من الكلمات وحتى الملابس: الصين ترغب في فرض رقابتها الخاصة على مشاهير البث المباشر لديها

6 دقائق
من الكلمات وحتى الملابس: الصين ترغب في فرض رقابتها الخاصة على مشاهير البث المباشر لديها
غيتي إيميدجيز

بالنسبة لزينغ، وهي امرأة صينية شابة، فقد أصبح قضاء ساعة من تصفح دوين (Douyin)، وهي النسخة المحلية من تيك توك (TikTok)، واحداً من الطقوس اليومية. ومن بين المجموعة الكبيرة من مقاطع الفيديو والبث المباشر التي تتابعها، فهي معجبة على وجه خاص بمنتجة واحدة: "المحامية لونغفي" وفي كل يوم، تجيب لونغفي بشكل مباشر على الأسئلة القانونية التي يوجهها إليها متابعوها، والذين يبلغ عددهم 9 ملايين. وتتعلق الكثير من هذه الأسئلة بكيفية تعامل النساء مع حالات الطلاق المعقدة.

ولكن، وفي شهر مايو/ أيار، توقف نشاط حساب لونغفي لمدة 15 يوماً. وفي رسالة موجهة إلى متابعيها، لمحت إلى أن عبارة ما استخدمتها في أحد مقاطع البث المباشر تسببت بتعليق الحساب، واشتبه معجبوها بأنها تعرضت إلى الحظر بسبب "نشر الطاقة السلبية"، وهو مصطلح ضبابي يظهر بشكل متكرر في الرسائل الحكومية، ولكنه يعني في هذه الحالة أن المحتوى لا يطابق نظرة الدولة إلى الزواج.

وقد شعرت زينغ، والتي طلبت بأن نشير إليها فقط بشهرتها، أن ما حدث كان سخيفاً. وتقول: "لا أعتقد أنها كانت تقوم بشيء غير منطقي أو فاسد أخلاقياً وفق معايير العصر. بل على العكس، أعتقد أنها كانت تقوم بشيء يمكن أن يساعد الجميع". وفي نهاية المطاف، تمت إعادة تفعيل حساب لونغفي في يونيو/حزيران.

اقرأ أيضاً: هل سيبدأ عصر الهندسة المناخية على الرغم من كل الأصوات المعارضة له؟

انطلق البث المباشر في الصين في 2016، وأصبح منذ ذلك الحين أحد الأساليب المفضلة على مستوى البلاد لإمضاء فترات قصيرة من أوقات الفراغ، مع 635 مليون مشاهد. وقد تمكن أهم منتجي البث الرقمي من جمع أعداد كبيرة من المتابعين في مجال التجارة الإلكترونية، والموسيقى، والألعاب، والكوميديا، كما يجنون مبالغ مالية هائلة من الملايين من متابعيهم المخلصين. ولهذا، فإنهم في أغلب الأحيان يمتلكون تأثيراً لا يقل عن تأثير كبار المشاهير.

ولكن الكثير من منتجي البث المباشر، مثل المحامية لونغفي، أصبحوا مضطرين للتعامل مع تصاعد توجه الحكومة الصينية نحو فرض قواعد لما هو مقبول في البث الرقمي. وفي 22 يونيو/ حزيران، قامت أهم السلطات الصينية الثقافية بنشر وثيقة سياسة جديدة تحمل اسم "قواعد السلوك لمنتجي البث المباشر على الإنترنت"، وهي مصممة لتوجيه منتجي البث الرقمي حول ما هو متوقع منهم. فبعد أن كان منتجو البث المباشر يعملون خفية في السنوات الماضية، أصبحوا الآن مضطرين إلى مواجهة آلة الرقابة الصينية بكامل ثقلها.

تنص وثيقة قواعد السلوك على 31 فئة من المحتوى الذي لا يجب أن يظهر في مقاطع الفيديو على الإنترنت، والتي تتراوح بين العنف وإيذاء النفس وصولاً إلى تصنيفات أكثر غموضاً مثل التعليم الديني واستعراض الثروات. تتضمن التوجيهات أيضاً قواعد حول مظهر صاحب البث، وتحظر استخدام التزييف العميق لإطلاق النكات حول القيادة الصينية.

تقول المرشحة لدراسة الدكتوراه، والتي تدرس منتجي البث المباشر الصينيين في جامعة إلينوي بمدينة أوربانا في مقاطعة شامبين، جينغيي غو: "أعتقد أنها محاولة تصاعدية تهدف إلى تغطية البلاد بأسرها، وجميع المنصات، وجميع أنماط البث المباشر على الإنترنت". وهي تحل محل القواعد السابقة، والتي كانت إما مليئة بالثغرات أو ذات نطاق محدود، كما أنها مكملة لقواعد أخرى تنظم عمل المنصات وشركات التسويق، كما تقول غو: "هذه الوثيقة تتعامل مع منتجي البث المباشر كعاملين في اختصاص مستقل، تماماً مثل الممثلين". 

من الواضح أن الحكومة الصينية قررت البدء بترويض صناعة اكتسبت نفوذاً كبيراً ولم يعد بالوسع تجاهلها. فعلى مدى السنة الماضية، تهاوى العديد من أهم منتجي البث المباشر الصينيين عن عروشهم بعد أن تعرضوا لغرامات مالية بسبب التهرب الضريبي، أو أثاروا حفيظة الرقابة حول الأحداث السياسية. ولكن تدوين هذه القواعد ضمن وثيقة رسمية يعني أن قواعد السلوك ستمهد الطريق للمزيد من الإجراءات الرقابية في المستقبل

"نهاية الكون"

هناك مقولة شائعة في الصين حالياً: "إن نهاية الكون تبيع الأشياء على البث المباشر" وتسخر هذه المقولة من الوضع الحالي، حيث يبدو أن المحترفين من كافة الاختصاصات، مثل المحامين والمعلمين والمشاهير، أصبحوا منتجي بث مباشر يجنون الأموال على غرار مقدمي المنتجات على شبكة كيو في سي (QVC) التلفزيونية في الولايات المتحدة.

تقول غو: "من المؤكد أن الأميركيين والأوروبيين لا ينظرون إلى البث المباشر كقناة رئيسية للتسوق، ولا حتى كقناة للترفيه ربما، ولكن في الصين، حقق البث المباشر شعبية كاسحة".

طلبت منتجة البث المباشر السابقة إنغ أن تتحدث باستخدام اسم مستعار، وقد كانت تعمل لصالح شركة تعليمية في بكين. وكانت تبث آلاف الساعات من دروس اللغة الإنجليزية، وكان جزء من هذا العمل مخصصاً للطلاب الذين يدفعون رسوماً محددة، أما الباقي فكان مخصصاً للعامة مجاناً لزيادة شهرتها. 

اقرأ أيضاً: أخيراً: فيسبوك تتحرك وتبدأ في تطبيق معايير صارمة على البث الحي

وتقول إن الشركة شهدت فترة كانت تريد فيها تحويل أساتذتها الذين يعملون في البث إلى مشاهير. وتقول: "كان مدراء الشركة واضحين في رغبتهم بتقديم الأساتذة كنجوم. وفي الوسوم أو الملصقات الإعلانية، كانوا يستخدمون ألقاباً مماثلة للغة التي يستخدمها معجبو المشاهير".

ولكن هذا التأثير لم يكن من دون ثمن. فقد كانت تشريعات الصين حول الصناعات الثقافية صارمة منذ عقود، خصوصاً فيما يتعلق بالأفلام والمسلسلات التلفزيونية الشهيرة. وفي السنوات الأخيرة، اختفى عدة ممثلين من النجوم الكبار بين ليلة وضحاها بعد ارتكاب جرائم مزعومة مثل التهرب الضريبي أو تعاطي المخدرات. ولكن، ومع زيادة تأثير صناعة البث المباشر، أصبح من الواضح للسلطات أنها يجب أن تتعامل مع هذه الصناعة بشكل مماثل للأفلام الشهيرة، وتعزز من تشريعاتها وفقاً لهذا. 

تقول غو: "إن طريقة تنظيم الدولة للبث المباشر لا تختلف عن طريقة تنظيمها لصناعة الأخبار أو أي صناعة ترفيهية أو ظاهرة من ظواهر الإنترنت السابقة. ويهيمن نفس المنطق العام على جميع الحالات السابقة".

حدود مبهمة

تحظر قواعد السلوك التي نُشِرَت حديثاً نشر المحتوى الذي "يعرض الوحدة الوطنية للخطر" أو "ينكر قيادة الحزب الشيوعي للصين"، كما تحظر أيضاً "تأجيج "قضايا ساخنة" لدى الرأي العام على نحو متعمد" أو "استعراض كمية كبيرة من السلع الفاخرة والمجوهرات والنقود وغيرها من الممتلكات المماثلة".

إضافة إلى ذلك، فإن منتجي المحتوى في بعض المجالات الاحترافية، بما فيها الطب والاقتصاد والقانون والتعليم، يجب أن يكونوا حائزين على الترخيص المناسب حتى يُسمح لهم بالبث. ولكن توجد بعض القواعد الأكثر غرابة. وعلى سبيل المثال، يُلزم أحد البنود منتجي البث بأن يكون مظهرهم "متوافقاً مع الذوق الجمالي وعادات الاستمتاع عند العامة". وعادة ما يعني هذا التعبير في الصين ارتداء ملابس أكثر تقليدية وتحفظاً. 

اقرأ أيضاً: لماذا يحصل المحتوى المتعلق بالخرف على تيك توك على مليارات المشاهدات؟

وتقول إنغ: "من يعرف ما هي الأذواق الجمالية لدى العامة؟. يمكن أن يثير هذا الأمر مخاوف الشخص الذي ينتج البث: فما هي الملابس المطلوبة؟ ما هي الملابس التي ترضي أغلبية الناس؟"  

تقول زينغ إن لدى المشاهدين وجهة نظر مماثلة. وبالنسبة لها، فإن نصف بنود قواعد السلوك تعكس قيماً مقبولة بشكل عام، ولكن البنود الأخرى تبدو غامضة للغاية وتحمل طابعاً إيديولوجياً مبالغاً به. وتقول: "يستطيع الجميع تحديد المحتوى الذي يتضمن الإساءة إلى الحيوانات، ولكن عندما يتعلق الأمر بشيء مثل "استخدام أساليب غير مناسبة لتقديم الثقافة الاشتراكية عالية المستوى"، فمن الصعب تحديد معنى ذلك بكل صراحة". 

تتحدث المحامية لونغي عن كيفية تنفيذ إجراءات الطلاق طوال الوقت. فهل يعني هذا لوحده "تقديماً غير ملائم" للثقافة الصينية، والتي تشجع على الزواج والإنجاب؟ تقول زينغ: "بالنسبة للمشاهدين، فإن مستوى الرقابة تجاوز ما أعتبره ضرورياً ومقبولاً".

كيف يؤثر هذا على منتجي البث المباشر؟

لا تمثل القواعد الجديدة قانوناً بحد ذاتها. ولن يقع منتج البث المباشر في مشكلة قانونية مباشرة عند مخالفتها. ولكن منتجي البث المباشر ما زالوا قادرين على الشعور بتأثيرها من خلال المنصات، والجمعيات ذات الصلة بهذه الصناعة، والضغط من أجل الرقابة الذاتية.

تطلب وثيقة قواعد السلوك من الحكومات المحلية أن تقوم بتدقيق منصات الفيديو بانتظام وتحميلها مسؤولية أي منتج بث مباشر يخالف هذه القواعد. أيضاً، يجب أن تحرص المنصات على عدم عودة أي من منتجي البث "الموصومين" تحت اسم مختلف أو انتقالهم إلى منصة مختلفة. كما طلبت الوثيقة من الجمعيات ذات الصلة بهذه الصناعة بناء نظام لتقييم منتجي البث المباشر، والإعلان بشكل منتظم عن قائمة من المنتجين الذين تصرفوا "على نحو مخالف للقانون أو منافٍ للأخلاق". وهناك حالياً قائمة يتم تحديثها مرتين سنوياً من قبل الجمعية الصينية لفنون الأداء، والتي تضمنت قائمتها الأحدث في نوفمبر/ تشرين الثاني إضافة بعض من أهم المؤثرين في الصين، حيث وصفتهم بأنهم غير وطنيين أو بأنهم يتسمون بمستوى غير مقبول من البذاءة. وسرعان ما اختفى هؤلاء عن أنظار العامة.

ومنذ أن أصبح البث المباشر نموذج أعمال مربحاً للكثيرين، كان الحوار حول التزايد التدريجي للرقابة أكثر تركيزاً على التخفيف من المخاطر وزيادة الأرباح إلى أقصى حد ممكن بدلاً من التركيز على كيفية مواجهة هذه الرقابة. ولهذا، أصبحت الرقابة الذاتية هي الاستجابة الأكثر انتشاراً.

اقرأ أيضاً: أهمية المنصات التعليمية عبر الإنترنت للشركات

يقول تشانغ، وهو منتج فيديوهات حول أسلوب الحياة، ولم يستخدم شهرته حماية لسلامته: "لقد وصلت مستويات الرقابة الذاتية على منصة دوين إلى مستويات تكاد تكون مدعاة للضحك". وقد أرسل تشانغ لقطة شاشة للمئات من الكلمات التي تطلب وكالات التسويق من المنتجين عدم استخدامها في المقاطع التي ينتجونها، بدءاً من الكلمات النابية والكلمات المعبرة عن معتقدات خرافية، وصولاً إلى المصطلحات الطبية التي يمكن أن تعبر عن المبالغة في تأثير المنتج. ويُقال للمنتجين إن استخدام هذه الكلمات يمكن أن يؤدي إلى احتمال تعليق حساباتهم من قبل المنصات.

وبالنسبة لتشانغ، سيكون اكتشاف الثغرات في مجموعة القواعد الجديدة أمراً ضرورياً. ويقول: "إذا اعتمدت على هذا الدليل المعلن وحسب للقيام بعملك، فسوف تشعر بأنك مقيد إلى درجة تمنعك من فعل أي شيء. ولكن، إذا كنت أكثر خبرة في هذه الصناعة، فسوف تتعلم كيفية كشف الثغرات، أو القواعد التي لم يتم فرضها بصرامة".

المحتوى محمي