تعمل الدكتورة ربى زايد باحثةً في البيانات الضخمة ونمذجة التعلم الآلي في جامعة برونيل لندن، ومحاضرة ومشرفة على رسائل الماجستير في مجال علوم البيانات بجامعة شرق لندن، وهي مؤسسة ومديرة شركة ماتشي ماتشي (Matchy-Matchy) المتخصصة في خدمات الاستشارات في مجال تكنولوجيا المعلومات. شغلت عدة مناصب سابقاً منها منصب في خدمات تكنولوجيا المعلومات في شركة مايكروسوفت وشركات أخرى مثل شركة دار الهندسة. اكتسبت خبرات متنوعة من خلال تعاملها مع مجالات الأعمال المختلفة، ما عزز معرفتها بجانب مجال البحث. وقد حصلت الدكتورة زايد على درجة الدكتوراة في البيانات الضخمة ونمذجة التعلم الآلي من جامعة برونيل لندن، وعلى درجة الماجستير في إدارة الهندسة من الجامعة نفسها، وعلى درجة البكالوريوس في نظم المعلومات الحاسوبية من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية.
أسهمت الدكتورة زايد مؤخراً في نشر العديد من الدراسات المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بمستويات تلوث الهواء، بما في ذلك دراسة منشورة في دورية (MDPI-Applied Sciences) تحت عنوان "مدن صالحة للتنفس: نُهج نمذجة ديناميكية للتعلم الآلي للتحكم المتقدم في تلوث الهواء"، ودراسة أخرى منشورة في دورية (Taylor and Francis -Applied Artificial Intelligence) بعنوان "التنبؤ بمؤشر جودة الهواء باستخدام نمذجة الشبكة العصبونية-ماركوف". وهي تدرس حالياً فرص تطبيق أبحاث الدكتوراة الخاصة بها في سيناريوهات واقعية، سواء من خلال الجامعات أو المؤسسات البحثية أو الشركات المتخصصة ذات الصلة، استناداً إلى إيمانها بثراء بُعد موضوعها التطبيقي في التنبؤ بمؤشر جودة الهواء وتأثيراته في البيئة والصحة والاقتصاد.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تقليل الأخطاء الطبية وتحسين الرعاية الصحية؟
هل يمكنكِ تقديم نبذة عن أبحاثك أو مشاريعك الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة؟
أنهيت مؤخراً رسالة الدكتوراة حول استخدام التعلم الآلي في مجالي البيئة والصحة، مع التركيز على تطوير مؤشر جودة الهواء. سعت الدراسة إلى التنبؤ بمستوى جودة الهواء، من خلال بناء مجموعة من النماذج التي توفر تنبؤات دقيقة لجودة الهواء، ما يسهم في تحسين الأوضاع البيئية والصحية والمجتمعية.
الفكرة العامة وراء البحث هي أن كثافة تلوث الهواء تكون عالية في أيام معينة، وهو ما يمكن أن يؤثّر سلباً في الأشخاص الذين يعانون أمراضاً معينة، مثل أمراض القلب وأمراض الجهاز التنفسي، وقد يصل الأمر إلى الحاجة إلى زيارة المستشفى. وبالتالي، حاولت أن أطوّر نظاماً يمكنه التنبؤ بجودة الهواء خلال الساعة القادمة.
لتقريب الصورة، يشبه هذا الأمر اهتمامنا الحالي بجودة الطقس، والحرص على المتابعة المستمرة لتوقعات المطر ودرجة الحرارة خلال الساعات القادمة للاستعداد بشكل أفضل عند الخروج من المنزل. ما سعت هذه الدراسة إليه هو تطوير مؤشر مشابه ولكن لجودة الهواء. بالطبع، هذا الأمر مهم بشكل خاص للعاملين في القطاع الصحي، لا سيما مع وجود إمكانية لتطوير النظام لتنبيه المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية بمستوى تلوث الهواء، ما يساعدهم على الاستعداد بشكل أفضل وتقديم الرعاية المناسبة.
وبشكلٍ أكثر تفصيلاً، تجري خوارزميات التعلم الآلي عملية التنبؤ بناءً على البيانات التي دُربت عليها سابقاً. على سبيل المثال، استخدمت في بحثي بيانات تعود إلى 5 سنوات سابقة تتعلق بنسب تلوث الهواء في منطقتين في الأردن وبريطانيا. وقد قصدت أن تكون هاتان المنطقتان من المناطق ذات الكثافة المرورية المرتفعة حتى تعطينا مؤشرات واضحة حول مستوى جودة الهواء.
ثمة الكثير من العوامل التي تحكم مسألة التنبؤ، بما في ذلك البيانات المدخلة وكيفية بناء الخوارزميات. وتعتمد الدقة العالية في التنبؤ على هذه العوامل؛ كلما كان التحكم في هذه العوامل أفضل، كانت دقة التنبؤ أعلى. ومن المعروف أن الهدف الرئيسي للعاملين في مجال التنبؤ هو تحقيق درجة دقة عالية، وهو ما سعيت إلى تحقيقه في البحث.
ونظراً للتباين بين الدول في كيفية بناء مؤشر جودة الهواء، واختلاف المعايير المستخدمة لوضع مستويات المؤشر -وهو أمر لا يزال قائماً حتى الآن- فقد كانت المقارنة بين الدول صعبة. لذلك، استخدمت التعلم العميق (Deep Learning) بسبب دقته العالية، بالإضافة إلى استخدام أسلوب إحصائي معروف في التنبؤات يُسَّمى سلاسل ماركوف (Markov chains)، ثم دمجت التقنيتين معاً. بعد ذلك استخدمت ما يُعرف في مجال الذكاء الاصطناعي باسم المنطق الضبابي (Fuzzy Logic)، لكي يكون المعيار المستخدم في البحث أكثر ديناميكية ويمكن استخدامه للمقارنة بين الدول.
اقترحت الدراسة استخدام هذه الطريقة، ولدي الآن طموح أن يتم تطويرها مستقبلاً لتسهم في سد الفجوة الموجودة حالياً بين الدول في هذا المجال.
ما هي التحديات التي كنتِ تهدفين إلى معالجتها من خلال بحث الدكتوراة الخاص بكِ؟
كانت لدي تحديات بيئية وصحية. أنا أعمل على موضوع التلوث البيئي، لكن المحور الأساسي لبحثي هو التعلم الآلي، لذلك كان يجب أن أركز على تقنيات التعلم الآلي وما هو جديد فيها، ثم أطبِّق هذه التقنيات على بيانات معينة. التحدي هنا يكمن في كيفية الجمع بين هذين المجالين لحل مشكلة معينة. كان الهدف بالنسبة لي هو إيجاد حل لمشكلة محددة، وليس مجرد تعلم أداة بلا هدف.
المشكلة التي أحاول حلها حالياً تتعلق بالجوانب البيئية والصحية وكذلك الاقتصادية. في النهاية، نحن نهتم كثيراً بالاقتصاد. وعلى الرغم من أن موضوعي قد يبدو بعيداً عن الاقتصاد، فإنه في الواقع مرتبط به بشكلٍ وثيق للغاية.
ما هو الرابط بين هذا الأمر وبين الاقتصاد؟
سأعطيك مثالاً صغيراً لتوضيح الفكرة. أنا أدرس جودة الهواء، ولدينا في الهواء العديد من الملوثات مثل ثاني أوكسيد الكربون الناتج من وسائل النقل. لنفترض أن هناك شخصاً يعاني الربو مثلاً. إذا تعرض هذا المريض لجو ملوث، فسيتأثر يومه بالكامل. وعندما يدخل هذا المريض وغيره المستشفى، يزداد الضغط على المستشفيات التي يتم تمويلها في الغالب من قبل الحكومة. هذا كلّه يؤدي إلى تراكمات اقتصادية. الآن، تخيل أنك توفّر نظاماً يمكّن الناس من التنبؤ بتوقيت حدوث الأزمة، ويساعدهم على اتخاذ إجراءات وقائية. إذا طبقنا هذا الأمر على نطاق الدول، فكم من التكاليف ستوفرها الحكومات والمستشفيات.
وفقاً لحسابك على منصة "لينكدإن"، فقد أدرتِ بنجاح العديد من مشاريع تكنولوجيا المعلومات المعقدة من البداية إلى النهاية. ما هي الحلول التكنولوجية الأكثر ابتكاراً التي قمتِ بتصميمها أو تحسينها؟ وكيف أثرت في المؤسسات التي عملتِ معها؟
هذا سؤال مهم، لأن ما أرغب في توضيحه هو أن التغيير لا ينبغي بالضرورة أن يكون كبيراً ليكون مؤثراً. عندما أشرت إلى المشاريع التي أدرتها، لم يكن قصدي أن يكون التغيير واسع النطاق دائماً. في قطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات، قد يكون التغيير ببساطة في كيفية تنفيذ الخدمات التكنولوجية.
دوري بالأساس كان يتعلق بمراقبة العمليات اليومية وتحسين نسقها وتحديد المجالات التي يمكن تحسينها لجعل الأمور أسرع وأكثر كفاءة. أعتقد أن مهارتي الأساسية تكمن في القدرة على ملاحظة نقاط الضعف التي يمكن تحسينها، وتقليل الموارد والوقت اللازمين لإتمام مهمة معينة. هذا النهج ساعدني باستمرار على تطوير وتحسين بيئات العمل التي عملت فيها، حتى لو كان التحسين في جزء صغير من العملية.
اقرأ أيضاً: مقابلة مع الدكتور نزار حبش حول كيفية مواجهة التحديات التي تعوق تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي عربية
هل يمكنكِ مشاركة لحظة محورية في حياتك المهنية أثّرت بشكل كبير في نهجك تجاه الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة؟
اللحظة المحورية في مساري المهني جاءت عندما قررت التخصص في مجالات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. كانت تلك الخطوة تمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لي، حيث كنت أعمل حينها في مجال العمليات اللوجستية حتى في شركات التكنولوجيا مثل مايكروسوفت، وكان عملي أقرب إلى الإدارة اللوجستية منه إلى الجانب التقني، على الرغم من أن خلفيتي الأكاديمية كانت في مجال تكنولوجيا المعلومات.
عندما قررت متابعة دراساتي العليا والتخصص في الدكتوراة بمجال التعلم الآلي، كانت خطوة جريئة، إذ أنها قربتني بشكل أكبر من العمل التقني في وقت لم يكن مستقبل الذكاء الاصطناعي فيه واضحاً كما هو اليوم. في البداية، كان لدي تخوف من طبيعة الدراسة البحثية نفسها، لكن مع مرور الوقت اندمجت فيها واكتشفت أنها تلائمني تماماً. وما جعل هذه التجربة مميزة هو الشعور بالإنجاز عندما تتمكن من تحقيق مساهمة علمية محددة. لم يكن الأمر مجرد تجربة أخرى، بل كان محفزاً للغاية أن أرى نتائج ملموسة للجهود التي بذلتها.
بما أنكِ تعملين محاضرةً في عدة جامعات، ما هي أبرز التحديات التي يواجهها الدارسون وخريجو تخصص الذكاء الاصطناعي؟
في الواقع، أعتقد أن الوضع شديد الصعوبة بالنسبة لخريجي الذكاء الاصطناعي. نرى أسماء كبيرة، سواء شركات كبرى أو جامعات، تتحدث عن الذكاء الاصطناعي، لكن هناك فجوة كبيرة بينها في فهم الذكاء الاصطناعي، ببساطة لأن السؤال المهم هنا هو: ما هو تعريف الذكاء الاصطناعي؟
لذلك، تكمن الصعوبة الأولى في أن الذكاء الاصطناعي موضوع شامل وعام. مشروعي مثلاً يمثّل جزءاً صغيراً من الذكاء الاصطناعي. أنا لم أتعمق في الذكاء الاصطناعي بأكمله، بل ركزت فقط على التعلم الآلي وعلى جزئية التنبؤ تحديداً. أمضيت نحو 5 سنوات في هذا المجال ولا زلت أبحث عن طريقي. لذلك، عندما يأتي إليّ أشخاص يرغبون في دراسة الذكاء الاصطناعي، فإن أول سؤال أطرحه هو: حسناً، أي جزء تحديداً من الذكاء الاصطناعي؟ هذا هو التحدي الأول الذي يواجه الدارسين.
بعد تحديد المجال الذي ترغب في التركيز عليه، سواء كان التنبؤات أو الروبوتات أو غيرها، وبدء الدراسة فعلياً، ستواجه تحدٍ آخر: تكمن صعوبة الذكاء الاصطناعي في التفاصيل الدقيقة وفي غياب معايير محددة. لا تزال جزئيات هذا المجال غير معلومة تماماً. نعم، هناك مراجع، لكنها تختلف بشكل كبير فيما بينها. وهذا الأمر يدركه بشكل أكبر الباحثون في مرحلة الدكتوراة والأساتذة، وكذلك الشركات العملاقة التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي مثل جوجل ومايكروسوفت. حتى الآن، لا توجد معايير موحدة. في حالتي على سبيل المثال، اعتمدت على التعلم العميق، وعلى الرغم من وجود بعض المعايير في هذا المجال، مثل كيفية بناء النموذج، إلا أني اضطررت لإجراء تجارب عديدة لتحقيق الدقة المطلوبة. وهذه هي طبيعة الذكاء الاصطناعي؛ مجال يتطور باستمرار.
وبالتالي، ينبغي على أي شخص يرغب في دراسة هذا المجال أن يمتلك القدرة على التعلم المستمر، وأن يكون لديه العقلية والمرونة اللازمة لفهم هذه التحديات والتكيُّف معها، وأن يسعى لتوصيل مساهماته إلى جمهور أوسع.
أمّا التحدي الثالث فيواجه خريجي تخصص الذكاء الاصطناعي، وهو يتعلق أساساً بالفجوة الكبيرة بين المهارات الوظيفية التي تطلبها الشركات، وبين ما درسه الباحثون فعلياً. فحتى أولئك الذين يحملون درجة الدكتوراة في هذا المجال غالباً ما يكونون قد استخدموا أداة واحدة أو مجموعة صغيرة من الأدوات لفترة طويلة. في حين تتوقع الشركات أن يكون المتقدمون للوظائف على دراية بعدد كبير من الأدوات ولديهم مجموعة واسعة من المهارات، ومن هنا تنشأ الفجوة.
من هذا المنطلق، أعتقد أن الجامعات والمؤسسات التعليمية التي تُدرِّس هذا التخصص يجب أن توفر برامج تدريبية للطلاب، سواء خلال فترة دراستهم أو بعدها، لضمان الوصول إلى توافق مباشر مع متطلبات الشركات، ما يضمن تجهيز هؤلاء الخريجين بالمهارات اللازمة لبدء العمل فوراً. أما بالنسبة للشركات الكبرى، فأرى أنه من الضروري أن تستثمر في تدريب المتخصصين في تلك المجالات التي ترغب في العمل فيها مدة 6 أشهر أو سنة، قبل أن تتخذ قراراً بشأن مدى جاهزيتهم للعمل.
وبالإضافة إلى المؤسسات التعليمية والشركات، يمكن أن تتولى شركات وسيطة تنظيم دورات تدريبية مكثفة للمتخصصين في الأدوات والمهارات التي عادة ما تطلبها الشركات الكبرى، ثم تقوم بالتواصل مع الشركات الكبرى لربط المتخصصين بها. وهو ما حاولت تحقيقه من خلال شركتي "ماتشي ماتشي".
ومن خلال تجربتي مع العاملين في هذا المجال، أعتقد أن هناك العديد من الباحثين والخريجين الذين يواجهون هذه المشكلة. ويضطر بعضهم أحياناً إلى العمل في مجالات أخرى حتى يتمكن من سد الفجوة بين المهارات التي يمتلكونها وتلك التي تتطلبها الشركات.
اقرأ أيضاً: من كندا إلى قطر: كيف يرى الدكتور حسن بزي مسيرته العلمية في المدينة التعليمية؟
كيف يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية؟ وما هي إيجابيات استخدام أدوات مثل "تشات جي بي تي" في التعليم وسلبياته؟
يعتمد ذلك على تعريفك للذكاء الاصطناعي في هذا السياق. هل تسعى إلى تعليم الطلاب كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤات والتحليلات، أم استخدام "تشات جي بي تي" مثلاً كمحرك بحث؟
إن وجود "تشات جي بي تي" وغيره من الأدوات أصبح واقعاً لا مفر منه، واستخدامه له جانب إيجابي وجانب سلبي. فعلى سبيل المثال، إذا اعتمد الطلاب عليه بشكل كامل، فإن هذا يُعد استخداماً سلبياً لأنه يُفقد العملية التعليمية غايتها الأساسية، وهي التعلم ذاته.
لذلك، ينبغي أن نجد طرقاً لتوظيفه بشكل إيجابي. وأعتقد أن إحدى هذه الطرق تكمن في تغيير أسلوب تقييم الطلاب. عادةً، لا أعتمد فقط على ما يكتبه الطلاب في الأوراق، بل أفضل نظام التقييم المستمر. يجب على الطلاب تقديم مشاريعهم الخاصة والمشاركة في أنشطة متعددة خلال المحاضرات. كما يتعين على المحاضر مقارنة أداء الطلاب في الأنشطة العملية مع نتائج أبحاثهم. وبصورة عامة، يجب علينا كمحاضرين وأكاديميين أن نتمكن أولاً من التكيف مع التكنولوجيا الحديثة وأن نستخدمها بأساليب مبتكرة.