كيف يمكن للفضلات البشرية أن تساعد على توفير الغذاء للكوكب؟

5 دقيقة
تعمل منشأة فاركور في ضواحي سياتل على تحويل المخلفات البشرية إلى أسمدة وغير ذلك. مصدر الصورة: برين نيلسون

تعتمد منشأة صناعية جديدة في ضواحي مدينة سياتل على تكنولوجيا ذات طابع مستقبلي في عملها. فهي تستطيع إجراء معالجة آمنة لمخلفات البشر والمواشي (الفضلات)، وفي الوقت نفسه، تستطيع إعادة تدوير المواد المغذية التي تشكل أهمية بالغة للزراعة، لكنها تشهد نقصاً متزايداً في شتى أنحاء الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة.

تبلغ مساحة محطة المعالجة نحو 9.3 دونمات، وتفوح منها رائحة خفيفة لمادة الأمونيا، وتتضمن أسطوانات ضخمة دوارة لتحويل المخلفات اللزجة والمغلية، المؤلفة من مياه الصرف الصحي والكتل الحيوية المستمدة من المحطات المحلية لمعالجة الصرف الصحي، إلى ما يطلق عليه المهندسون اسم "رقائق البراز" (poop crepes). بعد ذلك، تعمل كاشطات عملاقة على وضع المادة الحيوية المشوية على حزام ناقل مركب ونظام تجفيف للحصول على كومة متزايدة من السماد المعقم.

تعتمد طريقة معالجة المخلفات على البخار المضغوط الذي جرى توليده في مرحلة سابقة، ما يخفف المقدار المطلوب من الكهرباء بنسبة 95%. وإضافة إلى السماد الجاف، تنتج هذه العملية الماء والأمونيا النقيين تقريباً.

 اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي سيفاقم مشكلة النفايات الإلكترونية فكيف يمكن حلها؟

الحصول على المغذيات من الصرف الصحي 

يحمل النظام اسم "فاركور" (Varcor)، وقد صممته شركة سيدرون تكنولوجيز (Sedron Technologies) الهندسية في سياتل، وهو ملك لشركة جينيريت أبسايكل (Generate Upcycle) في سان فرانسيسكو. تستخدم محطات معالجة الصرف الصحي في أنحاء البلاد كافة الحرارة العالية وطرق التسميد والأجهزة الشبيهة بقدور الضغط من أجل تحويل المخلفات من الكتل الحيوية إلى أسمدة غنية ومواد عضوية لتغطية التربة وغيرها من المواد المضافة إلى التربة، بأسماء تجارية مثل "بلوم" (Bloom) وتاغرو (TAGRO) [اختصاراً لكلمتي "تاكوما غرو" (Tacoma Grow)].

يعالج بعض هذه المحطات مياه الصرف الصحي في مرحلة مستقلة لاستخلاص الفوسفور، وهو مادة غذائية أساسية للنباتات وعنصر شائع في النظام الغذائي البشري، حيث يوضع بعد ذلك على طبقات لتشكيل حبيبات مستديرة، في تقنية تشبه عملية بناء اللآلئ إلى حد ما. هذه التكنولوجيا، التي طورتها شركة أوستارا (Ostara) التي يقع مقرها في مدينة سانت لويس، تتيح صنع سماد ينتشر ببطء في التربة، ويمكن بيعه مرة أخرى إلى المزارعين.

يقول الرئيس التنفيذي لشركة إبيك كلينتك (Epic Cleantec)، التي تحول مياه الصرف الصحي إلى مياه نظيفة ومواد مضافة طبيعية للتربة: "نحن نحب مواجهة عامل النفور بصورة مباشرة".

حتى المراحيض المحمولة يمكن أن تصبح وسائل لاسترجاع المواد المغذية، من خلال طرق التقاط النيتروجين التي طورتها مجموعات "إعادة تدوير البول" مثل معهد ريتش إيرث (Rich Earth Institute) وويستد (Wasted) في ولاية فيرمونت، وسانيتيشن 360 أيه بي (Sanitation360 AB) في السويد. بما أن أنظمتنا الغذائية الغنية بالبروتين تحتوي على كميات كبيرة من النيتروجين، فمن الممكن الحصول على هذا العنصر مباشرة من خلال إعادة تدوير البول والبراز.

الحصول على الأسمدة من الفضلات: فكرة قديمة يُعاد لها الاعتبار

ثمة تاريخ طويل وحافل لفكرة صنع الأسمدة من المواد المغذية الموجودة في الفضلات التي تطرحها أجسامنا وأجسام الحيوانات، فقد ساعدت هذه الأسمدة الثقافات المحلية في أنحاء العالم كافة وعلى مر أجيال عديدة في الحصول على تربة خصبة للغاية.

 اقرأ أيضاً: تكنولوجيا جديدة لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية وتحويلها إلى وقود

فقدت هذه الأنظمة شعبيتها في الثقافة الغربية، لكن الباحثين والمهندسين انضموا إلى المدافعين عن فكرة تغيير منظورنا حول هذه المخلفات، مثل البراز والبول ومكوناتهما، بوصفها موارد طبيعية لا تقدر بثمن لاستخدامها من جديد بدلاً من هدر هذه المنتجات من خلال حرقها أو طمرها. حالياً، تظهر عدة شركات كيفية توسيع نطاق عملية التحويل بأمان من خلال تكنولوجيات ذات فاعلية عالية من حيث استهلاك الطاقة. يقول المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة إبيك كلينتك التي تستخدم تفاعلاً كيميائياً مع الحرارة لتحويل مياه الصرف الصحي إلى مياه نظيفة ومواد مضافة طبيعية للتربة، آرون تارتاكوفسكي: "نحن نحب مواجهة عامل النفور بصورة مباشرة".

عينة صغيرة من أكوام حمولات الشاحنات من المخلفات التي يجري تحويلها إلى سماد جاف.
مصدر الصورة: برين نيلسون

في الواقع، تصف دراسة حديثة منشورة في "مجلة الإدارة البيئية" (Journal of Environmental Management)، محطات معالجة مياه الصرف الصحي بأنها "مناجم للنيتروجين الحيوي المتجدد"، وهي قادرة على توفير هذا المكون الأساسي والمكلف من مخلفات الصرف الصحي الصلبة المعاد تدويرها، في وقت يجد فيه المزارعون صعوبة بالغة في الحصول عليه. وقد استنتج مؤلفو الدراسة أن مخلفات الصرف الصحي يمكن أن "تصبح من المواد الأولية المهمة للإنتاج المستدام للأسمدة العضوية المعدنية من الموارد المتجددة المتوفرة محلياً، وببصمة كربونية منخفضة".

أيضاً، يمكن أن يساعد استخلاص النيتروجين والفوسفور للاستخدام مرة أخرى على إزالة هذه المواد الملوثة مما تنضح به النباتات، وتقليل كميات المواد العضوية التي سينتهي بها المطاف إلى مكبات النفايات وبحيرات السماد، التي نستخدمها في تخزين كميات هائلة من مخلفات المواشي المركزة وإدارتها.

وبعبارة أخرى، فإن إعادة إدراج أنفسنا في نظام إعادة التدوير الذي تديره الطبيعة يمكن أن يساعدنا على تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة للكوكب دون تلويث البيئة بصورة مفرطة.

 اقرأ أيضاً: هل يمكن صناعة الأغذية من الهواء؟

كيف تتم عملية الحصول على الأسمدة من الفضلات؟

 يعمل نظام فاركور على تسخين المخلفات الواردة وفصلها إلى مواد صلبة وبخار. وتتيح عملية تحمل اسم "إعادة الضغط الميكانيكي للبخار" (mechanical vapor recompression) إعادة استخدام البخار المضغوط بوصفه مصدراً للحرارة، على حين يجري فصل أبخرة الماء والأمونيا وتقطيرها. يحمل الحزام الناقل أو المجفف المواد الصلبة المتبقية إلى الأسطوانات العملاقة التي تصنع الرقائق، وبعد ذلك يفرغها في شاحنة تنتظر في الخارج.

 حالياً، تبيع محطة المعالجة إلى المزارع كمية تعادل حمولة 3-4 شاحنات من هذا السماد الجاف أسبوعياً. ويقول رئيس قسم الإيرادات في سيدرون تكنولوجيز، ستانلي جانيكي، إن عدة شركات أبدت أيضاً اهتمامها باستخدام منتج الأمونيا لصنع السماد بدلاً من اشتقاقه من الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة.

 تقول المؤسسة والرئيسة التنفيذية لوكالة الاستشارات المختصة بالصرف الصحي والنظافة الشخصية فلاش (FLUSH) -اختصاراً لعبارة: "التعلم الميسر للصرف الصحي الشامل والنظافة الشخصية العامة" (facilitated learning for universal sanitation and hygiene)- كيمبرلي وورشام متحدثة عن فاركور: 'قد يكون من الرائع أن نتمكن من إنجاح تكنولوجيا كهذه إذا كانت ستساعدنا على استكمال الدورات البيئية المتعلقة بالأسمدة والوصول إلى المياه النظيفة. وأرغب في رؤية تكنولوجيات جديدة تستطيع إحداث ثورة في أسلوبنا المتعلق باستخدام الموارد وإعادة استخدامها ثانية". لكن وورشام تخشى أنه قد يتبين لنا أن إدارة تكنولوجيا معقدة كهذه قد تكون غير مستدامة إذا لم تجتذب ما يكفي من العمال الذين يمتلكون المهارات اللازمة.

مشكلات تنظيمية تعيق العملية

وقد يشكل الحصول على التصاريح والتراخيص التنظيمية تحديات أيضاً. يقول تارتاكوفسكي: "عندما أتمعن في الأسباب التي منعت تنفيذ هذا العمل من قبل، أجد أن الأمر لا يتعلق كثيراً بالتكنولوجيا، بل يتعلق بالإطار التنظيمي".

يقول أنصار هذه التكنولوجيا إن الكثير من اللوائح الناظمة الحالية لم يأخذ بعين الاعتبار، ببساطة، إمكانية استخدام مياه الصرف الصحي لتوليد منتجات مفيدة بدلاً من الملوثات. على سبيل المثال، فإن المياه التي تطرحها محطة فاركور نظيفة بما يكفي لاستخدامها ثانية، غير أن المسؤولين المحليين يتعاملون مع الموضوع بحذر. ففي إطار الامتثال للوائح الناظمة المتعلقة بتصريف النفايات، تحول المحطة المواد التي تطرحها إلى محطة قريبة لمعالجة مياه الصرف الصحي بدلاً من الأراضي الرطبة المجاورة.

على الرغم من التحديات، فإن التكنولوجيا التي يعتمد عليها هذا العمل تواصل انتشارها. فقد بادرت مزرعتان للألبان والأجبان في منطقة الغرب الأوسط من الولايات المتحدة إلى تبني هذا النظام، كما تعمل مزرعة ثالثة على هذا الأمر.

يقول جانيكي إن أضخم هذه الأنظمة التي جرى تركيبها، وهو في ولاية إنديانا، يبلغ حجمه 5 أضعاف حجم نظام تحويل الصرف الصحي في منطقة سياتل، مع القدرة على تحويل نحو مليون متر مكعب من روث البقر كل عام إلى مياه صالحة للاستخدام ثانية وسماد عضوي وأمونيا.

إن تحويل النفايات إلى منتجات طبيعية باستخدام وسائل عالية الفعالية من حيث الطاقة قد يؤدي إلى القضاء على انبعاثات غازات الدفيئة الصادرة عن الروث المخزن وإنتاج الأسمدة التقليدية مع تعويض الطاقة اللازمة لتشغيل المزرعة.

لكن استراتيجيات تحويل المخلفات إلى أسمدة، حتى بعد توسيع نطاقها، لن تكفي بمفردها للمساعدة على توفير الغذاء لسكان العالم الذين يزدادون عدداً باستمرار. لكن إذا لم ننظر إلى الناس بوصفهم مستهلكين وحسب، بل منتجين أيضاً، فقد يتمكنون من مساعدتنا على الاستفادة، على نحو أفضل بكثير، من بعض الأصول الطبيعية التي لم تحظَ بما تستحقه من اهتمام، والتي لن تنضب في أي وقت قريب.

المحتوى محمي