فجأة، هبطت طائرة مسيرة من السماء، وأخذت تحلق أمام وجهي. وأخذ صوت يدوي من مكبر الصوت الخاص بها. لقد كانت الشرطة تجري عمليات تدقيق روتينية في المنطقة.
شعرت كأن كاميرا الطائرة المسيرة تخترقني. وأدرت ظهري إليها، ولكنها تبعتني وكأنها صاروخ موجه. وطلبت مني بأسلوب مهذب أن أرفع يديّ، وقامت بمسح وجهي وجسمي. وبعد اكتمال عملية المسح، تركتني وشأني، قائلة إنه توجد حالة طارئة في مكان آخر.
اقرأ أيضاً: التواصل بين الطائرات المسيرة: الآفاق ومجالات التطوير
الطائرات المسيرة التابعة للشرطة
لقد كنت محظوظة، فهذا اللقاء مع الطائرة المسيرة جرى في الواقع الافتراضي، وذلك في إطار تجربة يجريها فريق من كلية لندن الجامعية ومدرسة لندن للاقتصاد. يعمل الباحثون على دراسة تفاعل البشر مع الطائرات المسيرة التابعة للشرطة، وما إذا كانت هذه اللقاءات تؤدي إلى زيادة أو نقصان ثقتهم بالشرطة.
بدا واضحاً أن اللقاء مع الطائرات المسيرة للشرطة قد لا يكون حدثاً ساراً. ولكن دوائر الشرطة بدأت باستخدام هذه التكنولوجيات دون أن تكلف نفسها حتى بمحاولة دراسة هذه المسألة.
"لا أحد يكلف نفسه حتى عناء طرح السؤال: هل ستكون سلبيات هذه التكنولوجيا أكبر من إيجابياتها؟"، كما يقول عزيز حق، وهو أستاذ قانون في جامعة شيكاغو، ولم يشارك في البحث.
اقرأ أيضاً: كيف ستشكل الطائرات المُسيَّرة السلاح المستقبلي للبحرية الأميركية؟
يسعى الباحثون إلى تحديد مدى تقبل الناس لهذه التكنولوجيا الجديدة، كما يقول كريستيان بوش، وهو محاضر مختص بعلم الجريمة في جامعة كلية لندن. من الصعب أن نتوقع أن يسرّ الناس بلقاء طائرة مسيرة عدوانية وفظة. ولكن الباحثين يحاولون تحديد إمكانية وجود أي سيناريوهات يكون الناس فيها أكثر تقبلاً للطائرات المسيرة. على سبيل المثال، يحاول الباحثون معرفة ما إذا كانت الطائرة المسيرة المستقلة أقل إثارة للاستياء من الطائرة المسيرة التي يتحكم فيها البشر، أو العكس.
وإذا كانت ردة الفعل سلبية في جميع الحالات، فهذا يدعو إلى التساؤل بشدة عن إمكانية استخدام الطائرات المسيرة كأدوات فعّالة في عمل الشرطة في المقام الأول.
ويقول: "إن الشركات المنتجة للطائرات المسيرة تقول إن هذه الطائرات وسائل عملية وفعّالة ومفيدة، وهو ما يتوافق مع مصالحها، ولكن من الصعب الجزم بمدى صحة هذا الكلام نظراً لعدم وجود تقييم واقعي حتى الآن".
تجربة مخيفة حتى الآن
إنها مسألة مهمة، لأن دوائر الشرطة تسارع إلى استخدام هذه الطائرات المسيرة على أي حال، وبدأت باستثمارها في جميع المهام، بدءاً من المراقبة وعمليات جمع المعلومات، وصولاً إلى مطاردة المجرمين.
فقد وافقت مدينة سان فرانسيسكو مؤخراً على استخدام الروبوتات، بما فيها الطائرات المسيرة القادرة على قتل البشر في حالات طارئة معينة، مثل التعامل مع قاتل يطلق النار على الناس جماعياً. وفي المملكة المتحدة، تحمل معظم الطائرات المسيرة التابعة للشرطة كاميرات حرارية قادرة على كشف عدد الأشخاص الموجودين في المنازل، كما يقول بوش. وقد تم استخدام هذه التقنيات في العديد من المهام، مثل القبض على المتاجرين بالبشر أو أصحاب العقارات المخالفين للقانون، وحتى استهداف الناس الذين يقيمون حفلات مشبوهة خلال فترة الحجر بسبب كوفيد-19.
سيتمكن الباحثون من اختبار هذه التكنولوجيا على الكثير من الأشخاص بطريقة آمنة يسهل التحكم فيها ضمن الواقع الافتراضي، كما يقول بوش.
اقرأ أيضاً: هل يتعين علينا تقبّل انتشار السيارات ذاتية القيادة على الطرقات دون أن نميزها؟
وعلى الرغم من معرفتي بأنني ضمن بيئة واقع افتراضي، فقد وجدت أن هذه المواجهة مع الطائرة المسيرة كانت مثيرة للتوتر. ورأيي تجاه هذه الطائرات المسيرة لم يتحسن، على الرغم من أنني التقيت ما يفترض بأنها طائرة مسيرة خاضعة للتحكم البشري وتعمل بطريقة مهذبة (حيث تتضمن التجربة أوضاعاً أخرى أكثر عدوانية، ولكنني لم أجربها).
لكن في نهاية المطاف، قد لا تشكل درجة "تهذيب" أو "فظاظة" الطائرة المسيرة فرقاً يستحق الذكر، كما يقول كريستيان إينيمارك، وهو أستاذ في جامعة ساوثامبتون، ومختص بأخلاقيات الحرب والطائرات المسيرة، وغير مشارك في الدراسة. ويعود هذا إلى أن استخدام الطائرات المسيرة بحد ذاته "يمثل تذكيراً بأن الشرطة غير موجودة هنا فعلياً، سواء أكان هذا لعدم الرغبة بتكلف عناء المجيء إلى هنا، أو بسبب الخوف".
"ولهذا، فإن أي لقاء من هذا الشكل يعبّر بشكل أساسي عن قلة الاحترام".