كيف تعمل الطباعة الثلاثية الأبعاد للأطعمة؟ وما هي آفاقها؟

3 دقيقة
توليد الصورة بمساعدة "بكسلر" بإشراف محرر مجرة

تمثّل تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد للأطعمة مزيجاً فريداً بين التقدم التكنولوجي والإبداع في فنون الطهي، حيث بات الطهاة والمطاعم يُبدون اهتماماً متزايداً بالإمكانات التي تُتيحها هذه التقنية الحديثة. ورغم أن الأطعمة المطبوعة بهذه الطريقة تحتفظ بمذاقٍ مماثلٍ للأطعمة التقليدية نظراً لاستخدام مكونات غذائية شائعة، فإنها تتميز بتفرد في البنية والملمس والشكل العام. ويُعدُّ هذا المجال أداة قوية لإنتاج أغذية مصممة خصيصاً تُثري تجربة التذوق البصري والحسي، وتُسهم في تلبية متطلبات التغذية الشخصية، فضلاً عن إسهامها المحتمل في الاستدامة وتقليل الفاقد الغذائي.في ضوء التطورات المتسارعة في تقنيات التصنيع الغذائي، تبرز الطباعة ثلاثية الأبعاد كأحد أكثر الابتكارات إثارة للاهتمام. وتكمن الفكرة الأساسية لهذه التقنية في اعتماد مكونات غذائية تقليدية، تُشكَّل بتقنيات رقمية لإنتاج أشكال وهياكل معقّدة لا يمكن تحقيقها بسهولة بالطرق اليدوية التقليدية. ويرى العديد من المختصين أن هذه التقنية تمثّل نقلة نوعية في مجالي تصميم الأغذية وتجربة المستهلك.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن استخدام تقنية التوأم الرقمي في صناعة الأغذية؟

لمحة تاريخية

يُعتبر عام 2006 نقطة البداية الرسمية للطباعة ثلاثية الأبعاد في المجال الغذائي، حين نجح باحثون من قسم الهندسة الميكانيكية والفضائية في جامعة كورنيل بالولايات المتحدة الأميركية في طباعة منتجات غذائية مثل الشوكولاتة وعجينة البسكويت والجبن، مستخدمين طابعة "Fab@Home" مفتوحة المصدر، التي اعتمدت على حقن دقيقة لبثق المواد. ومع تقدم الأبحاث، توسع نطاق المكونات ليشمل المهروسات (مثل البطاطا، والحمص، وصلصة التفاح)، والمعاجين (مثل الزبدة، والمحليات السكرية، ومعجون الطماطم)، فضلاً عن اللحوم المستنبتة وخيارات نباتية أخرى، ما أتاح فرصاً أوسع للابتكار الغذائي.

واقع الطباعة ثلاثية الأبعاد للأطعمة اليوم

تُستخدم هذه التقنية حالياً في إنتاج أشكال دقيقة ومعقدة من الأغذية، ما يمنحها قيمة عالية في مجالات تقديم الطعام الفاخر والعروض التقديمية الجاذبة. كما تُسهم في تلبية الاحتياجات الفردية في التغذية، مثل تكييف المكونات وفقاً للحساسيات الغذائية (كالحساسية من الغلوتين أو الألبان) أو تفضيلات النظام النباتي. ويمكن استخدامها أيضاً لإدراج أسماء أو تشكيلات خاصة داخل الطعام، وهو ما يُعدُّ مفيداً لفئات معينة مثل الأطفال الذين يرفضون قواماً معيناً من الأغذية.

علاوة على ذلك، تُتيح الطباعة ثلاثية الأبعاد تقليل الزمن والجهد اللازمين للتحضير، مع تحسين كفاءة استخدام المواد وتقليل الفاقد، ما يجعلها أداة محتملة لمعالجة مشكلات نقص الغذاء والأزمات الغذائية العالمية. كما تُعدُّ هذه التقنية ذات جدوى اقتصادية للمؤسسات، إذ تقلّل التكاليف وتدعم جهود الاستدامة، إلى جانب ضمانها لتكرار الإنتاج بجودة موحدة، وهي خاصية محورية في مطاعم الوجبات الراقية.

اقرأ أيضاً: هل يمكن صناعة الأغذية من الهواء؟

التطبيقات البحثية والتحديات الحالية

أثبت هود ليبسون، وهو مهندس روبوتات بجامعة كولومبيا، القدرة التطبيقية لهذه التقنية من خلال طباعة كعكة تشيزكيك متعددة الطبقات، أُعدت بحيث تُطلق نكهاتها على مراحل في أثناء التناول، وهو ما عُدّ مثالاً متقدماً على تعزيز التجربة الحسية. ومع ذلك، يُشير ليبسون إلى محدودية الطابعات الحالية في تنفيذ عمليات الطهي بالتزامن مع الطباعة، حيث تركّز الأجهزة المتوفرة في الأسواق على التشكيل دون الطهي، ما يفتح المجال لتطوير هذه التكنولوجيا مستقبلاً.

الجدير بالذكر أن انخراط ليبسون في مجال طباعة الأغذية جاء عرضياً خلال اختباراته في الطباعة متعددة المواد، حيث استخدم هو وفريقه عناصر غذائية مثل الشوكولاتة وعجين البسكويت لأغراض معايرة الطابعات، مستفيدين من خصائصها الفيزيائية.

ورغم الإمكانات الكبيرة، لا تزال هذه التقنية تواجه تحديات عديدة تحول دون انتشارها الواسع، من بينها المخاوف المرتبطة بتأثير التكنولوجيا على أصالة الطعام وجودته، والنظافة الميكانيكية، بالإضافة إلى التكاليف الأولية العالية والصيانة، فضلاً عن بطء الطباعة وتقييد قائمة المكونات المتوافقة. ويُعدُّ غياب الأطر التنظيمية، وضعف التدريب والسلامة من المعوقات التي يجب تجاوزها لتحقيق تبني شامل لهذه التقنية.

آلية عمل الطباعة ثلاثية الأبعاد للأطعمة

تعتمد هذه التقنية على مبدأ التصنيع الإضافي المعروف باسم "النمذجة بالترسيب المنصهر"، حيث تُوضع المواد في طبقات متتابعة لتشكيل المنتج النهائي. ويُستخدم ملف رقمي للتصميم بمساعدة الحاسوب (CAD) لتحديد مواصفات الشكل والقوام والقياسات المطلوبة بدقة. تُخلط المكونات الغذائية لتصل إلى قوام مناسب لعملية البثق، ثم تُحمّل في الطابعة. ويضبط المختصون المعايير الحرارية وسرعة البثق قبل بدء الطباعة. وتتطلب بعض المنتجات المعالجة بعد الطباعة، مثل الخَبز لعجينة البسكويت، أو التبريد لتثبيت قوام الشوكولاتة والجبن، بالإضافة إلى عمليات نهائية أخرى مثل التزجيج أو التزيين حسب نوع الطبق.

مراجعات علمية حديثة

أشارت مراجعة علمية موسعة نُشِرت في مجلة فيزياء الأغذية (Food Physics) عام 2024 إلى أن الطباعة ثلاثية الأبعاد للأغذية تُعدُّ تكنولوجيا ناشئة ذات إمكانات كبيرة لإعادة تعريف أساليب تصميم الأغذية وإنتاجها واستهلاكها. وتُبرز المراجعة قدرة هذه التقنية على تقديم تركيبات غذائية معقّدة وشخصية، تُلبي الاحتياجات الصحية والتغذوية الخاصة للأفراد. كما تطرقت إلى دورها في خفض الفاقد الغذائي من خلال استخدام مكونات بديلة، وتعزيز التحكم في الحصص، ما يُعدُّ مساهمة مهمة في تحقيق الاستدامة الغذائية والكفاءة التشغيلية. ومن خلال هذا المنهج الابتكاري، تُسهم التقنية في تعزيز الجاذبية البصرية والحسية للأغذية، مع الحفاظ على القيم الغذائية وتقديم حلول تغذوية مخصصة.


تُعدُّ تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد للأطعمة من أبرز الابتكارات الواعدة في مجال التكنولوجيا الغذائية، لما تمتلكه من قدرة على تلبية المتطلبات الجمالية والحسية والصحية والبيئية. وعلى الرغم من التحديات التقنية والتنظيمية التي لا تزال تحد من انتشارها، فإن الإمكانات الهائلة التي تقدّمها في مجالات التغذية الشخصية والاستدامة والتحكم الإنتاجي تجعلها جديرة بالاهتمام والتطوير المستقبلي، تمهيداً لتكاملها في النظم الغذائية الحديثة.

المحتوى محمي