يطلق جيم كانتريل على نفسه لقب "أحد الآباء الفكريين لشركات إطلاق الصواريخ الصغيرة". ويجب أن نعترف بأنه يستحق هذا اللقب؛ فعندما أسس إيلون ماسك شركة سبيس إكس في 2002، أصبح كانتريل أول من يشغل منصب نائب الرئيس لتطوير الأعمال في الشركة. ولعبت خبراته دوراً هاماً للغاية في تطوير أول صاروخ للشركة، فالكون 1.
ولاحقاً، أسس كانتريل ستراتيجيك سبيس ديفيلوبمينت (ستراتسبيس)، التي عملت على مشاريع مثل بعثة أوزيريس ريكس التي أرسلتها ناسا إلى الكويكب بينو، وتجربة منظمة بلانيتاري سوسايتي لتكنولوجيا الأشرعة الشمسية في الفضاء. كما أنه أحد مؤسسي مون إكسبريس ومسؤولها التكنولوجي الرئيسي، وهي شركة تسعى إلى التنقيب عن الموارد في القمر يوماً ما.
علاوة على ذلك، فهو خبير في مخاطر هذه الصناعة؛ حيث تؤدي الإخفاقات إلى نتائج متفجرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. غير أن مون إكسبريس، التي وصلت إلى المرحلة الأخيرة في مسابقة جوجل لونار إكس برايز (منافسة بقيمة 30 مليون دولار للهبوط بعربة جوالة على القمر، وقد تم إلغاؤها لاحقاً) لم تصل فعلياً إلى الفضاء حتى الآن، ناهيك عن الوصول إلى القمر.
أما أحدث عمل يركز عليه كانتريل حالياً فهو فانتوم سبيس، وهي شركة ناشئة من بين العديد من الشركات الناشئة الجديدة التي تحاول الاستفادة من الازدهار الصاعد في مجال تصاميم الأقمار الاصطناعية الأصغر حجماً والأقل تكلفة، وبناء صواريخ قادرة على تلبية الطلب المتزايد لإطلاق هذه الحمولات إلى المدار. ولكن، وتماشياً مع الأسلوب المعتاد لكانتريل، فإن فانتوم تسعى إلى تحقيق النجاح بالسباحة عكس التيار.
تمثل عمليات إطلاق الرحلات التشاركية أحد أهم التوجهات الجديدة في مجال الصواريخ؛ حيث يشتري الزبائن الأماكن المتاحة لحمولاتهم على صاروخ متوسط الحجم بموعد إطلاق محدد. وعادة ما تكون هذه الطريقة أقل تكلفة بالنسبة للزبائن لإيصال حمولاتهم إلى الفضاء من عمليات إطلاق منفردة؛ ففي برنامج النقل المشترك لسبيس إكس، يكلف إطلاق حمولة بوزن 200 كيلوجرام مبلغ مليون دولار، ويستطيع صاروخ فالكون 9 نقل حمولة إجمالية تصل إلى 22,800 كيلوجرام إلى المدار الأرضي الأدنى. وقد أطلقت الشركة بعثة مخصصة للنقل المشترك في 21 يناير، حيث نقلت إلى المدار عدداً قياسياً من الأقمار الاصطناعية يساوي 143 قمراً. وستتبعها ببعثة مشابهة في يونيو. وفي تغير مفاجئ في مارس، كشفت روكيت لاب -التي لطالما كانت تقاوم فكرة بناء صواريخ أكبر- الستارَ عن صاروخ نيوترون، المصمم خصيصاً لعمليات إطلاق الرحلات التشاركية، والتنافس مع صاروخ فالكون 9 التابع لسبيس إكس.
غير أن النقل المشترك ليس مجال فانتوم؛ حيث إن هذه الشركة تريد ترك أثرها في مجال الفضاء عن طريق تصنيع الصواريخ الصغيرة بأعداد كبيرة وإطلاق 100 صاروخ في السنة. يقول كانتريل: "نرغب في تكرار تجربة الصناعي هنري فورد، ولكن في مجال الفضاء. وسنعمل على تطوير عملنا بطريقة معاكسة لوجهة النظر الشائعة". لم يبتكر هنري فورد السيارة من جديد، ولكنه أعاد ابتكار طريقة تصنيعها، وبنفس الطريقة، لا تسعى فانتوم إلى إعادة ابتكار الصواريخ، بل أسلوب إنتاجها.
ولكن كيف؟
عندما بدأت سبيس إكس بالعمل، كانت سلاسل التوريد لشركات الفضاء والطيران التي تحاول الوصول إلى المدار مندمجة مع النظام المالي لوزارة الدفاع الأميركية. وللمحافظة على استقلاليتها عن هذا النظام، قررت سبيس إكس أن تبني كل شيء بنفسها، معتمدة على ثروة ماسك واستثمارات ضخمة للحفاظ على استمرارها خلال عدة سنوات من المصاريف والخسائر. وقد كانت هذه مراهنة بعيدة الأمد أثبتت لاحقاً أنها رابحة.
غير أن مؤسسي فانتوم وجدوا أنهم غير مضطرين للعمل بنفس الطريقة. وحتى خلال السنوات الخمس المنصرمة، أصبحت سلاسل التوريد في صناعة الفضاء والطيران أكثر مرونة وتنافسية؛ ما يعني أن فانتوم تستطيع ببساطة شراء القطع المحددة التي تحتاج إليها بدلاً من بناء كل شيء من الصفر. وعلى سبيل المثال، فإنها تشتري محركات مصنوعة بالطباعة المجسمة من شركة أورسا ميجور في كولورادو. وبالنسبة لتصميم حاسوب الطيران فقد تم ترخيصه من ناسا، ويعتمد على لوحة بيجلبون بلاك، التي يبيعها بعض الموزعين بمبلغ 50 دولار تقريباً. أما بعض المكونات الأخرى، مثل البطاريات وأنظمة القياس، فتشتريها الشركة عن طريق سلاسل التوريد الخاصة بأنظمة الدفاع الصاروخي.
وبالتالي، فإن التشبه بهنري فورد ليس فقط مجرد إلهام للشركة، بل نموذج عمل فعلي. يقول أحد مؤسسي الشركة، مايكل دانجلو، إن شركات السيارات والصواريخ تتبع منحنيات نمو متشابهة؛ حيث تؤدي مضاعفة الإنتاج إلى ظهور المفعول الاقتصادي لتضخيم العمل، والمترافق أيضاً بفعالية أكبر وأخطاء إنتاجية أقل. وهو نفس المنحنى الذي تتبعه عمليات إنتاج الحواسيب والأجهزة المحمولة. كما يقول إن سلاسل التوريد الحالية ناضجة بما يكفي لاستيعاب الإنتاج بالسرعة التي ترغب فانتوم في تحقيقها.
حالياً، تسعى الشركة إلى إنتاج نوعين من الصواريخ. النوع الأول هو صاروخ دايتونا بطول 18.7 متر، الذي يُفترض أن يكون قادراً على نقل حوالي 450 كيلوجراماً إلى الفضاء. وقد يكون هذا الصاروخ الأكبر في ما يمكن أن نطلق عليه اسم فئة الصواريخ الصغيرة، ولكن وفقاً لكانتريل، فإن تحليل الشركة يشير إلى أن هذا هو الحجم الأمثل لتحقيق أعلى ربح ممكن. وأيضاً، هناك صاروخ لاجونا بطول 20.5 متر، والقادر على نقل حمولات تصل إلى 1,200 كيلوجرام. وتعمل فانتوم على تطوير نسخة من لاجونا بمرحلة أولى صالحة للاستخدام المتكرر كمعزز صاروخي، على غرار فالكون 9 من سبيس إكس (بأسلوب هبوط عمودي مماثل).
تأمل فانتوم سبيس في ملء ثغرة في السوق؛ فعلى الرغم من انخفاض تكاليف النقل المشترك، فإن العملاء لا يتمتعون بتأثير واضح على سير البعثة. ويمكن تشبيه بعثة النقل المشترك بالقطار، فكلاهما يسلك مساراً محدداً مسبقاً. فإذا رغبت في إرسال قمر اصطناعي إلى مدار أو مسار مختلف، يجب أن تقوم بتركيب نفاثات مكلفة لنقله إلى هناك. أو قد تضطر لتغيير طريقة عمله بحيث تتناسب مع المدار الجديد، أو تتحمل مداراً غير مناسب تماماً، أو قد تضطر ببساطة لحجز مكان في بعثة مختلفة. كما أنك في حاجة إلى شيء من الحظ حتى يتسع المكان لقمرك الاصطناعي مع جميع الحمولات الأخرى، حيث إن هذه الرحلات محجوزة بالكامل.
وعلى الرغم من أن الإطلاق باستخدام صاروخ صغير قد يكلف مبلغا إضافياً، فإنه يمنح الزبون إمكانية السيطرة على الرحلة. فإذا كان لديك بعثة بمتطلبات محددة للغاية، مثل استبدال قمر اصطناعي محدد ضمن مجموعة، أو إطلاق تجهيزات حساسة، أو إجراء تجربة تكنولوجية مكلفة، فقد ترغب في اللجوء إلى رحلة مخصصة لك بدلاً من رحلة مشتركة. يقول ريان مارتينو، وهو مهندس أنظمة فضائية في مختبر ديناميك الفضاء في يوتاه: "يوجد بالتأكيد اهتمام وطلب لعمليات الإطلاق التي تعتمد على الإطلاق بالصواريخ الصغيرة".
ويعتقد كانتريل أن فانتوم سبيس تستطيع تلبية هذا الطلب دون استهلاك ميزانيتها بالكامل. ووفقاً لتقديراته، فإن مقاربة الشركة يمكن في الواقع أن تعرض عمليات الإطلاق بثلث سعر نموذج النقل المشترك.
ولكن، بطبيعة الحال، يجب أن تتمكن الشركة أولاً من الوصول إلى الفضاء فعلياً. وتهدف إلى إطلاق دايتونا في رحلته الفضائية الأولى في 2023. يقول كانتريل إن نسبة الوثوقية في أول أربع عمليات إطلاق للصواريخ الجديدة تساوي كلاسيكياً 50%. وتقوم خطط فانتوم، إلى درجة ما، على افتراض وصول رحلة واحدة على الأقل إلى المدار. وقد وقعت مؤخراً عقد إيجار مع سلاح الجو لموقع إطلاق في قاعدة فاندينبيرج الجوية في كاليفورنيا، وتسعى حالياً إلى الحصول على ترخيص للإطلاق من كيب كانافرال بفلوريدا أيضاً، وهي خطوات هامة إذا كانت تهدف حقاً إلى تنفيذ 100 عملية إطلاق في السنة.
أيضاً، تريد فانتوم سبيس بناء الأقمار الاصطناعية، بحيث تصبح قادرة على تأمين جميع احتياجات الزبائن بنفسها. ويُفترض أن استحواذها على شركة ستراتسبيس مؤخراً خطوة أساسية في هذا المجال من الأعمال. وتعكف الشركة على تطوير نماذج أولية لمجموعات الأقمار الاصطناعية للزبائن، وهي جزء من مجموعة تعمل على تطوير بعثة علمية تجارية التمويل بقيمة 1.2 مليار دولار (لن تفصح الشركة عن تفاصيل محددة قبل مرور بضعة أشهر). كما أنها كانت تعمل بصمت على شبكة اتصالات باسم فانتوم كلاود، وهي بشكل أساسي شبكة تستطيع الأقمار الاصطناعية الأخرى استخدامها للتواصل مع بعضها البعض أو مع الأنظمة على الأرض. ويطلق عليها كانتريل اسم "إنترنت الأقمار الاصطناعية للفضاء".
في الواقع، لا تحتاج فانتوم إلى التغلب على سبيس إكس وغيرها من شركات صنع الصواريخ الكبيرة، بل تحتاج فقط إلى أن تحافظ على نفسها وحسب. يقول مارتينو: "مع نضج سوق الصواريخ الصغيرة، أعتقد أننا سنرى مجموعة متنوعة للغاية من الزبائن الذين يستفيدون من هذه الإمكانية. وأعتقد أنه من غير المرجح أن نوعاً واحداً سيهيمن على باقي الأنواع ويطمسها".
ويقول كانتريل إن التعايش أمر جيد: "نحن نعترف بأن سبيس إكس تمكنت من تطوير نظام نقل فضائي رائع وصالح للاستخدام المتكرر، ولكنني أعتقد أنه يمثل واحداً من نظامين اقتصاديين -على الأقل- مختلفين في بيئة النقل الفضائي". ويأمل بأن شركة فانتوم سبيس ستحقق الريادة في النظام الآخر.