السعودية تبتكر حلولاً لمواجهة تحديات صناعة السيارات الكهربائية

5 دقيقة
السعودية تبتكر حلولاً لمواجهة تحديات صناعة السيارات الكهربائية
حقوق الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية. تصميم: مهدي أفشكو.

ملخص: بلغ حجم سوق السيارات الكهربائية في المنطقة 35 مليون دولار في 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى 84 مليون دولار بحلول 2026 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 15%. وتشير تقييمات الإسكوا إلى أن الإمارات والسعودية ومصر والمغرب ستكون من أبرز الأسواق المزدهرة في هذا القطاع. تسعى السعودية لتطوير صناعة السيارات الكهربائية كجزء من رؤية 2030. أطلقت المملكة شركة سير كأول علامة تجارية سعودية في هذا المجال في نوفمبر 2022، ووقّعت عقداً بقيمة 8.2 مليارات ريال مع هيونداي ترانسيس لتزويد سياراتها بنظام قيادة كهربائي متكامل. وافتتحت مجموعة لوسِد جروب منشأتها الثانية في رابغ في سبتمبر 2023، باستثمارات 16.4 مليار ريال، وتطمح لإنتاج 155 ألف سيارة عند اكتمال المشروع. تسعى المملكة إلى إنتاج 500 ألف سيارة كهربائية سنوياً بحلول 2030 وتستثمر في استخلاص الليثيوم وتطوير البنية التحتية لتلبية الطلب المستقبلي في هذا المجال. ولدعم الوصول إلى هذا الهدف، أطلق صندوق الاستثمارات العامة والشركة السعودية للكهرباء شركة "إيفيك" للبنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية في أكتوبر 2023، بهدف إنشاء أكثر من 5,000 شاحن سريع بحلول 2030.

بلغت القيمة الإجمالية لسوق السيارات الكهربائية في المنطقة 35 مليون دولار فقط عام 2020 ولكنها في طريقها للوصول إلى 84 مليون دولار بحلول عام 2026 بمعدل نمو سنوي مركب يعادل 15% خلال هذه الفترة. وحسب تقييم الإسكوا لسوق قطاع السيارات الذي يغطي خمس سنوات، فإن أبرز الأسواق المتوقع أن تشهد ازدهاراً على مستوى السيارات الكهربائية في المنطقة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والمغرب.

وتعد صناعة السيارات من الصناعات الأساسية التي تسعى كل دولة لبناء قاعدة صناعية قوية فيها. وحاولت السعودية في أوقات مختلفة تطوير قدراتها في هذا المجال، ولكنها لم تحقق النجاح المطلوب. ومع ذلك، أصبحت الفرصة أكثر وضوحاً مع تطور قطاع السيارات الكهربائية إذ تسعى السعودية لتنمية هذه الصناعة محلياً ضمن مستهدفات رؤية 2030.

اقرأ أيضاً: مقابلة مع أول إماراتية تدير مصنع سيارات: الدكتورة ماجدة العزعزي

مبادرات لتطوير القطاع

أطلقت المملكة في نوفمبر 2022 شركة سير، كأول علامة تجارية سعودية في مجال السيارات الكهربائية. وفي يونيو/حزيران 2024، وقّعت سير والشركة المتخصصة في معدات التكنولوجيا الأصلية، عقداً بقيمة 8.2 مليارات ريال مع شركة هيونداي ترانسيس. وبموجب هذا العقد، ستزوِّد هيونداي ترانسيس سيارات سير بنظام قيادة كهربائي متكامل (EDS) الذي يجمع بين المحرك، والعاكس، وترس التخفيض في وحدة واحدة، ما يحسّن تحويل الطاقة ويضبط العزم ويعزز كفاءة الطاقة. وفي سبتمبر 2023، افتتحت مجموعة لوسِد جروب، التي يمتلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصة الأغلبية فيها، منشأتها الثانية AMP-2 في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية برابغ، وهي أول منشأة دولية لها باستثمارات تصل إلى 16.4 مليار ريال. سيسهم المصنع في إنتاج 5 آلاف سيارة في مرحلته الأولى، ويطمح للوصول إلى 155 ألف سيارة عند اكتماله. وسيلعب هذا المصنع دوراً مهماً في تحقيق هدف تحويل 30% من المركبات في السعودية إلى كهربائية بحلول عام 2030.

التحدي الأول: كلفة السيارات الكهربائية

يعتمد انتشار السيارات الكهربائية على عاملين رئيسيين وفقاً لمدير التنقل الكهربائي في شركة "بي دبليو سي الشرق الأوسط" (PWC) هايكو سيتز: الأول هو كلفة امتلاك السيارة مقارنة بسيارات محركات الاحتراق الداخلي. ففي أوروبا، السيارات الكهربائية أرخص بنسبة 15% مقارنة بالسيارات التقليدية، دون دعم حكومي. لكن في الشرق الأوسط، أسعار السيارات الكهربائية لا تزال مرتفعة نسبياً وهو ما تحاول المملكة مجابهته من خلال توطين هذه الصناعة لإتاحة السيارات الكهربائية بأسعار تنافسية. أمّا العامل الثاني فهو محدودية الخيارات المتاحة، إذ تشكّل السيارات الكهربائية 15% من الطرازات في أوروبا مقابل 5% فقط في الشرق الأوسط، ما يحدُّ من المنافسة والاختيار في المنطقة. وهنا أيضاً، تسعى المملكة إلى تنويع الخيارات، فبالإضافة إلى الطرازات المستوردة، ستقدم طرازات محلية الصنع تحاكي احتياجات السوق السعودية.

التحدي الثاني: كفاءة السيارة والمحرك

تبرز بعض المشاريع البحثية التي تهدف إلى تحسين كفاءة السيارات الكهربائية وتقليل تكاليف البنية التحتية المرتبطة بها. على سبيل المثال، تعمل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المملكة العربية السعودية على مبادرات ومشاريع عدة تسعى إلى تقليل تكاليف صناعة وتركيب محطات الشحن العامة، وتطوير بطاريات أكثر كفاءة من حيث السرعة في الشحن والسعة التخزينية.

ولتخفيف مخاطر الحرارة على البطاريات في أثناء تطوير بطاريات قابلة لإعادة الشحن ذات كثافة طاقة عالية (>400 واط/كيلوغرام) وديمومة عالية (>1000 دورة شحن)، يجب اتباع إجراءات صارمة لتحسين إدارة الحرارة والتبريد. تتضمن هذه الإجراءات استخدام مواد متقدمة تتمتّع بقدرة عالية على التوصيل الحراري وتطوير أنظمة تبريد فعّالة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحسين كفاءة محركات الدفع الكهربائية من 90% إلى 95% بحلول عام 2029 من خلال تحسين تصميم المحرك واستخدام تقنيات مبتكرة في المواد وتقليل الخسائر في التحويل الكهربائي الميكانيكي وتطوير إلكترونيات التحكم المتقدمة.

ومع تزايد الاهتمام بالاستدامة البيئية، تنمو الحاجة إلى تقنيات تخزين الطاقة التي تتميز بالكفاءة البيئية. ومن بين المشاريع البارزة في هذا السياق، أبحاث جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لتطوير مكثف فائق هجين عالي الأداء وخال من التفرعات من أيونات الزنك (ZIHSC) الذي يعمل لجهة تزويد المركبة الكهربائية بالطاقة. يتمثل الابتكار في الدمج بين مزايا البطاريات والمكثفات الفائقة، ويقدّم بديلاً اقتصادياً وآمناً وصديقاً للبيئة لأنظمة تخزين الطاقة التقليدية. ومن خلال عملية ترسيب صفائح نانوية من الزنك على شبكة من الفولاذ المقاوم للصدأ، يُتيح هذا الابتكار تحسين الأداء الكيميائي الكهربائي للمكثف الهجين بشكلٍ كبير عن طريق زيادة المواقع النشطة وتقليل تكوّن التفرعات. وأظهر المكثّف الهجين كثافات طاقة بلغت 84 واط/كيلوغرام عند تيار 0.5 أمبير/غرام، وكثافات طاقة وصلت إلى 400 واط/كيلوغرام. كما أظهر سعة نوعية بلغت 236 فاراد/غرام عند تيار 0.5 أمبير/غرام. وقد حقق المكثف الفائق الهجين من أيونات الزنك قدرة تحمل كبيرة وأداء طويل الأمد مع احتفاظ بسعة 95% بعد عددٍ كبير من الدورات.

اقرأ أيضاً: لماذا يعتبر توفر محطات الشحن الكافي ضرورياً لانتشار السيارات الكهربائية؟

التحدي الثالث: قلة محطات الشحن

قلة السيارات الكهربائية في شوارع الرياض تعكس تحديات القطاع في المملكة، إذ استوردت الدولة 779 سيارة كهربائية فقط في 2023. كما أن عدد محطات الشحن السريعة محدود جداً، إذ لا يتجاوز 20 محطة، منها 8 في الرياض. ويعتبر توفير محطات الشحن أحد أكبر التحديات أمام انتشار السيارات الكهربائية في المملكة. رغم ذلك، تعتبر الجهات المعنية هذه التحديات فرصة استثمارية في سوق عالمية متنامية، يُتوقع أن تصل إلى 12.1 مليار دولار في 2030.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن صندوق الاستثمارات العامة والشركة السعودية للكهرباء عن إطلاق شركة "إيفيك" المتخصصة في بنية تحتية لشحن السيارات الكهربائية، التي يمتلك صندوق الاستثمارات العامة 75% من أسهمها، بينما تمتلك الشركة السعودية للكهرباء 25%. ويوضّح الرئيس التنفيذي لشركة "إيفيك"، محمد القزاز، أن البنية التحتية للشحن غالباً ما تتأخر عن تبني السيارات الكهربائية بسبب كلفتها العالية. وتهدف الشركة إلى إنشاء شبكة من أكثر من 5,000 شاحن سريع في أكثر من 1,000 موقع بحلول عام 2030، ما يعزز استخدام السيارات الكهربائية في المملكة. إنما، ووفقاً لسيتز، هذا الرقم لا يكفي، إذ تشير دراسة إلى حاجة السعودية إلى 60 ألف نقطة شحن بحلول 2030.

ويتوقع سيتز أن تفرض الحكومة إدخال البنية التحتية لمحطات الشحن في المشاريع العقارية الجديدة أما القزاز فأشار إلى أن هذه المسألة قيد النقاش لتعزيز انتشار السيارات الكهربائية، دون أن يذكر "فرضاً"، لكنه أكد على أهمية الشراكات مع المطورين والهيئات الحكومية.

وفي سياق المبادرات لإيجاد حلول مبتكرة لهذا الموضوع، أطلقت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن مشروعاً يهدف إلى تقليل تكلفة محطات الشحن من المستوى الثاني بنسبة 10%، وتحديداً من 1000 دولار إلى 900 دولار. هذه المحطات توفر شحناً أسرع مقارنة بمحطات الشحن من المستوى الأول، ما يجعلها حيوية في دعم البنية التحتية للسيارات الكهربائية.

حلول للمواجهة

يمثل الدعم الحكومي والتمويل عاملين حاسمين في نجاح المشاريع. على سبيل المثال، تستفيد جامعة الملك فهد للبترول والمعادن من الدعم الذي توفره السلطات السعودية عبر هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، التي تأسست لدعم البحث والتطوير والابتكار في مختلف المجالات. وهي تعمل على تنسيق نشاطات المؤسسات البحثية والعلمية، وتقترح السياسات والتشريعات والتنظيمات التي تسهل عملها، كما يمكن أن تقدم التمويل اللازم للمشاريع البحثية.

تسعى المملكة إلى إنتاج 500 ألف سيارة كهربائية سنوياً بحلول عام 2030. ولتحقيق هذا الهدف، تلتزم بشراء الليثيوم لدعم جهودها في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، كما تعمل على استخلاص الليثيوم، وهو معدن أساسي لبطاريات السيارات الكهربائية، من المياه المالحة بالتعاون مع شركة أرامكو. بالإضافة إلى ذلك، تستكشف شركة منارة المعادن، التي هي مشروع مشترك بين شركة التعدين العربية السعودية (معادن) وصندوق الاستثمارات العامة، فرص الاستثمار في إنتاج الليثيوم في تشيلي.

كما وبدأت اتفاقيات دولية عديدة في الظهور تتعلق بالمواد الخام للبطاريات. فوقّعت المملكة العربية السعودية عام 2021 اتفاقيات مع شركة أسترالية هي "إي في ميتالز غروب"، للاستثمار بقيمة 3 مليارات دولار في مصانع معالجة الليثيوم والنيكل، بالإضافة إلى طلبات الترخيص للتنقيب عن هذه المعادن. وفي مقابلة مع بلومبرغ في أكتوبر 2021، قال الرئيس التنفيذي لشركة معادن، عبد العزيز الحربي: "في السنوات العشر إلى العشرين المقبلة، سننفق مبالغ ضخمة من المال للتنقيب عن هذه المعادن في المملكة".

المحتوى محمي