرق التنقل وأماكن وجود محطات الشحن لوسائل النقل العاملة على الكهرباء. سيكون بإمكان الأفراد استخدام مثل هذه الوسائل اعتماداً على توافر المعلومات المتعلقة بها، ومن ضمن هذه المعلومات الكُلفة، وهذا يقود مرة أخرى للعلاقة بين المستخدمين وأنظمة الطاقة من منظور العرض والطلب. 

في الحالة التقليدية، يُمكن وصف هذه العلاقة على أنها مغلقة، أي أن استهلاك الطاقة غير مرتبط مباشرة بالسعر؛ حيث تقوم الشركات المزودة للطاقة بتحديد سعرٍ ثابت للاستهلاك، وهكذا تكون كلفة الطاقة على المُستخدم متناسبةً مع حجم استهلاكه. ولكن ماذا لو أتيح للمستخدم الحصول على معلوماتٍ في الوقت الحقيقي حول كلفة الطاقة وتغيرها بحسب الاستهلاك؟ هذا ما بحث به البروفيسور دحلة، الذي أشار إلى أنه في نموذج المدن الذكية الذي لا يتضمن سعراً ثابتاً لكلفة استهلاك الطاقة، سيتأرجح معدل الطلب على الطاقة بشكلٍ كبير وهو ما سينعكس بدوره على محطات التوليد التي لن تكون قادرة على تأمين متطلبات الطاقة في نظام يتصف باستهلاكٍ مُتقلب. استخدم البروفيسور دحلة نظرية التحكم لنمذجة هذه العلاقة وفهم تأرجحات الطاقة بين كمية الاستهلاك (الطلب) والتوليد، وذلك في حالة المدن الذكية. والهدف هو تطوير سياسات أكثر كفاءة تفضي لتكوين شبكة توزيع طاقة كهربائية ذكية يمكن استخدامها على نحوٍ فعال في نموذج المدن الذكية.

يمتلك البروفيسور دحلة أبحاثاً مُماثلة تعتمد على نمذجة سلوك الأفراد وما يرتبط به من نواحي اقتصادية اعتماداً على نظرية التحكم، ومن الأمثلة الشهيرة هي تطوير مفهوم البطارية الافتراضية التي تتيح تسخير الأجهزة الذكية المتواجدة في المنازل لتعمل كمصادر للطاقة، وهذا بدوره يُفضي لكلفةٍ أقل والحصول على مصدر طاقة صديق للبيئة. كما ساهم البروفيسور دحلة أيضاً في تطوير نموذجٍ يُساعد المزارعين في أفريقيا -الذين يعانون من قلة الدعم الماليّ- على تطوير آليات لزيادة إنتاجية ومردود مزارعهم، عبر منصة مشاركة بيانات مع المزارعين الآخرين في دولٍ أخرى، الذين يمتلكون تقنياتٍ أفضل ووسائل إنتاج متقدمة. وتعتمد منصة مشاركة البيانات على تطوير آليات تحفيزية لكافة الأطراف المعنية: المزارعين الممتلكين للتقنيات المتقدمة، والمصارف التي ستوفّر رأس المال اللازم للاستثمار في المزارع الأقل تطوراً، وأخيراً المزارع في أفريقيا التي ستكون قادرة على تحسين إنتاجيتها ومردودها.

جوائز وتكريمات

حصل البروفيسور دحلة على العديد من الجوائز والتكريمات الشرفية تقديراً لجهوده في تطوير طرقٍ ونماذج مستوحاة من العلوم الهندسية لتستخدم في تطبيقاتٍ اجتماعية واقتصادية، ومن أبرز هذه الجوائز: 

  • زمالة المعهد العالميّ للتحكم الآلي بسبب تطويره لتطبيقاتٍ مبتكرة معتمدة على طرقٍ متقدمة في نظرية التحكم ومعالجة الإشارة، والتي تم استثمارها تجارياً على مستوى العالم، 2016
  • جائزة جورج س. أكسلبي للورقة البحثية المتميزة، التي تم تقديمها من قِبل جمعية أنظمة التحكم التابعة لمنظمة IEEE، 2015
  • جائزة هوجو تشاك النظرية والمقدمة من المجلس الأميركي للتحكم الآليّ تقديراً لإسهاماته العلمية والتقنية والتدريسية في مجال التحكم الآلي، 2008
  • جائزة دونالد ب. إيكمان لأفضل مهندس تحكم تحت سن 35 والمقدمة من المجلس الأميركي للتحكم الآلي، 1993

المحتوى محمي