كيف تساعد الطائرات المسيّرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في العثور على المفقودين؟

4 دقيقة
الطائرات المسيّرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي
iStock

إذا تاه أحد هواة التجول في المرتفعات الإسكتلندية الوعرة، تعمد فرق الإنقاذ في بعض الأحيان إلى إرسال طائرة بدون طيار للبحث عن أدلة تشير إلى المسار الذي اتبعه الشخص، مثل النباتات التي داسها أو الملابس التي وقعت منه أو أغلفة الأطعمة. غير أن اتساع منطقة البحث وعمر البطارية المحدود يجعلان اختيار المنطقة المناسبة للبحث أمراً بالغ الأهمية. عادة ما يستخدم قادة الطائرات بدون طيار أسلوباً يعتمد على الحدس و"نظرية بحث" إحصائية –وهي استراتيجية تعود جذورها إلى فترة تصيّد الغواصات الألمانية في الحرب العالمية الثانية- لتحديد المناطق التي يعتقدون أنها أجدر بالتفتيش من غيرها. مؤخراً، قرر جان هيندريك إيويرز وفريق من جامعة غلاسكو أن يجربوا استخدام نظام تعلم آلي للحصول على نتائج أفضل.

اقرأ أيضاً: مشروع لاستخدام الطائرات المسيرة لاستمطار السحب في الإمارات

تدريب نموذج ذكاء اصطناعي على بيانات حالات البحث والإنقاذ

ترعرع إيويرز على ممارسة التزلج والمشي مسافات طويلة في مناطق المرتفعات، ما منحه تصوراً واضحاً حول التحديات المعقدة المقترنة بعمليات الإنقاذ هناك. ويقول: "لم تكن أمامي خيارات كثيرة للترفيه خلال نشأتي هناك، سوى قضاء الوقت في الخارج أو الجلوس أمام كمبيوتري. وقد انتهى بي المطاف إلى ممارسة كلا الأمرين فترات طويلة". في البداية، جمع إيويرز مجموعات بيانات حول حالات البحث والإنقاذ من أنحاء العالم كافة، التي تضمنت تفاصيل عديدة، مثل عمر الشخص المعني، وإن كان في ذلك الوقت يمارس الصيد أو ركوب الخيل أو المشي مسافات طويلة، وإن كان يعاني الخرف، إضافة إلى معلومات حول الموقع الذي عُثِر فيه عليه في نهاية المطاف، سواء كان قرب المياه أو الأبنية أو في الأراضي المفتوحة أو قرب الأشجار أو الطرقات. بعد ذلك، درب نموذج ذكاء اصطناعي على تلك البيانات، إضافة إلى بيانات جغرافية من إسكتلندا.

يجري النموذج الملايين من عمليات المحاكاة حتى يكشف المسارات التي يُرجح أن يكون الشخص المفقود قد سلكها وفقاً للظروف المحيطة به. ويقدم النموذج النتيجة وفق صيغة توزيع احتمالي –على شكل خريطة حرارية من نوع ما- لتحديد المناطق الأفضل لإجراء عمليات البحث.

تقنيات التعلم العميق لتصميم مسارات بحث أكثر فاعلية للطائرات بدون طيار

من خلال خريطة الاحتمالات هذه، أظهر الفريق أنه يمكن استخدام تقنيات التعلم العميق لتصميم مسارات بحث أكثر فاعلية للطائرات بدون طيار. وفي البحث الذي نُشِر مؤخراً على موقع آركايف (arXiv)، والذي لم يخضع بعد لمراجعة الأقران، اختبر الفريق خوارزميته وقارنها مع نمطي بحث شائعين: نمط "آلة جز العشب" حيث تحلق الطائرة بدون طيار فوق المنطقة المستهدفة وفق سلسلة من خطوط المسح البسيطة، إضافة إلى خوارزمية مماثلة لخوارزمية إيويرز لكنها أقل قدرة على العمل مع خرائط التوزيع الاحتمالي.

في الاختبارات الافتراضية، تفوقت خوارزمية إيويرز على كلتا الطريقتين الأخريين وفق معيارين رئيسيين: المسافة التي يجب أن تقطعها الطائرة بدون طيار لتحديد موقع الشخص المفقود، ونسبة النجاح في العثور على الشخص المفقود. وعلى حين تمكنت طريقة آلة جز العشب بنسبة نجاح بلغت 8% وتمكنت الخوارزمية الموجودة سابقاً من العثور على الشخص المفقود بنسبة نجاح بلغت 12%، نجحت طريقة إيويرز في العثور على الشخص المفقود بنسبة نجاح بلغت 19%. وإذا حقق النظام الجديد النجاح في عمليات الإنقاذ الحقيقية، فمن الممكن أن يزيد سرعة الاستجابة، وينقذ المزيد من الأرواح، في السيناريوهات التي يُحسب فيها لكل دقيقة حسابها.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن استخدام التكنولوجيا لمساعدة الأشخاص في حالات الطوارئ المختلفة؟

يقول إيويرز: "يتسم مجال البحث والإنقاذ في إسكتلندا بدرجة عالية من التنوع، والخطورة أيضاً". فمن الممكن أن تقع الحوادث الطارئة في الغابات الكثيفة على جزيرة آران، أو الجبال والمنحدرات الشديدة الانحدار حول هضبة كيرنغورم، أو على سفوح جبل بن نيفيس، وهي واحدة من أكثر وجهات تسلق الجبال شهرة وخطورة في إسكتلندا. ويقول: "من الممكن أن ننقذ الأرواح إذا تمكنا من إرسال طائرة بدون طيار وإجراء عمليات بحث بكفاءة عالية باستخدامها". يقول خبراء البحث والإنقاذ إن استخدام التعلم العميق في تصميم مسارات أكثر فاعلية للطائرات بدون طيار يمكن أن يساعد على تسريع العثور على المفقودين في عدة أنواع مختلفة من المناطق البرية، وذلك وفقاً لمدى توافق بيئة تلك المناطق مع عمليات البحث بالطائرات بدون طيار، فمن الصعب على الطائرات بدون طيار استكشاف مناطق الغابات ذات الأغصان الكثيفة مقارنة باستكشاف مناطق الغابات ذات الأغصان المفتوحة.

الاستفادة من كامل إمكانات الطائرات المسيرة في عمليات البحث والإنقاذ

يقول المدير في الجمعية الوطنية الأميركية للبحث والإنقاذ في مدينة ويليامزبرغ بولاية فرجينيا، ديفيد كوفار، الذي استخدم الطائرات بدون طيار في العديد من المهام المختلفة، بدءاً من الاستجابة للكوارث في كاليفورنيا، وصولاً إلى مهام البحث في البراري التابعة لسلسلة جبال وايت (الجبال البيضاء) في ولاية نيوهامشير: "تبدو هذه الطريقة المستخدمة في المرتفعات الإسكتلندية طريقة ناجعة بالتأكيد، خصوصاً في المراحل الأولى من البحث عندما تكون في انتظار وصول المزيد من المشاركين". لكن ثمة محاذير يجب أخذها بعين الاعتبار. فنجاح خوارزمية التخطيط هذه يعتمد على دقة خرائط الاحتمالات. ويمكن للمبالغة في الاعتماد على هذه الخرائط أن تؤدي إلى قضاء قادة الطائرات بدون طيار الكثير من الوقت في البحث في المناطق الخاطئة.

يقول إيويرز إن الخطوة المنطقية التالية في رفع دقة خرائط الاحتمالات إلى أعلى مستوى ممكن هي الحصول على المزيد من بيانات التدريب. ولتحقيق ذلك، يأمل باستخدام بيانات نظام تحديد الموقع العالمي من المزيد من عمليات الإنقاذ الحديثة لتنفيذ عمليات المحاكاة، ما يعني عملياً مساعدة نموذجه على فهم الراوبط القائمة بين الموقع الذي شوهد فيه الشخص المفقود آخر مرة والموقع الذي عُثِر عليه فيه في نهاية المطاف. غير أن البيانات الغنية بما يكفي حتى تكون مفيدة له في العمل غير متاحة بالضرورة في عمليات الإنقاذ جميعها. يقول إيويرز: "لدينا مشكلة في مجال البحث والإنقاذ، وهي الندرة الشديدة في بيانات التدريب، على حين يتطلب التعلم الآلي كما نعرف كميات كبيرة من البيانات العالية الجودة. وإذا لم تتفوق الخوارزمية في أدائها على البشر، فمن الممكن أن يؤدي هذا إلى تعريض حياة شخص ما للخطر".

اقرأ أيضاً: الإعلان عن «جنية»: طائرة إماراتية بدون طيار تستطيع التخفي من الرادار

أصبحت الطائرات بدون طيار أكثر شيوعاً وانتشاراً في عالم البحث والإنقاذ. لكنها ما زالت تُعَد تكنولوجيا جديدة نسبياً، وما زالت القوانين الناظمة لاستخدامها غير مستقرة. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يجب على قادة الطائرات بدون طيار الحفاظ على خط نظر مباشر بينهم وبين الطائرة على الدوام. على حين لا يُسمح لقادة الطائرات بدون طيار في إسكتلندا بالابتعاد عن الطائرة أكثر من 500 متر. تهدف هذه القواعد إلى منع الحوادث، مثل وقوع طائرة بدون طيار وتعريض الناس للخطر، لكن هذه القواعد تتحول إلى عوائق تحد كثيراً من القدرة على البحث عن أدلة في حالات الإنقاذ على البر. يقول كوفار: "في أغلب الأحيان، نتعرض إلى مشاكل قانونية، لا إلى مشاكل تقنية. فإمكانات الطائرات بدون طيار تتجاوز بكثير الحدود المسموحة لاستخدامها".

يأمل إيويرز بأن تؤدي النماذج التي على شاكلة نموذجه يوماً ما إلى جعل قدرات الطائرات بدون طيار تتجاوز مستواها الحالي حتى. في الوقت الحالي، يجري إيويرز محادثات مع وحدة الدعم الجوي التابعة لجهاز الشرطة الإسكتلندية لمعرفة المتطلبات اللازمة لاختبار نظامه وتطبيقه في بيئات العالم الحقيقي.

المحتوى محمي