هل يحتاج العالم بعد كوفيد-19 إلى الرقمنة أم التحول الرقمي؟

5 دقائق
الصورة الأصلية: آني سبرات عبر أنسبلاش | تعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية

كانت أكبر مشكلة في كوفيد-19 تتمثل في تحديد الاستجابة الملائمة: المواجهة، أو الهرب، أو الجمود في خضم الوباء. وبما أنه لا توجد وسيلة للمواجهة حتى ساعة كتابة هذه المقالة، وبما أن الهروب لن يؤدي إلا إلى مفاقمة الوضع، لم يجد العالم خياراً آخر سوى الجمود. أو على الأقل، الجمود من الناحية النظرية؛ فقد تابع العالم سيره عن طريق الرقمنة. ولكن مع انتقال الشركات إلى التكنولوجيات الرقمية الموجودة ومحاولتها للتكيف معها، ظهر التساؤل حول كفاية هذا الإجراء: هل يحتاج العالم بعد كوفيد-19 إلى الرقمنة أم التحول الرقمي؟

بدأ اقتصاد ما بعد كوفيد-19 يستعد للدخول في أسوأ فترة ركود على الإطلاق، أي أنها حتى أسوأ من فترة الركود الاقتصادي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث إن الناتج القومي لكل فرد أخذ يتناقص باستمرار في الأغلبية العظمى من دول العالم.

كما أن المعدل العالمي للبطالة يتصاعد بوتيرة غير مسبوقة. وليس تراجع النشاطات الخدمية وتردّي التجارة العالمية سوى جزء من العوامل التي أدت إلى هذه الحالة. ويحدث كل هذا على الرغم من المزاعم بأن الرقمنة واسعة النطاق تعزز الاقتصاد في هذه المرحلة من انتشار الوباء.

وقد أبرز تقرير من صندوق النقد الدولي فشلَ قطاع الإنتاج في الاستجابة الفعالة للوباء. ووفقاً للتقرير، من المرجح أن تشهد الاقتصادات المتقدمة تراجعاً بنسبة 6.1% في الناتج، أما البلدان الأكثر فقراً فلا تتجاوز فيها هذه النسبة 1%. وفي الواقع، يثير التقرير تساؤلاً حول ما إذا كنا في حاجة إلى الرقمنة أو التحول الرقمي في فترة ما بعد كوفيد-19.

الرقمنة تبرز الانقسام الرقمي 

تُعرف الرقمنة، في جوهرها، بأنها استخدام التكنولوجيات الرقمية الموجودة لتغيير نموذج الأعمال. تتضمن الرقمنة حلولاً يتم تصميمها للجميع، ويمكنك أن تحاول دمجها في نموذج الأعمال الخاص بك، أو تغير ثقافة الشركة بما يتوافق مع الحلول التكنولوجية.

ما رأيناه في خضم الوباء يقع ضمن هذا التعريف؛ حيث انتقلت الشركات إلى الفضاء الرقمي حتى تستطيع مواصلة العمل. غير أن هذا الأسلوب يمثل بذل أقل ما يمكن من المجهود بهدف البقاء وحسب. فلا توجد هناك الكثير من الحلول الرقمية للعديد من الأنشطة التي تتطلب مقاربة شخصية، كما أن سلاسل التوريد تبدو الأكثر تأثراً بهذا الوباء.

لقد أبرز الوباء الانقسام الرقمي الكبير. وحتى تكون التحولات الرقمية مؤثرة وفعالة، يتعين على الشركات أن تكون مستعدة لتبنيها بالكامل، غير أن هذا التبني تباطأ مع تراجع الاستعداد للمخاطرة وتجربة أمور غير مألوفة. وعلى الرغم من أن الوباء بدأ يفرض ثقافة جديدة للشركات، فقد حاولت الشركات أن تقتصر على التحولات الأكثر أماناً وراحة لها.

يعود فشل بيئات التصنيع والتوريد بشكل أساسي في الوضع الحالي إلى غياب الحلول الرقمية التي يمكنها مساعدة السوق على التكيف مع هذه الظروف الصعبة. إن غياب البيئة الرقمية للشركات هو سبب اتجاه الاقتصاد العالمي نحو أسوأ فترة كساد في تاريخه.

التحول الرقمي: الميزة الإيجابية

يتضمن التحول الرقمي دمجَ التكنولوجيات الرقمية القائمة والجديدة لبناء نموذج أعمال جديد بالكامل لتلبية الحاجات الحالية في السوق. لقد لعب كوفيد-19 من دون شك دورَ إنذار صارخ لجميع الشركات التي بدأت بالتكاسل والخمود ضمن نموذج أعمال قديم وجامد.

لقد بدأت الثورة الصناعية الرقمية تظهر منذ فترة، وقد مُنحت العديد من الأسماء، بما في ذلك الثورة الصناعية الرابعة، والمصنع الذكي، وإنترنت الأشياء. غير أن حجم التحول هائل لدرجة أنه ليس هناك حرص على تبنيه من قبل الكثيرين. والآن، يواجه الاقتصاد العالمي عواقب التردد وعدم المبادرة بالسرعة الكافية.

وفقاً لمحللين في فوربس، فإن قطاع التصنيع سيشهد ما يكافئ 5 سنوات من الابتكار التكنولوجي في فترة 18 شهر وحسب، وذلك استجابة للحاجات الحالية.

لن تكون إعادة الاستقرار إلى الاقتصاد بعد كوفيد-19 بسهولة مجرد العودة إلى العمل، فقد يبقى تهديد الإصابة بالفيروس ماثلاً إلى الأبد، ولهذا فإن التحول الرقمي هو الحل النهائي والوحيد.

مراحل التحول الرقمي

خلافاً للرقمنة، فإن التحول الرقمي لا يبدأ في النهاية؛ حيث تعتمد الرقمنة في أغلب الأحيان على حلول موجهة للجميع، وليست موجهة لأحد على وجه الخصوص، في حين يتطلب التحول الرقمي ابتكار وبناء حلول خاصة يمكن إدماجها ابتداءً من مرحلة الإنتاج وصولاً إلى مرحلة التوريد والعرض.

خطوات تطوير إستراتيجية التحول الرقمي: 

  • تقييم نموذج الأعمال للشركة
  • تحديد مستوى الدمج الحالي للتكنولوجيات الرقمية
  • وضع أهداف واضحة
  • تطوير إستراتيجية قابلة للتنفيذ
  • استخدام الأدوات والتكنولوجيات الضرورية
  • وضع مسودة خطة واضحة للتغيير الإداري
  • تخصيص ميزانية واقعية للتحول
  • تثقيف طاقم الشركة والتواصل والتعاون معهم

تؤدي هذه الخطوات إلى بناء نموذج أعمال واقعي يتمتع بإمكانات رقمية. ويمكن تنشيط أسلوب العمل في الصناعات المختلفة باعتماد الخيارات الصحيحة من أدوات تكنولوجيا المعلومات وإدماج التكنولوجيات المتطورة مثل الواقع المعزز. وقد أبرز كوفيد-19، على وجه الخصوص، الحاجةَ إلى أنظمة تعمل عن بعد للرعاية الصحية والتعليم.

وتقدم أنظمة كهذه القدرةَ على الإنتاج في مكان قريب من المستهلك، ما يلغي أغلبية مشاكل سلاسل التوريد الناجمة عن المسافات الجغرافية. يجب أن تسمح حلول التصنيع الرقمية هذه للشركات ببناء قاعدة بيانات مركزية خارج حدود بلدانها، بحيث ترتبط بمختلف مواقع الإنتاج داخل حدود هذه البلدان.

تحويل العطالة إلى قوة دافعة

بصراحة، إن أشد ما نحتاج إليه في الوقت الراهن هو التركيز مرة أخرى على تأسيس طبقة جديدة من الوظائف، تماماً كما حدث عبر تكنولوجيا الأمن السيبراني والبلوك تشين، وهو ما سيساعد على بناء حلول ذكية للمصانع ومختلف الصناعات.

في القطاع الإنتاجي، يجب أن نستخدم نموذج التكامل (في العمل) من آلة إلى آلة مع حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي لبناء مصانع لا تتوقف أبداً، كما وُعِدنا من قبل. والأفضل من ذلك هو أننا لم نعد في حاجة إلى إصلاح آليات التشغيل ونماذج الأعمال بالكامل؛ لأننا لم نعد نتعامل مع آلات قديمة بعد الآن.

وعلى سبيل المثال، إذا أردنا التركيز على صناعة التعليم وحسب، فنحن ندرك أن الكثير من المدارس والجامعات لديها مكتبات مركزية عاملة على الإنترنت وآليات فعالة للتعلم عن بعد. لو كان في مقدورنا إيجاد حل تكنولوجي يسمح لنا بدمج آليات الاختبار والتقييم عن بعد، فسنحصل على نظام للتعلم عن بعد يعمل بكفاءة تامة.

أبرز كوفيد-19 أيضاً مدى تقادم إدارة سلاسل التوريد، وكم تستغرق هذه العملية من وقت طويل بشكل غير ضروري. وبدلاً من تنفيذ العمل بشكل شخصي، مثل إرسال عروض الأسعار، وإجراء المكالمات الجماعية، والتنقل جيئة وذهاباً عدة مرات قبل الحصول على المشاريع وتسليمها، يجب أن نستخدم المنصات الرقمية مثل ماكروفاب وفيكتيف حتى يتم إجراء العملية بالكامل على الإنترنت.

علينا تدريب وتعليم طاقم العمل، بحيث يتآلفون مع نماذج الأعمال ذات القدرات الرقمية. يفتقر الكثير من الموظفين إلى مجموعة المهارات الضرورية للتحول الرقمي، وهو ما أدى إلى الضعف الذي شهدناه في التحول أثناء الوباء.

يتعين على الشركات أن تركز على تحسين مجموعة المهارات الرقمية لدى موظفيها، ويتعين عليها أيضاً القيام بمواءمة القوى العاملة وإنشاء خطوط اتصال واضحة، بحيث يصبح جميع العاملين على معرفة بضرورة اعتناق الثقافة الرقمية.

فلا يمكن أن نتوقع من الموظفين أن يتكيفوا مع التكنولوجيات الجديدة من دون الحصول على التدريب الأساسي؛ فقد يؤدي هذا إلى إثارة مشاعر السخط، ورفع مستوى التوتر. وفي الواقع، فقد كشف استبيان أجرته سي إن بي سي أن 54% من الموظفين يشعرون بأن أعمالهم أصبحت أكثر صعوبة بسبب العمل من المنزل.

ولتحقيق النجاح في الاستثمار، يجب على أرباب العمل تحقيق توافق في الآراء على مستوى المؤسسة، وتأمين تواصل واضح، وتوفير تدريب دقيق. وبهذه الخطوات، يمكن بناء نظام تصنيع رقمي، ونظام لإدارة سلاسل التوريد ذي إمكانات رقمية، ومصانع تم تحويلها رقمياً، ونماذج أعمال عمومية. وبهذا، يمكن أن نضمن ألا يتعرض الاقتصاد العالمي إلى هزات عنيفة كما حدث له بسبب كوفيد-19.

لا شك في أن المعركة القائمة بين الرقمنة أو التحويل الرقمي في مرحلة ما بعد كوفيد-19 محسومة لصالح التحول الرقمي. ونحن في حاجة إلى حلول مبتكرة تحسن من قدرة الاقتصاد العالمي على الصمود، وتزيد من فعالية نماذج الأعمال.

المحتوى محمي