على الرغم من تراجع حدة أزمة جائحة كوفيد-19، يواجه مقدمو الرعاية الصحية في الشرق الأوسط ضغوطاً متزايدة لتلبية احتياجات المرضى في ظل تزايد عدد السكان ونسبة كبار السن وارتفاع وتيرة انتشار الأمراض المزمنة. وانطلاقاً من هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى حلول أكثر فعالية من حيث الجودة والتكلفة، لذا يتطلع العديد من مقدمي الرعاية الصحية إلى توفير خدمات الرعاية الصحية القائمة على القيمة (Value-based health care)، والتي عرّفها مركز الطب المسند بالبراهين في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة بـ "الاستخدام العادل والمستدام والشفاف للموارد المتاحة لتحقيق نتائج وتجارب أفضل".
أهمية الرقمنة في الرعاية الصحية: التجربة الإماراتية
تعتبر الرقمنة أمراً ضرورياً لتقديم وتعزيز الرعاية الصحية القائمة على القيمة والمرتكزة على المريض، إذ إنها تتيح جمع بيانات المرضى الأساسية واللازمة، مثلاً تلك المرتبطة بالأثر الطبي لوصفة دواء محددة، ما يسهل عملية التعاون والتنسيق المطلوبة لتبادل المعلومات بين الأطراف المعنية لتحديد القيمة. وإدراكاً منها لأهمية هذا الأمر، اتخذت دولة الإمارات إجراءات مهمة حيث تتجه السلطات المعنية نحو إرساء قاعدة بيانات متكاملة ومصممة لدعم تدفق المعلومات بين شركات التأمين ومقدمي الخدمات والمرضى في القطاعين العام والخاص لتحسين جودة الخدمات الصحية.
اقرأ أيضاً: ما هي أهم مزايا وتحديات التحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية؟
بموجب نموذج الرعاية الصحية القائم على القيمة، سيكون لدى جميع أصحاب المصلحة الحافز المالي لتحقيق أفضل النتائج الممكنة للمرضى، حيث يمكن لمقدمي خدمات الرعاية الصحية والمستفيدين منها استخدام البيانات لفهم تأثير العلاجات الطبية بشكل أفضل وبالتالي تطوير نماذج دفع أو تسديد مبتكرة وأكثر إنصافاً. ومن خلال سياسة تحديد الأسعار وفقاً للنتائج، يمكن للمستفيدين ولمقدمي الخدمات إدارة أي تساؤلات مرتبطة بالأداء السريري على أرض الواقع كما التأثير الاقتصادي للأدوية المبتكرة بشكل أفضل، ما يسمح باستثمارات مستدامة في البحث والتطوير خصوصاً للأمراض الأقل انتشاراً.
يعتبر التطبيق العملي والواسع النطاق لسجلات المرضى الإلكترونية خطوة أولى لدعم الاتجاه الرامي لتحقيق رعاية صحية قائمة على القيمة، لكن ينبغي أن يُستكمل باعتماد الرقمنة الشاملة لقطاع الرعاية الصحية، خصوصاً بسبب دور الأدوات الرقمية المهم والأساسي في تمكين المرضى من الالتزام ببرامج العلاج وإدارتها مع مقدمي الرعاية الصحية بشكل أفضل. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد العلاجات الرقمية والأجهزة القابلة للارتداء ومراقبة المريض عن بُعد والتدريب والتعلم في دعم إدارة الحالات المزمنة عن بُعد، كما يمكن للأطباء والأخصائيين من مراقبة حالة تقدم المريض ووضع برامج علاج تتلاءم مع احتياجاته الفردية بناءً على تحاليل مقتبسة من البيانات التي يتم جمعها على أرض الواقع، ما يؤدي إلى زيادة القيمة، وتخفيف الضغط عن البنية التحتية لقطاع الرعاية الصحية.
الخطوات الواجب اتباعها لمواكبة نمو قطاع الرعاية الصحية الرقمي
من جهة أخرى، ينمو قطاع التطبيب عن بُعد واستخدام الأدوات الرقمية لتسهيل الاتصال بين المرضى ومقدمي الرعاية الصحية بوتيرة متزايدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويرجح أن ينمو بمعدل نمو سنوي مركب قدره 18.08% في الفترة الممتدة من عام 2018 حتى عام 2025، وأن يبلغ 3.75 مليون دولار بحلول عام 2025. وكشف استطلاع رأي عالمي أجرته شركة سيسكو، عن رغبة المرضى في تبنى الأدوات الرقمية، حيث أشار إلى أن "74% من المرضى يفضلون الوصول السهل إلى الخدمات الصحية أكثر من التواصل الشخصي مع مقدمي الخدمات". يمكن أن تكون هذه الأدوات عاملاً أساسياً لتحسين الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وأن تكون مفيدة لذوي الاحتياجات الخاصة وللمرضى الذين يعيشون في أماكن بعيدة وغير قادرين على الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية لأي سبب.
اقرأ أيضاً: كيف تساهم التكنولوجيا في تطوير الطب والرعاية الصحية؟
في وقت تترسخ فيه أهمية الرعاية الصحية الرقمية لتحسين النتائج الصحية للمرضى، هناك حاجة ملحة إلى التزام الأنظمة الإلكترونية المستخدمة بجمع البيانات بمسؤولية ووفق أعلى المعايير الأخلاقية، ومواصلة تبني الرقمنة بهدف تقديم نظام قائم على القيمة. وفي ظل المساعي الآيلة للتحول نحو الرعاية الصحية القائمة على القيمة، سيحتاج القطاع إلى المحافظة على نهج مرن يواكب احتياجات المرضى ويضمن تقديم الحوافز المناسبة لمقدمي الرعاية الصحية ولقطاع الأدوية لمواصلة الابتكار.
وبهدف إدراك إمكانات الرعاية الصحية القائمة على القيمة، ينبغي الاستفادة من الموارد المتوفرة بشكل أفضل، وذلك من خلال رقمنة سجلات المرضى خصوصاً وأنّ هذه البيانات التي تعكس العالم الحقيقي ستكون أساساً وركيزة لتعاون أكبر مع أصحاب المصلحة حتى يتمكن مقدمو خدمات الرعاية الصحية في الشرق الأوسط من تعزيز جودتها وقيمتها وتمكين المرضى.