تقاس قدرة الحاسوب بالمدة التي يستغرقها لإكمال مهمة حوسبة معينة، وتتوفر حالياً حواسيب عادية (تعرف أيضاً باسم الحواسيب الشخصية أو الحواسيب الكلاسيكية)، التي يمكن استخدامها لتصفح الويب وقراءة رسائل البريد الإلكتروني وغيرها من المهام، وهي تؤدي عملها بشكلٍ رائع. لكنها ليست مخصصة لإجراء عمليات حسابية معقدة وكبيرة.
للحصول على قدرات حوسبة أقوى، تقوم شركات التكنولوجيا الكبرى ببناء حواسيب عملاقة (تُعرف أيضاً باسم الحواسيب الفائقة)، وهي قادرة على إجراء عدد هائل من العمليات الحسابية والمعالجة في وقت قصير.
الحواسيب العملاقة هي أقوى من الحواسيب العادية بملايين المرات. لكن على الرغم من ذلك، يبدو أن قدراتها محدودة في حل بعض المسائل المعقدة للغاية. لهذا السبب، هناك توجه نحو بناء أنواع جديدة من الحواسيب تعتمد على مبادئ فيزياء الكم، تُعرف هذه الحواسيب باسم الحواسيب الكمومية (Quantum Computers).
تصرف العديد من الشركات والدول حول العالم مئات الملايين من الدولارات من أجل بناء حواسيب كمومية قابلة للاستخدام، ومن المتوقع أن تصبح هذه الحواسيب متاحة للاستخدام خلال الأعوام القليلة القادمة.
اقرأ أيضاً:
الفرق بين الحواسيب العادية والحواسيب الكمومية
تختلف الحواسيب العادية عن الحواسيب الكمومية تماماً، وإليك أهم الاختلافات بينها:
1. آلية العمل
الفرق الرئيسي بين النوعين هو في آلية العمل. تستخدم الحواسيب الكمومية الكيوبت (Qubit) كوحدة معلومات كمية، بينما تستخدم الحواسيب العادية البت (Bit) الذي يعتمد على الترانزستورات.
تمثل الترانزستورات في الحوسبة العادية مفاتيح رقمية تأخذ إما الرقم 0 أو 1 حسب وضع الترانزستور، وإما لأعلى أو لأسفل، لذا تعرف الحوسبة العادية باسم الحوسبة الثنائية.
في حين تمثل الكيوبت في الحوسبة الكمومية الرقمين 0 و1 في نفس الوقت. هذا يجعلها توفر قدرة حوسبة أكبر بكثير من تلك التي توفرها الترانزستورات.
بالإضافة إلى ذلك، تستفيد الحواسيب الكمومية من بعض ظواهر فيزياء الكم مثل التراكب الكمومي (Quantum superposition)، وهو مبدأ أساسي ومعقد ينص على أن أي حالتين كموميتين أو أكثر يمكن أن تندمجا (تتراكبا) معاً، وستكون النتيجة حالة كمومية جديدة.
اقرأ أيضاً: تويست Twist: لغة برمجة جديدة للحوسبة الكمومية
2. الشكل
حين كشفت شركة آي بي أم (IBM) الأميركية عن أي بي إم كوانتوم سيستيم ون (IBM Quantum System One)، وهو أول حاسوب كمومي تجاري، فوجئ الكثير من الناس بالشكل الذي يبدو عليه، لم تكن هناك شاشات ولوحة مفاتيح أو معالجات، وهي المكونات الأساسية التي نتوقعها في أي حاسوب؛ بل كان عبارة عن آلة غريبة الشكل تشبه الجرس مع الكثير من الأسلاك النحاسية، وتم وضع هذا الحاسوب في صندوق زجاجي واقٍ، ولم يكن من الممكن العمل عليه أو التحكم فيه إلا من قبل خبراء وباحثين يستخدمون حواسيب عادية عن بعد.
3. شروط التشغيل
الحواسيب الكمومية معقدة للغاية، ويمكن أن تتأثر بأي عامل خارجي، لهذا السبب، يتم عزل هذه الحواسيب في بيئات خاصة، تتميز هذه البيئات بدرجة حرارة منخفضة تصل إلى 273 درجة مئوية تحت الصفر، في ظل انعدام الضغط الجوي تقريباً وانعدام تأثير الحقل المغناطيسي لكوكب الأرض.
يمكن أن تعمل الحواسيب العادية في درجة حرارة الغرفة، ويمكن أن تستخدم دون الحاجة إلى توفير وسط أو بيئة خاصة بها.
4. التكلفة
كما قلنا أعلاه، تتأثر الحواسيب الكمومية بأي تغير خارجي حتى لو كان بسيطاً، سواء كان ضوءاً أو ضغطاً أو موجات كهرومغناطيسية أو تغيرات بسيطة في درجة الحرارة. لذلك، لا يمكن أن تعمل إلا في بيئة خاصة يكون توفيرها مكلفاً للغاية.
في حين أن الحواسيب العادية يمكن أن تعمل في شروط عادية، ما يجعلها قليلة التكلفة جداً وفي متناول الجميع، بما في ذلك المستخدمون الأفراد.
5. التوافر
حتى الآن، لم يتمكن الباحثون من بناء حواسيب كمومية قابلة للعمل لمدة كافية تجعلها مفيدة عملياً، وحتى لو نجحوا في ذلك، نظراً لأنها تحتاج إلى شروط خاصة لتشغيلها وعملها، ستكون متاحة فقط للشركات والحكومات التي تستطيع توفير هذه الشروط. وربما يتم توفيرها للمستخدمين الأفراد على شكل خدمة سحابية لكن بتكاليف باهظة.
على الجانب الآخر، أصبحت الحواسيب العادية متوفرة للأفراد منذ عقود وهي منخفضة وخفيفة الوزن ويمكن حملها بسهولة ونقلها من مكان لآخر.
اقرأ أيضاً: باحثون يجرون أول عملية حسابية دون أخطاء باستخدام حاسوب كمومي
6. الأخطاء
لأن الحواسيب الكمومية تتأثر بالعوامل الخارجية، سيكون عملها غير مستقر وسيؤدي ذلك إلى كتير من الأخطاء، ما يتطلب إيجاد آلية لتصحيح هذه الأخطاء، وهذا الآلية غير متوفرة حتى الآن.
الحواسيب العادية مستقرة للغاية وتعمل بشكلٍ صحيح، ما يمكننا من الحصول على نتائج صحيحة، وتتوفر العديد من الآليات التي تستخدم لتصحيح الأخطاء وتجنبها.
7. تخزين البيانات
سيكون الحاسوب الكمومي مخصصاً فقط لإجراء عمليات حسابية معقدة تتطلب قدرات حوسبة فائقة، ولن يكون متاحاً لتخزين البيانات، وذلك لأن أي تغيير في الشروط البيئية سيؤدي إلى تلف هذه البيانات وفقدانها.
يمكن أن تستخدم الحواسيب العادية لتخزين البيانات لفترة طويلة بفضل أقراص التخزين المدمجة فيها، والتي يمكن استبدالها لزيادة سعة التخزين.
اقرأ أيضاً: شركة آي بي إم تكشف عن خارطة طريق جديدة للتفوق في مجال الحوسبة الكمومية
8. مدة العمل
بسبب الشروط التي يحتاجها الحاسوب الكمومي ليعمل، لن يكون من الممكن تشغيله لفترة طويلة، ربما لن تتجاوز فترة تشغيله سوى عدة ثوانٍ، لكن ذلك سيكون كافياً لإجراء عمليات حسابية تحتاج الحواسيب العادية لآلاف السنين حتى تجريها.
9. القدرات
تتمتع الحواسيب الكمومية بقدرات حوسبة فائقة جداً وتتجاوز بملايين المرات الحواسيب العادية، وستكون قادرة على معالجة كميات هائلة جداً من البيانات. تعتمد قدرة الحواسيب العادية على عدد الترانزستورات، وكلما زاد عدد الترانزستورات في الحاسوب، زادت قدرة الحوسبة. لكن هناك حدوداً لعدد الترانزستورات التي نستطيع حشرها في الحاسوب، لذلك، ستكون قدرات الحوسبة محدودة.
أيضاً، تتم عملية معالجة البيانات في الحواسيب العادية بشكل متسلسل، لهذا السبب لا يمكنها معالجة كمية كبيرة من البيانات.
اقرأ أيضاً: هل تستطيع الحواسيب الكمومية تعدين 3 ملايين بيتكوين خلال ثانيتين؟
10. مجالات الاستخدام
يعتقد الكثير من الناس أنه بمجرد تطوير حواسيب كمومية، ستكون متاحة لأي شخص، هذه معلومة خاطئة، فالحواسيب الكمومية لن تكون متاحة للاستخدام الشخصي من أجل اللعب أو مشاهدة مقاطع الفيديو وما إلى ذلك؛ بل ستكون متاحة للشركات والحكومات والباحثين لإجراء عمليات حوسبة معقدة.
بفضل قدرات الحوسبة الهائلة، ستفتح الحواسيب الكمومية آفاقاً جديدة للعلماء والباحثين، ومن المتوقع أن تساهم في تحقيق اختراقات بعدة مجالات مثل صناعة الأدوية وأبحاث الطب والكيمياء والفيزياء والبيولوجيا وغيرها من العلوم التي يحتاج فيها العلماء لتحليل كميات كبيرة من البيانات.
اقرأ أيضاً: الحواسيب العملاقة والكمومية تساعد العلماء على اكتشاف أدوية جديدة
أما الحواسيب العادية فيمكن استخدامها في أي شيء تقريباً، نحن نستخدمها شخصياً لتصفح الويب أو لعب الألعاب، كما تستخدم من قبل الشركات والمؤسسات في إجراء الحسابات وتحليل البيانات وما إلى ذلك.
الفرق بين الحواسيب العملاقة والحواسيب الكمومية
الحاسوب العملاق أو الحاسوب الفائق (Supercomputer) هو مصطلح ظهر لأول مرة عام 1964، حين قام مهندس الكهرباء الأميركي سيمور كراي بتوصيل مجموعة من الحواسيب العادية لإنشاء أول حاسوب عملاق عُرف باسم سي دي سي 6600 (CDC 6600).
حالياً، توجد المئات من الحواسيب العملاقة التي يتم تشغيلها وإدارتها من قبل الشركات والجامعات والدول. تعمل الحواسيب العملاقة بنفس الطريقة التي تعمل فيها الحواسيب العادية، أي تعتمد على الترانزستورات، الفرق الوحيد بين الحواسيب العملاقة والحواسيب العادية أنها تكون كبيرة الحجم، وبالتالي توفر قدرات حوسبة أكبر.
اقرأ أيضاً: هل يمكن بناء حواسيب كمومية أكبر عن طريق تركيبها مثل الليجو؟
يمكن القول إن الحاسوب العملاق أو الفائق هو عبارة عن حاسوب عادي ضخم، وهو يختلف عن الحواسيب الكمومية بنفس الاختلافات بين الحاسوب العادي والحاسوب الكمومي.
بمجرد بناء حواسيب كمومية قابلة للاستخدام، ربما سيتمكن الباحثون من بناء حواسيب كمومية عملاقة عن طريق تركيب ووصل عدد من الحواسيب الكمومية لتعمل بالتزامن مع بعضها.