العلاج الجيني ينقذ حياة الأطفال، لكن الفحوصات اللازمة لاكتشاف من يحتاج إليه ما تزال متأخرة

5 دقائق
الصحة، العلاج الجيني، الوراثة، الحمض النووي، الجينات

ربما لم يكن الأطفال الخمسة عشر الذين وُلدوا وهم يعانون من مرض نادر مخرّب للعضلات على قيد الحياة اليوم دون العلاج التجريبي الذي قام بتعديل جيناتهم بعد وقت قصير من ولادتهم.

فقد كان من المحتمل أن يتسبب المرض - الذي يُسمى بالضمور العضلي الشوكي - بوفاة معظمهم قبل سن الثانية. وما يثير الدهشة أن العديد من هؤلاء الأطفال يمكنهم الآن التحدث والجلوس بمفردهم، ويمكن لعدد قليل منهم أن يمشي حتى، وهي مراحل لم يكن بإمكانهم الوصول إليها من دون العلاج. وتلاحِظ شركة أفيكسس (AveXis) التي تقف وراء هذا الدواء أن أفضل النتائج كانت عند الأطفال الذين يتم علاجهم خلال الشهر الأول أو الثاني من حياتهم.

وهذا يعني ضرورة اكتشاف المرضى في أقرب وقت ممكن، أي عند الولادة من الناحية المثالية. وهذا الاكتشاف المبكر قد يُحدث فرقاً بين الحياة والموت. ولكن مع سعي شركة أفيكسس وغيرها من شركات التكنولوجيا الحيوية إلى إدخال علاجات جينية معدّلة إلى الأسواق، فقد كانت الولايات بطيئة في تبني اختبارات الفحص للأمراض الوراثية التي يصبح علاجها ممكناً بشكل متزايد.

ويُذكر أن الاختبارات المخصّصة لفحص حديثي الولادة في الولايات المتحدة تغطّي ما لا يقل عن 34 اضطراباً، واختارت العديد من الولايات إضافة المزيد. ومع ذلك، فإن معظمها لا يكشف عن الضمور العضلي الشوكي (والذي يتم اختصاره باللغة الإنكليزية عادةً بـ SMA)، على الرغم من أنه السبب الوراثي الرئيسي لوفاة الرضع. إذ يولد حوالي 400 طفل في الولايات المتحدة وهم يعانون منه كل عام. ويعدّ علاج شركة أفيكسس مخصصاً للنوع الأول الأكثر شيوعاً.

بالنسبة لآباء الأطفال المصابين بالضمور العضلي الشوكي - مثل كريستال ديفيس - فإن فحص حديثي الولادة يعني إعطاء الأطفال الذين يعانون من هذه الحالة حياةً أقرب ما تكون إلى الطبيعية قدر الإمكان.

يقول ديفيس – أحد مؤسسي ائتلاف فحص ضمور العضلي الشوكي عند حديثي الولادة في تكساس: "لا يجب أن يعيش هؤلاء الأطفال حياتهم في كرسي متحرك في حين قد يكون بإمكانهم الركض والمشي واللعب".

ويعدّ الوقت هو الأساس في علاج النوع الأول من المرض. إذ تؤدي إحدى الطفرات في جين SMN1 إلى تلف سريع وغير ردود للخلايا العصبية الحركية عند الطفل، والتي تتواجد في جذع الدماغ والحبل الشوكي. ويؤدي هذا الضرر إلى ضعف العضلات، ويعاني الأطفال في نهاية المطاف من صعوبة في البلع والتنفس.

وكان هانتر ابن ديفيس - الذي يبلغ الآن من العمر ست سنوات – قد خسر جميع حركاته عندما كان عمره أسبوعين. ولكن هانتر ما يزال على قيد الحياة بفضل دواء سبنرازا (Spinraza) – والذي تم اكتشافه لعلاج مرض الضمور العضلي الشوكي وتم اعتماده في ديسمبر 2016. وقد حقق الأطفال الذين تلقوا الدواء شفاءً ملحوظاً. ولكن يجب إعطاؤه من خلال البزل القطني مرة كل أربعة أشهر مدى الحياة. ويكلف ثروة هائلة تبلغ 750 ألف دولار للسنة الأولى من العلاج و375 ألف دولار كل عام بعد ذلك.

ومن المفترض أن يكون العلاج الجيني لشركة أفيكسس لمرة واحدة، حيث يتم حقنه في الوريد خلال 60 دقيقة. ويستخدم العلاج فيروساً معدَّلاً لتقديم نسخ سليمة من الجين SMN1 إلى الخلايا في جميع أنحاء الجسم. وبمجرد وصولها إلى هناك، يبدأ الجين الجديد بإنتاج بروتين ضروري لبقاء الخلايا العصبية الحركية.

ويقول سوكومار ناجيندران – المدير الطبي في شركة أفيكسس – بأنه عند الانتظار "فإن الأطفال يصبح لديهم خلايا عصبية حركية محدودة للانخراط ضمن العلاج الجيني والعمل بشكل فعال".

بالمتوسط، تلقى الأطفال الخمسة عشر في تجربة أفيكسس العلاج الجيني بعد أربعة أشهر من الولادة. وقد استجابوا جميعاً للعلاج، لكن ناجيندران يقول بأن الطفلين الذيْن تلقا العلاج خلال الشهرين الأولين من الحياة كانا الأكثر تحسناً. إذ أصبحا الآن قادرين على المشي بشكل مستقل.

وفي أبريل، بدأت شركة أفيكسس دراسة جديدة، ولكن بعلاج الأطفال مباشرة بعد الولادة هذه المرة. وستتمكن النتائج من إخبار الباحثين عن مدى تحسّن المرضى عندما يحصلون على الدواء وهم حديثو الولادة.

قد تعمل العلاجات الجينية الأخرى بشكل أفضل عند الأطفال قبل أن يكون للعيوب الجينية الوقت الكافي لأذيّة الجسم بشكل لا يمكن إصلاحه. فعلى سبيل المثال، تقوم شركة بلوبيرد بيو بتطوير دواء يوقف أحد الاضطرابات الدماغية المميتة والذي يسمّى حثل الغدة الكظرية والمادة البيضاء في الدماغ (ALD) - والمعروف أيضاً باسم مرض زيت لورنزو - عند 15 طفلاً من أصل 17. وفي تصريح قدمته لإم لآي تي تيكنولوجي ريفيو، قالت الشركة بأن النتائج تكون أفضل عندما يتم علاج المرضى قبل ظهور الأعراض.

ولايةٌ تلو الأخرى

في 8 فبراير، صوتت لجنة وطنية تشرف على اختبار حديثي الولادة للتوصية بإضافة الضمور العضلي الشوكي إلى قائمة الفحوصات العامة الموصى بها. الخطوة التالية هي التوقيع من قبل أليكس آزار - أمين إدارة الصحة والخدمات الإنسانية في الولايات المتحدة.

وحتى في ذلك الحين، فإن طرح فحص الضمور العضلي الشوكي عند كل طفل حديث الولادة لا يعدّ أمراً مكتملاً. فالتوصية التي طرحتها اللجنة هي مجرد توصية فقط. وهي إجراء مُلزم في ولايتي كاليفورنيا وفلوريدا فقط. وقد تختار الولايات الأخرى تبني الاقتراح أو قد لا تتبناه.

إن إضافة أمراض جديدة إلى قوائم الفحص يعني حتماً زيادة تكلفة اختبارات حديثي الولادة، والتي تتراوح ما بين 110 إلى 150 دولاراً، تبعاً للولاية. وعادةً ما يتم تغطية الاختبارات من قبل شركات التأمين أو برنامج ميديكايد المخصص للمساعدة الطبية للمحتاجين، ولكن التمويل في بعض الولايات يأتي من ميزانية إدارة الصحة. وستبلغ تكلفة إضافة الضمور العضلي الشوكي ما بين 10 سنتات و1 دولار، وفقاً لتقرير أصدرته الحكومة الأميركية في شهر مارس.

وفي الوقت نفسه، تمت التوصية بإضافة مرض حثل الغدة الكظرية والمادة البيضاء في الدماغ (ALD) إلى القائمة الفيدرالية للفحوصات من قبل أمين إدارة الصحة والخدمات الإنسانية في عام 2015، ولكن الولايات كانت بطيئة في تبني التغيير. ولا يقوم سوى عدد قليل من الولايات بإجراء هذا الاختبار اليوم.

وتقول ماريا كيفالاس - المدافعة عن حقوق المرضى وإحدى المؤسسين لمؤسسة كاليوب جوي (Calliope Joy Foundation) التي تجمع التبرعات لمساعدة الأطفال الذين يعانون من حثل المادة البيضاء (leukodystrophy): "إنه كابوس. فالضغط على الولايات واحدة تلو الأخرى هو أمر مثير للسخرية". ومن الجدير بالذكر أنه تشخيص إصابة ابنتها وهي في الثانية من العمر باضطراب دماغي وراثي نادر يسمى حثل المادة البيضاء متبدل اللون. ويقوم العلاج الجيني التجريبي المتوفر في مكان واحد في ميلانو بإيطاليا بإنقاذ حياة الأطفال الذين يعانون من هذا المرض المميت، ولكن فقط إذا تم تلقّيه في وقت مبكر. وتعمل شركة أورتشارد ثيرابيوتيكس (Orchard Therapeutics) - والتي مقرها في لندن - على تسويق العلاج.

أن تعرف أو لا تعرف

لا يعتقد الجميع بأن فحص الأطفال حديثي الولادة للكشف عن مزيد من الأمراض هو فكرة جيدة. إذ قد تتسبب النتائج بقلق إضافي للآباء، وهناك احتمال لوجود نتائج إيجابية خاطئة.

على سبيل المثال، أظهر برنامج تجريبي في ماساتشوستس لاختبار حديثي الولادة للضمور العضلي الشوكي أن أحد الأطفال مصاب بالمرض، ولكن بعد بضعة أشهر تبين بأن النتيجة كاذبة.

تقول كاثرين سوبودا – الأخصائية في أعصاب الأطفال في مستشفى ماساتشوستس العام، والتي شاركت في البرنامج التجريبي: "هل يمكنك أن تتخيل ما مرّ به هذان الزوجان؟ إنه أمر صعب حقاً على العائلات".

لا يرغب جميع الآباء في معرفة ما إذا كان طفلهم سيصاب بمرض خطير، وخاصة إذا كان ظهوره يستغرق سنوات، كما هو الحال في بعض الحالات. والضمور العضلي الشوكي هو مثال رئيسي، ولكن هناك خمسة أنواع، وبينما تظهر معظم الحالات خلال فترة الستة إلى الثمانية عشر شهراً الأولى من الحياة، إلا أن أحد أنواعه لا يظهر إلا بعد البلوغ. وبالمثل، يمكن أن يحدث ظهور حثل الغدة الكظرية والمادة البيضاء في الدماغ (ALD) - الذي تقوم شركة بلوبيرد بتصميم دواء لعلاجه - عندما يكون عمر الطفل بين عامين و10 أعوام. وتقول سوبودا بأن معرفة ذلك قد تجعل من الصعب على الآباء الارتباط مع الطفل.

ومع ذلك، يعتقد بعض الأشخاص مثل كيفالاس أن الفوائد غالباً ما تفوق المخاطر. وتقول: "هناك العديد من العواقب التي تترتب على معرفة هذه المعلومات عند الولادة، ولكن بالنسبة لبعض الأمراض، يبدو الأمر وكأنه لا يحتاج إلى تفكير".

المحتوى محمي