هل تقود العملات المشفرة ثورة الدفع الإلكتروني؟ بين الحلم والواقع

3 دقيقة
العملات المشفرة
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: عبدالله بليد.

في عام 2008، أطلق شخص أو مجموعة أشخاص مجهولين باسم ساتوشي ناكاموتو فكرة لإنشاء نظام دفع إلكتروني دون وسطاء، تحولت الفكرة لاحقاً إلى سوق رقمي كبير قيمته عدة تريليونات من الدولارات:

  • على الرغم من أن اسمها عملات، فإنها تستخدم غالباً للتداول والاستثمار، وذلك بفضل ارتفاعاتها …

في عام 2008، وبينما كانت الأنظمة المالية التقليدية تتخبط في أزمة عالمية، ظهرت على الإنترنت ورقة بحثية موقعة باسم مجهول هو "ساتوشي ناكاموتو". لا أحد يعرف إن كان شخصاً واحداً أو مجموعة، لكن الفكرة التي طرحها كانت تبدو للوهلة الأولى ضرباً من الجنون: إنشاء نظام دفع إلكتروني يعمل دون الحاجة إلى بنوك أو وسطاء، ويعتمد على شبكة لامركزية من المستخدمين لتوثيق المعاملات.

هذه الفكرة، التي بدت حينها حلماً بعيد المنال، تحولت خلال سنوات قليلة إلى واقع اقتصادي جديد. البيتكوين، أول عملة مشفرة، لم تكن مجرد تجربة تقنية، بل كانت الشرارة التي أطلقت سوقاً عالمياً بلغت قيمته في يوم كتابة هذا المقال 3.79 تريليون دولار أميركي، يضم آلاف العملات المشفرة ومنصات التداول.

لكن وسط هذا الزخم، يبرز سؤال جوهري: هل نجحت العملات المشفرة حقاً في أن تكون بديلاً حقيقياً للعملات التقليدية؟ وهل يمكن أن تغير طرق الدفع الإلكتروني في المستقبل؟ يحاول هذا المقال الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال استعراض استخدامات العملات المشفرة والتحديات التي تواجهها، خاصة في مجال الدفع.

اقرأ أيضاً: ما هي الحلول الثورية التي قدمها ساتوشي ناكاموتو ليجعل البيتكوين عملة قابلة للتداول والاستمرار؟

العملات المشفرة: أصول رقمية أم وسيلة دفع؟

على الرغم من أن اسمها يوحي بوظيفة نقدية، فإن العملات المشفرة تستخدم في الواقع بشكل أساسي كأصول رقمية للاستثمار والمضاربة. فبدلاً من أن تكون وسيلة للدفع الإلكتروني، أصبحت البيتكوين والإيثيريوم وغيرها من العملات المشفرة أدوات مالية يسعى المستثمرون لامتلاكها بهدف تحقيق أرباح من تقلباتها السعرية.

عند إطلاق البيتكوين عام 2009، كان سعرها لا يتجاوز بضعة سنتات، لكنها شهدت ارتفاعات مذهلة، حيث تجاوزت قيمتها في يوم كتابة هذا المقال 113 ألف دولار أميركي، وارتفعت قيمة الإيثيريوم من أقل من دولار عام 2015 إلى أكثر 4 آلاف دولار أميركي. هذه القفزات السريعة والتقلبات السريعة في الأسعار جذبت أنظار المستثمرين والمضاربين، وحولت العملات المشفرة إلى سوق مالي عالمي مليء بالفرص والمخاطر.

أدى الاستخدام الاستثماري إلى طرح تحديات كبيرة أمام تبني العملات المشفرة في الدفع الإلكتروني. وأبرز هذه التحديات هو تقلب الأسعار، حيث يمكن أن تتغير قيمة العملة بشكل كبير خلال ساعات، ما يجعل من الصعب على البائعين والمشترين الاتفاق على سعر ثابت لها. بالإضافة إلى ذلك، الرسوم المرتفعة لبعض الشبكات مثل الإيثيريوم، وبطء تنفيذ المعاملات مقارنة بأنظمة الدفع التقليدية، كلها عوامل تحد من استخدامها في الشراء أو التحويل.

اقرأ أيضاً: كيف أحدثت تكنولوجيا البلوك تشين ثورة في حياتنا؟

العملات المستقرة: الجسر بين العملات المشفرة والتقليدية

في محاولة لحل مشكلة تقلب الأسعار التي تعانيها العملات المشفرة التقليدية، ظهرت العملات المستقرة كحل وسط يجمع بين مزايا العملات المشفرة واستقرار العملات التقليدية. العملات المستقرة مثل USDT وUSDC وPYUSD وDAI، هي عملات رقمية مصممة لتكون مرتبطة بالدولار الأميركي، ما يمنحها استقراراً نسبياً في السعر ويجعلها أكثر قابلية للاستخدام في الدفع الإلكتروني.

هذا الاستقرار النسبي جعل العملات المستقرة خياراً عملياً للدفع والتحويلات، خاصة في المناطق التي تعاني قيوداً مصرفية. وقد بدأت شركات كبرى مثل باي بال بتبني تلك العملات ضمن خدماتها، كما بدأت بعض المتاجر الإلكترونية قبولها كوسيلة دفع، ما عزز فرص انتشارها.

لكن استخدام هذه العملات لا يخلو من المخاطر. فبعض العملات المستقرة تعرضت لانهيارات مفاجئة، مثل ما حدث مع عملة تيرا (Terra) في مايو 2022، حيث خسرت قيمتها بالكامل ووصلت إلى الصفر، ما أدى إلى محو نحو 45 مليار دولار من أموال المستخدمين. وحتى العملات المستقرة المرتبطة بالدولار الأميركي مثل USDT وUSDC واجهت في بعض الحالات تقلبات مؤقتة، سواء كانت هبوطاً أو صعوداً، ما أثار تساؤلات حول مدى أمانها في الاستخدام اليومي.

من ناحية البنية، تنقسم العملات المستقرة إلى نوعين:

  • مركزية: مثل USDT وUSDC، تصدرها شركات خاصة وتديرها بشكل مباشر وتشرف على استقرار سعرها، هذا يجعلها أكثر ثباتاً واستقراراً لكن يضعها تحت رقابة تنظيمية ويجعلها عرضة للتدخل.
  • لامركزية: مثل DAI، تعتمد على خوارزميات ذكية تتحكم في العرض والطلب، يمنحها ذلك استقلالية أكبر لكن يعرضها لمخاطر تقنية وتقلبات أكثر.

هل تصبح العملات المستقرة معياراً للدفع الإلكتروني؟

مع تزايد استخدام العملات المستقرة في التداول والتحويلات، هناك ملامح تحول جذري في أنظمة الدفع الإلكتروني تلوح في الأفق. حيث بدأت العديد من الشركات والبنوك بالفعل بدمج العملات المستقرة ضمن أنظمتها، في حين تتجه الحكومات حول العالم نحو تنظيم هذا القطاع، ما قد يمنح العملات المستقرة شرعية أكبر ويشجع استخدامها في الدفع الإلكتروني. كما بدأنا نشهد مساعي لإطلاق عملات مشفرة رسمية (CBDCs) من البنوك المركزية في دول مثل الصين وأوروبا والولايات المتحدة.

يبدو أن العملات المستقرة تقف على أعتاب مرحلة جديدة، قد تجعلها معياراً للدفع الإلكتروني في المستقبل القريب، بشرط أن تتجاوز التحديات التنظيمية، وتثبت قدرتها على الاستقرار.

المحتوى محمي