تعرّف إلى السبب المباشر لتراجع قطاع الإنشاء مقارنة بغيره

8 دقيقة
تعرّف إلى السبب المباشر لتراجع قطاع الإنشاء مقارنةً بغيره
ستيفاني آرنيت (Stephanie Arnett)/إم آي تي تكنولوجي ريفيو | أدوبي ستوك، إنفاتو، رو بيكسل، عمل خاضع للملكية العامة

وجهات النظر المتفاوتة التي قدّمها كلٌ من ترامب وهاريس لها تبعات ليس فقط على الطرق المتبعة لخفض أسعار المنازل، بل على نظرتنا إلى أهمية بناء المزيد من المنازل بسرعة أكبر. بالإضافة إلى ذلك، يكشف هذا الاهتمام بمسألة أزمة الإسكان مشكلة أعم يعانيها قطاع الإنشاء على نطاقٍ واسع، وهي أن هذا القطاع لم يتبنَّ التكنولوجيا على مدى عقود، وأصبح أقل إنتاجية خلال العقود الخمسة الأخيرة.

سبب الارتفاع الحالي في تكلفة الإسكان واضح بالنسبة لأغلبية خبراء الاقتصاد، وهو نقص العرض. ببساطة، نحن لا نبني ما يكفي من المنازل والشقق، وهذا أمر مستمر منذ سنوات. تعاني الولايات المتحدة نقصاً في المنازل التي تتسع لعائلة واحدة يتراوح من نحو 1.2 مليون منزل إلى أكثر من 5.5 ملايين منزل، ويختلف ذلك تبعاً لطريقة الإحصاء.

يعاني قطاع الإنشاء بأكمله مشكلات الإنتاجية، وليس فقط مجال الإسكان. من الأشخاص الذين يدعون إلى اعتماد الطاقة النظيفة ويحلمون باستخدام الطاقة المتجددة وتطوير شبكة الكهرباء الموسعة إلى شركات التكنولوجيا التي تتسابق لتطوير مراكز البيانات، يبدو أن الجميع يتفق على الحاجة إلى بناء المزيد من المنازل بسرعة. مع ذلك، الأمر الواقع هو أن بناء أي شيء أصبح مكلفاً أكثر ويستغرق وقتاً أطول.

على مدى عقود من الزمن، تجاهلت الشركات في مختلف مجالات القطاع غالباً الطرق التي يمكن تطبيقها لتعزيز كفاءة عملياتها؛ إذ إنها تجنّبت تطبيق علم البيانات وأساليب الأتمتة التي أدّت إلى إحداث تغيير شامل في القطاعات الأخرى من الاقتصاد. وفقاً لتقديرات مركز ماكنزي العالمي للأبحاث، فإن قطاع الإنشاء، الذي يمثّل أحد أهم القطاعات في الاقتصاد العالمي، هو أقل قطاع رئيسي خاضع للرقمنة في العالم، كما أنه ليس قريباً من أن يكون مرقمناً حتى.

في الواقع، فنحن سنواجه حقيقة مؤلمة حتى لو خففنا حدّة مشكلة التأخير الكبير في إصدار التصاريح وبدأنا بتخفيف الإجراءات الروتينية، وهي أن قطاع الإنشاء لا يتمتّع بكفاءة عالية في البناء.

اقرأ أيضاً: المنازل المطبوعة يمكن أن تساعد في حل أزمة السكن بأسعار معقولة

الحقيقة المروعة

الإنتاجية هي المقياس الأدق للتقدم الطويل الأمد في قطاع ما، على الأقل وفقاً لخبراء الاقتصاد. من الناحية الفنية، الإنتاجية هي مقياس لمدى قدرة العامل على الإنتاج، ومع اعتماد الشركات ممارسات أكثر كفاءة وتكنولوجيات جديدة، تزداد الإنتاجية وتزداد معها قدرة الأعمال التجارية على صُنع المنتجات (المنازل والمباني في هذه الحالة) بوتيرة أسرع وبتكلفة أقل. مع ذلك، حدث أمر صادم في قطاع الإنشاء؛ إذ يبدو أن الإنتاجية لم ترتفع، بل تراجعت خلال العقود القليلة الماضية.

بيّن باحثان من كبار خبراء الاقتصاد في جامعة شيكاغو في ورقة بحثية صدرت مؤخراً بعنوان "المسار الغريب والمروع للإنتاجية في قطاع الإنشاء في الولايات المتحدة الأميركية" أن زيادة الإنتاجية في قطاع الإنشاء في الولايات المتحدة توقفت منذ عام 1970 تقريباً. قياس الإنتاجية معروف بأنه صعب، لكنّ هذين الباحثين أجريا الحسابات اللازمة لقياسها في أحد المجالات الرئيسية في قطاع الإنشاء، وهو الإسكان. اكتشف الباحثان أن عدد المنازل أو المساحة الإجمالية بالمتر المربع (خُذ في الاعتبار أن مساحة المنازل تزداد) المبنية لكل موظف واحد سنوياً ظل ثابتاً أو انخفض خلال العقود الخمسة الأخيرة، كما يعتقدان أن غياب الازدياد في الإنتاجية ينطبق في مختلف أنواع الإنشاء.

يعترف أحد المؤلفَين، تشاد سيفرسون، بأنه لا يزال يحاول تحديد السبب بدقة، ويقول إن هذا السبب "يتعلق بعدة عوامل على الأرجح". على الرغم من أن سيفرسون يقول إن تحديد التأثير الدقيق للعوامل المختلفة في الإنتاجية صعب، ويشمل ذلك تأثير الإجراءات التنظيمية الروتينية والنزاعات السياسية التي غالباً ما تؤخر أعمال الإنشاء، فإن "عدم الكفاءة التشغيلية هو من المشكلات التي يعانيها القطاع، وهذا أمر لا شك فيه". بتعبير آخر، يعاني هذا القطاع تراجعاً في الابتكار ببساطة.

يقول سيفرسون إن تراجع الإنتاجية في قطاع الإنشاء على مدى العقود الخمسة الأخيرة في الوقت الذي شهدت فيه القطاعات الأخرى جميعها نمواً هائلاً هو "ظاهرة مذهلة حقاً"، ولكن بالمعنى السلبي للعبارة.

في المقابل، نما قطاع التصنيع في الولايات المتحدة بمعدل يتراوح من 2% و3% سنوياً خلال الفترة نفسها. بالنتيجة، أصبح العمال في قطاع السيارات الآن ينتجون عدداً أكبر بكثيرٍ من السيارات مقارنة بما كانوا ينتجونه في الماضي، ما أدّى إلى انخفاض تكلفة السيارات إذا ضبطنا الأسعار وفقاً للتضخم (وارتفاع جودتها وأمانها وفقاً لأغلبية المقاييس أيضاً).

وفقاً لمركز ماكنزي العالمي للأبحاث، الذي تتبع خبراؤه قطاع الإنشاء على مدى عقد من الزمن تقريباً، لا تقتصر مشكلة الإنتاجية في قطاع الإنشاء على الولايات المتحدة الأميركية فقط. وفقاً لقائد البحث من مركز ماكنزي العالمي للأبحاث، يان ميشكه، فإن أداء قطاعات الإنشاء في الدول الأخرى جميعها من حيث الإنتاجية لا يضاهي نظيره في الولايات المتحدة سوءاً بالضرورة، لكن الإنتاجية العالمية لقطاع الإنشاء ظلت ثابتة خلال العقود القليلة الماضية.

يقول ميشكه إنه بالإضافة إلى زيادة التكاليف وتعريض الجدوى المالية للعديد من المشروعات المخطط لها للخطر، فإن تراجع الإنتاجية "ينعكس في مختلف المشكلات المعروفة والحالات التي يحدث فيها تجاوز للوقت والتكلفة والمخاوف بشأن الجودة والحاجة إلى إعادة العمل على بعض المشروعات، والمشكلات كلّها التي قد يشهدها أي أحد بنى أي شيء على الإطلاق".

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي قد يساعد شركات الإنشاءات على إسراع وتيرة أعمالها ووقاية العاملين من الحوادث

طبيعة قطاع الإنشاء تجعل تحسين العمليات القائمة منذ زمن واعتماد تكنولوجيات جديدة صعباً، ويقول ميشكه: "تتحسن كفاءة أغلبية القطاعات الأخرى بمرور الوقت من خلال تكرار العمليات نفسها مرات عدة؛ إذ إن خبراء هذه القطاعات يتعلمون ويعززون مهاراتهم. هذه الظاهرة مفقودة في قطاع الإنشاء، الذي يبدأ فيه كل مشروع من الصفر ويعيد اختراع الأساسيات".

يعتقد ميشكه أيضاً أن افتقار القطاع للإنتاجية ناجم عن سبب آخر، وهو "الحوافز غير المتوافقة" للجهات الفاعلة المختلفة، التي تستطيع غالباً جني المزيد من الأرباح كلما طال أمد المشروع أكثر.

على الرغم من أن التحديات التي تواجه قطاع الإنشاء مترسخة، يُضيف ميشكه قائلاً إن شركات البناء تستطيع اتخاذ إجراءات للتغلّب عليها من خلال اعتماد التكنولوجيا الرقمية وتطبيق المزيد من العمليات الموحدة وتعزيز كفاءة الممارسات التجارية التي تتبعها.

"تتحسن كفاءة أغلبية القطاعات الأخرى بمرور الوقت من خلال تكرار العمليات نفسها مرات عدة؛ لكن هذه الظاهرة مفقودة في قطاع الإنشاء".

هذه مشكلة مُلحّة بالنظر إلى أن العديد من البلدان يسارع لبناء المنازل وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وتحديث البنى التحتية مثل الطرق والمطارات. يحذّر الباحثان من مركز ماكنزي العالمي للأبحاث في التقرير الحديث من مخاطر عدم تحسن الإنتاجية قائلَين: "قد يؤدي ذلك إلى التأخير في تحقيق صافي الانبعاثات الكربونية الصفري، كما أنه قد يؤخّر النمو ويعوق البلدان عن تلبية احتياجات مواطنيها المتعلقة بالبنى التحتية والإسكان".

يقول الباحثان أيضاً إن هناك جانباً إيجابياً لغياب التقدم في أغلبية قطاع الإنشاء؛ إذ إن الشركات التي تبدأ تحسين كفاءتها قد تكتسب ميزة تنافسية كبيرة.

الاستفادة من البيانات

عندما بدأت جِت كي تشين العمل مع شركة سافولك كونستركشن (Suffolk Construction) بصفتها الرئيسة التنفيذية للبيانات عام 2017، كان هذا المنصب فريداً من نوعه في القطاع. لكن تشين، الحاصلة على درجة الدكتوراة في الفيزياء التجريبية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمتمتعة بخبرة تمتد إلى 10 سنوات في العمل مع مركز ماكنزي العالمي للأبحاث، أضافت إلى هذه الشركة الكبيرة التي مقرها مدينة بوسطن الأميركية خبرات فنية وإدارية غالباً ما تفتقد لها شركات الإنشاء. لاحظت تشين أن مشروعات الإنشاء الكبيرة، ومنها المباني السكنية الشاهقة ومراكز البيانات الضخمة التي تبنيها شركة سافولك عادة، تولّد كميات هائلة من البيانات المفيدة.

اقرأ أيضاً: نظام ذكاء اصطناعي يمسح مواقع البناء للكشف عن التأخيرات والتباطؤ في العمل

في ذلك الوقت، كانت أغلبية البيانات معزولة؛ إذ تركزت المعلومات حول تقدم مشروع ما في مكان واحد، بينما تركزت تلك المتعلقة بجدولة المشروع في مكان آخر، وتركّزت التقارير وبيانات الأمان والسلامة في مكان آخر. تقول تشين: "كانت هذه الأنظمة معزولة فيما بينها، وكان من الصعب جداً تحقيق الترابط المتبادل بينها". كان جمع هذه البيانات بطريقة تُتيح فهمها واستخدامها عبر الأعمال التجارية المختلفة من المهمات الأولى التي أجرتها تشين.

تقول تشين، التي تشغل حالياً منصب الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا في شركة سافولك: "تتحدث شركات الإنشاء جميعها تقريباً الآن عن كيفية استخدام بياناتها بكفاءة أكبر"، وتُضيف قائلة إنه منذ توظيفها، "عيّنت بعض الشركات الأخرى رؤساء تنفيذيين للبيانات". لكن على الرغم من هذه المؤشرات المشجعة، تعتقد تشين أن الجهود الهادفة لتحسين الإنتاجية في قطاع الإنشاء لا تزال غير مكتملة.

أحد الأهداف البديهية التي لا يزال العمل عليها قائماً هو الوثائق العديدة التي تخضع للمراجعة على نحو مستمر بينما تنتقل من المعماريين إلى المهندسين ثم إلى المقاولين الفرعيين. تمثّل هذه الوثائق شريان الحياة في أي مشروع إنشائي، وتقول تشين إن "عملية المراجعة بعيدة كل البعد عن السلاسة". يستخدم المعماريون والمقاولون الفرعيون برمجيات مختلفة أحياناً، بينما يتداول العاملون في القطاع الوثائق الملزمة قانونياً التي توضّح تفاصيل مشروع ما على شكل مطبوعات. يمثّل تدفق المعلومات بسلاسة أكبر بين الجهات الفاعلة العديدة أمراً بالغَ الأهمية لتنسيق عملية البناء المعقدة على نحو أفضل.

لكن البناء نشاط بدني في نهاية المطاف، وعلى الرغم من أن الأتمتة غائبة في مهن البناء غالباً، أصبحت الروبوتات أخيراً منخفضة التكلفة بما يكفي لتصبح خياراً معقولاً لشركات البناء، خصوصاً تلك التي تعاني نقصاً في العمال. تقول تشين: "انخفضت تكلفة المكونات الروبوتية الجاهزة لدرجة أصبح عندها توكيل الروبوتات البسيطة بالمهمات التكرارية للغاية ممكناً". تُضيف تشين قائلة إن التقدم الذي يشهده كلٌ من مجال التعرف الروبوتي على الصور والتكنولوجيات مثل الليدار والذكاء الاصطناعي والمهارات اليدوية للروبوتات يعني أن استخدام الروبوتات بأمان في مواقع الإنشاء أصبح ممكناً.

إحدى خطوات عملية الإنشاء التي تتقاطع فيها التصاميم الرقمية مع العالم المادي هي عملية إعداد المخططات للجدران والهياكل الأخرى على أرضية المبنى. هذه عملية يدوية شاقة ومستهلكة للوقت، كما أن احتمال ارتكاب الأخطاء فيها كبير.

تخطط الطابعة الميدانية من شركة دَستي روبوتكس الجدران والهياكل الأخرى. شركة دستي روبوتكس

تراهن الشركات الناشئة مثل دَستي روبوتكس (Dusty Robotics) على أن عملية إعداد المخططات هذه هي تطبيق مثالي للروبوتات الشبيهة بمكنسة رومبا الروبوتية (Roomba). تتذكر الرئيسة التنفيذية للشركة، تيسا لاو، أنها عندما أجرت بحثاً في القطاع قبل تأسيس الشركة عام 2018، شعرت بالدهشة عندما رأت "أشخاصاً يجثمون على أيديهم وركبهم ويرسمون الخطوط بالطباشير".

تصنع هذه الشركة التي مقرها وادي السيليكون آلات صندوقية الشكل تتحرك في موقع البناء على عجلات متينة وتحدد المخططات. على الرغم من أن الشركة تروّج لهذه الآلة على أنها طابعة ميدانية لتخفيف المخاوف المتعلقة بالأتمتة، فإن هذه الآلة هي روبوت يعتمد على الذكاء الاصطناعي ومزوّد بأجهزة استشعار متطورة تخطط مساراته وتوجهه.

لا يؤتمت هذا الروبوت مهمة بالغة الأهمية فحسب، بل إنه يسهم أيضاً في فتح المجال لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في سير العمل الإجمالي للمشروعات لأن هذه المهمة أساسية للغاية في عملية الإنشاء.

درسٌ من التاريخ

بغض النظر عن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الأميركية، فهي لن تؤدي إلى انخفاض مباشر في أسعار المنازل؛ إذ إن توازن العرض مع الطلب سيستغرق سنوات حتى إذا بنينا المزيد من المنازل أو تمكنا من خفض الطلب بطريقة ما. لكن التركيز السياسي على جعل الإسكان ميسور التكلفة قد يمثّل فرصة نادرة للتركيز على مشكلة الإنتاجية الأعم في قطاع الإنشاء.

على الرغم من أن بعض النقاد جادل بأن خطة هاريس كانت مبهمة للغاية وتفتقر إلى الطموح المطلوب لحل أزمة الإسكان، فإن فكرتها المتمثلة في ضرورة بناء المزيد من المنازل بسرعة صحيحة. قالت هاريس في خطاب أجرته في أواخر سبتمبر/أيلول 2024: "يستغرق البناء وقتاً طويلاً وهو مكلف للغاية؛ إذ إن التطبيق العملي للمفاهيم يستغرق وقتاً طويلاً سواء كان الأمر متعلقاً بمشروع سكني جديد أو بناء مصنع أو جسر جديد". طرحت هاريس سؤالاً بعد ذلك: "هل تعلم كم استغرق بناء [مبنى إمباير ستيت]؟"

ركزت هاريس على تخفيف الإجراءات الروتينية لبدء فترة من الازدهار في قطاع الإنشاء. هذا أمر بالغ الأهمية، ولكنه يمثّل جزءاً واحداً فقط من حل طويل الأمد. استغرق إنشاء ناطحة السحاب إمباير ستيت الشهيرة في نيويورك أكثر من سنة بقليل بدءاً من عام 1931، وهو إنجاز يوفّر دلائل مهمة حول قدرة قطاع الإنشاء على زيادة الإنتاجية.

اقرأ أيضاً: ما الفرق بين العمارة الخضراء والمستدامة؟

لا يفسّر استخدام التكنولوجيات الجديدة إنشاء هذا المبنى بهذه السرعة تماماً؛ إذ استخدم المهندسون في الغالب عمليات ومواد كانت مألوفة ومختبرة جيداً في ذلك الوقت، بل ما يفسّره بالفعل هو كيفية إدارة قادة المشروع لكل جانب من جوانب عملية التصميم والبناء لإنجازه بسرعة وكفاءة. جدول هؤلاء المهندسون نشاط آلاف العمال وتتبعوه بعناية، وكان سير العمل مصمماً بطريقة تضمن تقليل التأخيرات إلى الحد الأدنى. حتى مظهر هذا المبنى الذي يبلغ ارتفاعه 381 متراً كان في الغالب نتيجة اتباع الطرق الأسرع والأبسط في البناء.

بالنسبة لمسؤولة تنفيذية في مجال الإنشاء مثل تشين، التي تُقدّر أن إنشاء مثل هذا المبنى قد يستغرق 4 سنوات على الأقل اليوم، فإن الدروس المستفادة من مبنى إمباير ستيت لا تزال ذات صلة، خاصة تلك المتعلقة بالانضباط التشغيلي والإلحاح على إنهاء الإنشاء في أقصر وقتٍ ممكن. تقول تشين: "الفرق هائل بين الوقت الذي استغرقه تشييد مبنى إمباير ستيت والوقت الذي سيستغرقه تشييده الآن".

إذ أردنا جعل الإسكان ميسور التكلفة في المستقبل، يجب أن يستعيد العاملون في قطاع الإنشاء هذه الكفاءة وهذا الإحساس بالضرورات المُلحّة. ولفعل ذلك، يجب أن يغيّر هؤلاء طريقة العمل في القطاع ويعدّلوا هيكليات الحوافز فيه، كما يجب أن يدمجوا التركيبة الملائمة من حلول الأتمتة ويتوصلوا إلى نماذج مالية قادرة على إحداث تغيير شامل في ممارسات الأعمال التجارية التي أكل الدهر عليها وشرب. ما يدعو للتفاؤل هو أن التقدم في كل من علم البيانات والأتمتة والذكاء الاصطناعي يوفّر للشركات فرصاً جديدة لتحقيق هذه الأهداف.

يعني ذلك أن السيناريو الأمثل هو أن تفعل الرأسمالية فعلها. ستنجح الشركات المبتكرة، كما نأمل، في البناء بتكلفة أقل وبسرعة أكبر وتزيد أرباحها وتعزز قدرتها التنافسية. ستزدهر مثل هذه الشركات، وستبدأ شركات أخرى بتقليد الشركات السباقة في اتباع الطرق الجديدة، وذلك من خلال الاستثمار في التكنولوجيات ونماذج العمل الجديدة. بتعبير آخر، سيؤدي النجاح العملي لبعض شركات البناء في الاستفادة من البيانات والأتمتة لتعزيز الأرباح، دوراً كبيراً في جر قطاع الإنشاء إلى العصر الرقمي الحديث في نهاية المطاف.

المحتوى محمي