الذكاء الاصطناعي ينجح في تشكيل منظر أرضي اعتماداً على صورة فضائية

2 دقائق

اشتهر ليوناردو دافنشي برسومات ولوحات تُظهر مناظر شاملة لمناطق معينة في إيطاليا، بمستوى من التفاصيل لم يكن متاحاً قبل اختراع التصوير الفوتوغرافي والطيران، ولطالما تساءل النقاد عن كيفية تخيله لهذه التفاصيل، لكنَّ الباحثين الآن بدؤوا في العمل على مسألة معاكسة؛ وهي استخلاص المنظر الأرضي لمنطقة ما على سطح الأرض انطلاقاً من صورة التُقطت بالقمر الاصطناعي، وكم ستكون هذه الصورة الاصطناعية واضحة.

وقد أُجِيب عن السؤال بفضل عمل شيشينج دينج وزملائه في جامعة كاليفورنيا في ميرسيد؛ حيث قام هؤلاء الباحثون بتدريب خوارزمية تعلم آلي على تشكيل صور على مستوى الأرض بالاعتماد على صور الأقمار الاصطناعية من الأعلى، وتعتمد هذه التقنية على شكل من الذكاء الاصطناعي يعرف باسم الشبكة التنافسية التوليدية، وتتألف من شبكتين تعملان معاً؛ تسمى إحداهما بالمولِّد، والأخرى بالحَكَم.

يشكِّل المولد الصور، ويقيِّمها الحكم بالاعتماد على بعض المعايير التي تعلمها؛ كمدى التشابه بين هذه الصور وصور الزرافات مثلاً، ثم باستخدام الحكم لأمر الخروج، يتعلم المولد تدريجياً كيف ينتج صوراً أقرب إلى الزرافات. وبهذه الطريقة درب دينج وزملاؤه الحكمَ، عن طريق استخدام صور حقيقية من الأرض إضافة لصور حقيقية بالأقمار الاصطناعية لنفس المكان؛ بحيث يتعلم كيف يربط بين الصور الأرضية والمنظر من الأعلى.

وبالطبع تلعب جودة مجموعة البيانات دوراً هاماً؛ وقد استخدم الفريق الخريطة الأرضية LCM2015 كخريطة حقيقية للأرض، والتي تبين نوعية اليابسة بدقة كيلومتر واحد على كامل امتداد المملكة المتحدة، غير أن الفريق اكتفى بشبكة مربعة طول ضلعها 71 كيلومتر، وتشمل لندن والمناطق الريفية المجاورة. وقام الفريق بتحميل منظر أرضي لكل موقع على هذه الخريطة من قاعدة بيانات على الإنترنت تسمى جيوجراف، ومن ثم قام الفريق بتدريب الحَكَم باستخدام 16,000 زوج من الصور الأرضية والعلوية.

أما الخطوة التالية فهي البدء في توليد الصور الأرضية؛ حيث زوَّدوا المولد بمجموعة تضم 4,000 صورة من الأقمار الاصطناعية لمواقع محددة، من أجل تشكيل مناظر أرضية لها باستخدام التغذية الراجعة من الحَكَم، وقد اختبر الفريق النظام باستخدام 4,000 صورة علوية، ثم قارنوا النتائج مع الصور الأرضية الحقيقية.

وقد ظهرت النتائج مثيرة للاهتمام؛ فقد أنتجت الشبكة صوراً معقولة بالقياس إلى الصور العلوية، وإن كانت منخفضة الجودة، وقد تضمنت الصور المولدة الخصائص الأساسية للمنطقة؛ مثل وجود طريق، أو كون المنطقة ريفية أو حضرية، أو غير ذلك؛ يقول الباحثون: "بدت الصور المولدة طبيعية، على الرغم من أنها كانت تفتقر إلى التفاصيل، كما هو متوقع". وتبدو هذه التقنية أشبه بحيلة جميلة، ولكن كيف يمكن أن نستفيد منها فعلياً؟ لعلنا نعرف أن من أهم أعمال الجغرافيين هو تصنيف مساحات الأراضي وفقاً لاستخدامها، مثل كونها حضرية أو ريفية، وتعتبر الصور الأرضية أساسية لهذا العمل، غير أن قواعد البيانات الموجودة حالياً شحيحة، وخصوصاً في المناطق الريفية، ويضطر الجغرافيون إلى الاستقراء ما بين الصور المتوافرة، وهي عملية لا تختلف كثيراً عن التخمين.

أما الآن -وبفضل تقنية الشبكة التنافسية التوليدية- فقد أصبحت هناك طريقة جديدة تماماً لتحديد كيفية استخدام الأرض، وعندما يرغب الجغرافيون في الحصول على المنظر الأرضي لأي موقع، يمكنهم ببساطة تشكيل المنظر بهذه التقنية اعتماداً على صورة القمر الاصطناعي.

وكذلك قارن الباحثون بين الطريقتين (أي: الاستقراء، وتوليد الصور)، وتبين أن الطريقة الجديدة تحدد كيفية استخدام الأرض بشكل صحيح بنسبة 73%، على حين أن هذه النسبة لطريقة الاستقراء وصلت إلى 65%.

ويعتبر هذا العمل مثيراً للاهتمام، ويمكنه أن يسهل من عمل الجغرافيين، غير أن الباحثين يحملون طموحات أكبر؛ حيث يأملون في تحسين عملية توليد الصور بحيث تعطي المزيد من التفاصيل في الصور الأرضية المولدة.

لا شك أن ليوناردو دافنشي سيعجب بهذا العمل!

المحتوى محمي