ملخص: عندما يُصاب مريض بألم في عضو ما من جسمه، يستهدف الطبيب هذا العضو بالذات في العلاج، ولكن في بعض الأحيان يصعب تحديد الجزء أو العضو المصاب، كما يصعب إيصال العلاج إليه، فقد يكون الألم داخلياً، ويصعب على المريض تحديد موقعه دون مساعدة الطبيب، كما قد يصعب على الطبيب علاج موضع الألم المحدد، ويصعب إيصال الدواء إليه. لتجاوز هذه المشكلة ولتطوير علاجات أكثر تحديداً، يبحث الأطباء باستمرار على علاجات موجَّهَة. من بين هذه العلاجات قيد التطوير الروبوتات الدقيقة التي تستخدم ضوء الليزر مصدراً للطاقة اللازمة للحركة أو التشغيل أو التحكم عن بُعد. عمليّاً، ابتكر الباحثون من حول العالم روبوتات دقيقة تعمل بالليزر لتؤدي مهام محددة؛ على سبيل المثال، طوّر باحثون روبوتات دقيقة يمكن تنشيطها بواسطة نبضات الليزر، تُستخدم في علاج الأورام المستهدف، وابتكر آخرون روبوتات دقيقة ناعمة للتلاعب الدقيق بخلية واحدة باستخدام قضبان نانوية مرنة وملاقط ليزر، دون إلحاق الضرر بالخلية. وبعيداً عن الأغراض الطبية، نجح فريق مختلف في تطوير حشرة روبوتية تعمل بالليزر، وقادرة على الطيران.
إن استهداف جزء من الجسم بالعلاج الطبي هو ممارسة قديمة قدم الطب نفسه. ولكن في كثيرٍ من الأحيان يكون سبب الألم داخل الجسم، ويصعب الوصول إليه بدقة، وحتى مع تطوير الأدوية والعلاجات، ما زالت العلاجات المستهدفة الدقيقة قيد التطوير. من هذه العلاجات ابتكار روبوتات دقيقة تعمل بالليزر.
ما هي الروبوتات الدقيقة التي تعمل بالليزر؟
الروبوتات الدقيقة التي تعمل بالليزر هي روبوتات صغيرة، تُقاس أبعادها غالباً بالميكرومتر ولا تتجاوز المليمتر الواحد، تستخدم ضوء الليزر مصدراً للطاقة اللازمة للحركة أو التشغيل أو التحكم عن بعد. تبرز أهمية هذه الروبوتات الدقيقة في تطبيقات التلاعب الدقيق، وتوصيل الأدوية المستهدف، والجراحة الدقيقة، والمهام الأخرى التي تتطلب الدقة على نطاق مجهري، وتؤدي مهام محددة بشكلٍ مستقل (ذاتية التحكم) أو تحت سيطرة خارجية.
تعتمد هذه الروبوتات الدقيقة غالباً على آلية حرارية ضوئية أو كيميائية ضوئية لتحويل طاقة ضوء الليزر إلى حركة ميكانيكية. يمكن أن يتضمن هذا تسخين مواد معينة تتمدد أو تنقبض استجابةً للضوء، ما يؤدي إلى الحركة. تستخدم بعض الروبوتات الدقيقة التأثير الميكانيكي الضوئي، إذ يتسبب الضغط أو تغير الشكل الناجم عن الضوء في تحريك الروبوت.
تُصنع الروبوتات الدقيقة من مواد يمكنها الاستجابة للضوء، مثل البوليمرات الضوئية، أو الغرافين، أو المواد النانوية الأخرى. أما الروبوتات الدقيقة المستخدمة في التطبيقات الطبية فتُصنع من مواد متوافقة حيوياً، ما يسمح لها بالتنقل عبر سوائل الجسم أو الأنسجة.
اقرأ أيضاً: كيف أسهمت الروبوتات بتحسين العمليات الجراحية؟
تطبيقات الروبوتات الدقيقة التي تعمل بالليزر
طوّر العلماء الروبوتات الدقيقة التي تعمل بالليزر لأغراض مختلفة، منها:
- توصيل الأدوية والمواد إلى مواقع محددة في الجسم بدقة.
- الجراحة الدقيقة مثل إزالة الانسدادات في الشرايين أو قطع الأنسجة بدقة.
- مراقبة انتشار الملوثات أو السموم في البيئات التي يصعب الوصول إليها.
- توفير محفزات فيزيائية وكيميائية موضعية للعينات البيولوجية قيد الدراسة.
عمليّاً، ابتكر الباحثون من حول العالم روبوتات دقيقة تعمل بالليزر لتؤدي مهامَ محددة؛ من الأمثلة عنها:
روبوتات دقيقة تُنشّطها نبضات الليزر لعلاج الأورام
تمكن باحثون من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا من تطوير روبوتات دقيقة يمكن تنشيطها بواسطة نبضات الليزر، تُستخدم في علاج الأورام المستهدف. يمكن توجيه هذه الروبوتات الدقيقة، التي تتميز بحجمها الصغير الذي يسمح لها بالتنقل عبر مجرى الدم، إلى أماكن محددة في الجسم، مع مراقبتها والتحكم فيها من خارج الجسم. وبمجرد وصولها إلى موقع الورم، يمكن تنشيطها بواسطة ضوء الليزر لإطلاق عوامل علاجية مباشرة على الورم، ما يقلل من الضرر الذي قد يلحق بالأنسجة السليمة المحيطة.
وبحسب الدراسة المنشورة في دورية ساينس روبوتيك في يوليو/تموز 2019، تُستَخدم البيانات التي تجمعها أجهزة استشعار الروبوت لإنشاء صور للهياكل الداخلية للجسم والعثور على الأورام في الجهاز الهضمي ولتتبع موقع الروبوتات الدقيقة. بمجرد وصول الروبوتات الدقيقة إلى محيط الورم، يُسلّط عليها شعاع ليزر عالي الطاقة مستمر الموجة بالقرب من الأشعة تحت الحمراء لتنشيطها.
تستطيع هذه المحركات الدقيقة اختراق مخاطية الجهاز الهضمي والبقاء هناك فترة طويلة، وهذا يحسّن من توصيل الدواء. ولأنها مصنوعة من المغنيزيوم، فهي متوافقة حيوياً وقابلة للتحلل البيولوجي.
اقرأ أيضاً: باحثون يطورون السلطعون الصغير: أصغر روبوت في العالم
روبوت التلاعب الدقيق بالخلايا
طوّر باحثون في معهد سيجيد للفيزياء الحيوية في المجر روبوتات دقيقة ناعمة، يبلغ طولها نحو 30 إلى 40 ميكرومتراً، للتلاعب الدقيق بخلية واحدة باستخدام قضبان نانوية مرنة وملاقط ليزر، دون إلحاق الضرر بالخلية. تتغلب هذه الروبوتات الدقيقة على عيوب تقنيات التلاعب بالخلايا الحالية التي يمكن أن تلحق الضرر بالخلايا، أو يمكن أن تغير وظيفة الخلية.
وبحسب الدراسة المنشورة في دورية أدفانسد ماتيريالز في مايو/أيار 2024، تم تصنيع هذه الروبوتات الدقيقة من مكونات مرنة تؤدي إلى تغيير شكلها، تعمل بواسطة ملاقط بصرية، ما يسمح لها بتغليف خلايا مفردة في بيئة ثلاثية الأبعاد ونقلها ومن ثَمَّ إعادة تحريرها، دون تطبيق قوة كبيرة عليها. يمكن للروبوت أيضاً عبر دورانه الثابت والدقيق تصوير الخلايا ثلاثي الأبعاد بدقة عالية، بالإضافة إلى أنه يسمح بالتفاعل المكاني والزماني المتحكم فيه بين الخلايا.
يتم تصنيع الروبوت الدقيق باستخدام الطباعة الحجرية ثلاثية الأبعاد العالية الدقة، وهي تقنية طباعة تقوم على وضع طبقات من البوليمر المُنشَّط بالضوء والمتصلب باستخدام شعاع الليزر لإنتاج روبوتات معقدة يصل حجمها إلى 100 نانومتر.
يُعدّ التلاعب بالخلايا الفردية جزءاً أساسياً من الأبحاث البيولوجية والطبية المتقدمة، وخاصة في علم الوراثة للخلايا الفردية، أو علم البروتينات، أو التصنيف المورفولوجي حسب الحجم والشكل والبنية وما إلى ذلك، وقد تؤدي هذه الروبوتات إلى تعزيز هذه الدراسات.
اقرأ أيضاً: ما هي الروبوتات اللينة وكيف تستفيد البشرية منها؟
روبوت حشري يعمل بالليزر للمراقبة البيئيّة
بعيداً عن الأغراض الطبية، نجح باحثون من جامعة واشنطن في تطوير حشرة روبوتية تعمل بالليزر، وقادرة على الطيران. وقد تم تصميم هذا الروبوت الصغير المبتكر ليكون خفيف الوزن، إذ يزن 190 مليغراماً فقط، ويستمد طاقته من ليزر الأشعة تحت الحمراء الموجَّه إلى خلية ضوئية، والتي تحصد 250 ملي واط من الطاقة اللازمة للطيران.
اقرأ أيضاً: باحثون من إم آي تي يطوّرون روبوتات مضيئة بحجم الحشرات
لتعمل الحشرة الروبوتية، تستخدم الليزر لتوصيل الطاقة بكفاءة، متغلّبة على قيود التصاميم التقليدية التي تعمل بالبطارية، والتي غالباً ما تكون ثقيلة جداً بالنسبة لمثل هذه الروبوتات الصغيرة.
يتصور الباحثون تطبيقات مختلفة لهذه التكنولوجيا، بما في ذلك مراقبة الزراعة واكتشاف التسرّبات في خطوط الأنابيب. يهدف الفريق أيضاً إلى تحسين وقت طيران الروبوت والتحكم فيه من خلال تطوير أساليب لتوجيه الليزر في أثناء طيران الروبوت، ما يسمح له بقطع مسافات أطول ومناورات أكثر تعقيداً في المستقبل.