يعاني طفلٌ واحدٌ تقريباً من كل 160 طفلاً على مستوى العالم من اضطرابات طيف التوحد. وفي الولايات المتحدة الأميركية، يبلغ المعدل ثلاثة أضعاف المعدل العالمي تقريباً، ويرجع ذلك على الأرجح إلى الاختلافات في عمليات التشخيص وتقديم التقارير. غالباً ما تتسم الإعاقة النمائية بصعوبات اجتماعية وعاطفية وتواصلية. ورغم أن هذه الإعاقة لا يمكن شفاؤها، إلا أن التدخلات المبكرة، مثل العلاج السلوكي وعلاج النطق، يمكن أن تحسن نمو الطفل.
لكن هذه التدخلات المعتمدة على المعالجين البشر قد تكون مكلفةً ومستهلكة للوقت؛ حيث يُنصح بتقديم علاجٍ مدته 20 ساعة أسبوعياً إلى الكثير من الأطفال الذين يعانون من طيف التوحد. كما أنه من الصعب تصميم تدخلاتٍ تكنولوجية مناسبة لجميع الحالات، فالأعراض والأنماط السلوكية تتباين إلى حدٍّ كبير بين الأفراد المصابين.
ولحسن الحظ، أفسح التقدمُ في مجال روبوتات المساعدة الاجتماعية في السنوات الأخيرة المجالَ أمام طريقة جديدة تبشر بأسلوب جديد لاتباعه مع مرضى التوحد للحصول على رعاية أيسر تكلفة، وأكثر توافقاً مع متطلباتهم الشخصية. من الناحية النظرية، يمكن أن تساعد الروبوتات المنزلية في تكملة دور المعالجين البشر عن طريق تولي أنشطة التدريب الأكثر تكراراً، كما يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي على إضفاء الطابع الشخصي على التجربة.
واليوم، حققت دراسةٌ جديدة، نشرت في مجلة Science Robotics مؤخراً، خطوةً مهمة نحو تطوير الذكاء الاصطناعي الذي يشغِّل هؤلاء المرافقين المنزليين. حيث قامت ماجا ج. ماتاريتش وفريقها في جامعة جنوب كاليفورنيا بتصميم نموذج للتعلم الآلي يستخدم بيانات الصوت والفيديو، مثل الحوار والتواصل البصري، المُستمدة من تفاعلات الأطفال المصابين بالتوحد مع الروبوت من أجل التنبؤ بمدى انخراطهم في نشاطٍ تدريبي معين. فإذا لم يكونوا متفاعلين مع ذلك النشاط، يمكن للروبوت عندئذٍ أن يقوم بردة فعل، ويحاول تحفيزهم على المشاركة من جديد حتى يجذب انتباههم إلى التمارين العلاجية لفترات زمنية أطول. وخلال الاختبار، حقق النموذج دقة بنسبة 90% في التنبؤ بمستوى مشاركة الطفل، على الرغم من البيانات المشوشة والتباين المرتفع بين المشاركين.
الأهم من ذلك، أُجريت الدراسة باستخدام البيانات التي تم جمعها من الروبوتات التي بقيت بصحبة الأطفال في منازلهم لمدة شهرٍ كامل. تمثل هذه الدراسة جزءاً من مبادرةٍ بحثية تمتد على عدة سنوات، وتسعى إلى تقصي تأثير هؤلاء المرافقين الروبوتيين وتعزيز قدراتهم في بيئةٍ واقعية. في المقابل، اقتصرت معظم الدراسات الأخرى حتى الآن على النطاقات الزمنية القصيرة والبيئات المختبرية التي يتم ضبط إعداداتها، نظرًا لعمليات التصميم والتدقيق المكثفة المطلوبة لتطبيق هذه التكنولوجيا في المنازل.
طُلب من المشاركين في الدراسة ممارسة ألعاب الرياضيات ذات الموضوعات الفراغية بانتظام على شاشة لمس الأجهزة اللوحية المثبتة على المرافقين الروبوتيين. وباستخدام إحدى خوارزميات التعلم المعزَّز، قام الروبوت بتقديم تعليقات معبرة بناءً على أداء كل طفل، واللعبة التي يتم تصميمها وفق متطلباته الشخصية بمرور الوقت.
وبالرغم من تركيز محتوى اللعبة على الرياضيات، فقد كان الهدف الأساسي هو تعليم الأطفال المهارات الاجتماعية الأساسية من خلال تفاعلاتهم مع الروبوت، مثل تبادل الأدوار (هل جاء دوري أم دور الروبوت للتحدث؟) والتواصل البصري (هل يجب أن أنظر إلى الروبوت عندما أتحدث؟). ومع كل تدخل، يقوم معالج سلوكي بتقييم المهارات الاجتماعية للطفل قبل التدخل وبعده، من أجل التحقق من صحة الأسلوب المتبع لتحسين هذه المهارات.
تقول ماتاريتش: "يحتاج الأطفال إلى التعلم في بيئة اجتماعية، لكن بالنسبة للأطفال المصابين بالتوحد، فإنهم لا يحصلون على فرصة كافية لممارسة ذلك مع محيطهم. وهذا هو مكمن أهمية الروبوت". لقد تعلم العديد من الأطفال التعامل مع الروبوت كصديق مع مرور الوقت، وعززوا تعاطفهم تجاه أقرانهم الآخرين. كما قام العديد من الأطفال بإدماج الروبوت في دوائرهم الاجتماعية العائلية، وأصبحوا أكثر انخراطاً مع إخوتهم وأولياء أمورهم أيضاً، مما أثبت صحة الافتراض الأساسي بأن الروبوتات قادرة على تعزيز العلاقات القائمة بدلاً من استبدالها. وقد تم نشر هذه النتائج في ورقة بحثية سابقة.
لقد تبين أن عمل الروبوتات المرافقة في البيئة المنزلية أكثر صعوبة مما توقع الباحثون في البداية؛ حيث قام المشاركون أحياناً بإتلاف الروبوت، أو تحريك الكاميرا عن طريق الخطأ، مما جعل البيانات التي تم جمعها متناقضةً ومشوشة. وفي كثير من الأحيان، أراد أشقاء الأطفال المصابين بالتوحد ممارسة الألعاب مع الروبوتات بأنفسهم، مما زاد من تعقيد التحليل. لكن، من ناحية أخرى، فإن البيئة الواقعية قد منحت الباحثين فهمًا أكثر شموليةً لكيفية تصميم الروبوتات بطريقةٍ تجعلها أكثر فعالية. لقد وجدوا، على سبيل المثال، أن جميع الأطفال قد خففوا من تعاملهم مع الروبوت مع مرور الوقت، مما شكل في نهاية المطاف دافعاً لإجراء هذه الدراسة الحديثة المنشورة في مجلة Science Robotics.
"هذا يساعد على إثبات إيجابية استخدام الروبوتات المتفاعلة اجتماعياً مع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة"، على حدِّ تعبير آيانا هوارد، البروفيسورة في معهد جورجيا للتكنولوجيا والتي تدرس أيضاً الآثار العلاجية للروبوتات عند الأطفال المصابين بالتوحد. وفي مسعىً منهم لحماية الخصوصية، يعمل فريق ماتاريتش أيضاً على تحديد القدر الأدنى من البيانات اللازمة لتدريب خوارزميات التعلم الآلي التي يستخدمها الروبوت. وينعقد الأمل على أن تصبح هذه الروبوتات المساعدة اجتماعياً بمنزلة مرافقين علاجيين للأطفال المصابين بالتوحد، بأسعار معقولة وخصائص متوافقة مع شخصية كل طفل، مما يسمح لهم بتلقي رعاية أكثر شمولية، وتحسين تنمية المهارات لديهم.