هل علينا تغيير مصطلح “الذكاء الاصطناعي” لإزالة المخاوف المرتبطة به؟

4 دقائق

يتضمن مسلسل "ويست وورلد Westworld" من شبكة HBO التلفزيونية حبكة مألوفة: مضيفون آليون يثورون ضد صانعيهم القساة من البشر. ولكن أهذه مجرد حبكة خيالية وحسب؟ إنه سؤال مشروع، خصوصاً بأن بعض الأذكياء من أمثال بيل جيتس وستيفن هوكينج حذرونا من أن الذكاء الاصطناعي قد يسلك درباً خطيرة، ويهدد بقاء الجنس البشري.

لا يقتصر القلق على هؤلاء الأفراد، فقد أصدرت لجنة الشؤون القانونية في البرلمان الأوروبي في 2017 تقريراً يدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض تسجيل الروبوتات الذكية، ومن أسباب هذا الطلب تقييم صفاتها الأخلاقية. كما أن حركة "أوقفوا الروبوتات القاتلة"، والتي تعارض استخدام ما يسمى بالأسلحة المؤتمتة في الحروب، فرضت شيئاً من التأثير على سياسة الأمم المتحدة ووزارة الدفاع الأميركية.

يبدو أن الذكاء الاصطناعي يعاني من مشكلة في العلاقات العامة. وعلى الرغم من أن الآلات أصبحت قادرة على تأدية بعض المهام التي كانت تقتصر على البشر – وبشكل جيد – مثل لعب الشطرنج وقيادة السيارات، فإن هذا لا يعني أن الآلات أصبحت أكثر ذكاء وطموحاً، بل يعني أنها تحقق الهدف الذي بنيناها من أجله وحسب.

صحيح أن الروبوتات اقتربت من الانتشار على نطاق واسع، ولكنها لن تستهدفنا، لأنها ليست مجموعة أو مجتمعاً. فالآلات مختلفة عن البشر، ولا يوجد دليل مقنع على أنها ستكتسب الوعي في المدى المنظور.

جيري كابلان

لقد كنا نستبدل العمال المهرة وذوي الخبرة على مدى قرون كاملة، ولكن الآلات لا تطمح للحصول على وظائف أفضل أو نسب توظيف أعلى. وعلى سبيل المثال، فقد حلت أنوال الجاكار محل العمال البشر في القرن التاسع عشر، ولكن هذه الأجهزة المثيرة للإعجاب – والتي كانت تُبرمج باستخدام البطاقات المثقبة للحصول على الكثير من الأنماط النسيجية – لم تودِ بصانعي الملابس والخياطين إلى الإفلاس. وحتى منتصف القرن العشرين، كنا نعتمد على أفضلنا وأذكانا لإجراء الحسابات، وقد كانت مهنة "الحاسب" من أكثر المهن احتراماً. أما الآن، فإن الآلات التي تستطيع القيام بهذه الأعمال أصبحت عبارة عن هدايا ترويجية في المعارض التجارية، بحيث يستطيع ذوو المهارات الرياضية التركيز على مهام أكثر صعوبة، مثل التحليل الإحصائي.

وقريباً، ستصبح سيارتك قادرة على نقلك إلى المكتب عند الطلب، ولكنك لن تقلق من أن تقوم هذه السيارة بالاشتراك مع شركة أوبر حتى تكسب بعض النقود الإضافية أثناء تواجدك في المكتب (ما لم تطلب منها ذلك).

يعتمد الذكاء الاصطناعي على بعض التكنولوجيات ذات القدرات الكبيرة، ولكنها غير متسقة إلى حد كبير كما قد تتوقع. فقد ركز الباحثون في البداية على أساليب للتلاعب بالرموز وفقاً لقواعد محددة، وهو ما كان مفيداً في أمور مثل برهنة النظريات الرياضية وحل الأحاجي ووضع مخططات الدارات التكاملية. ولكن ظهرت بعض المشاكل المعروفة في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل تحديد الأجسام في الصور وتحويل الكلمات المنطوقة إلى لغة مكتوبة، والتي لم يتمكن الباحثون حلها بهذه الطريقة. ظهرت لاحقاً تقنيات أخرى – تحت شعار التعلم الآلي الطموح – أثبتت أنها مناسبة لمثل هذه التحديات.

تقوم برامج التعلم الآلي باستخلاص الأنماط المفيدة من مجموعات كبيرة من البيانات، وتعتمد عليها أنظمة التوصيات على أمازون ونيتفليكس، وتحسن من نتائج محرك البحث جوجل، وتصف الفيديوهات على يوتيوب، وتقوم بالتعرف على الوجوه، والتعامل بالأسهم، وقيادة السيارات، وحل الكثير من المشاكل الأخرى التي يمكن التعامل فيها مع البيانات الكبيرة. ولكن لا تمثل أي من الطريقتين الهدف الأسمى للذكاء، بل هما موجودتان ضمن مجال الذكاء الاصطناعي بدون علاقة واضحة بينهما. ويثير وجود طريقتين أساسيتين تتمتعان بنقاط قوة مختلفة تساؤلات عما إذا كانت أي منهما تصلح كأساس لنظرية عالمية للذكاء.

بشكل عام، فإن إنجازات الذكاء الاصطناعي التي يتغنى بها الإعلام ليست دليلاً على تطور كبير في هذا المجال. حيث أن برنامج جوجل الذي فاز بمسابقة جو في 2016 لم يكن نسخة محسنة من البرنامج الذي وضعته آي بي إم والذي انتصر على بطل العام في الشطرنج في 1997، كما أن ميزة السيارة التي تجعلها تطلق إنذاراً إذا ما انحرفت عن مجازك ضمن الطريق تعمل بشكل مختلف تماماً عن الميزة التي تقوم بتخطيط مسارك. وفي الواقع، فإن الإنجازات التي يتحدث الإعلام عنها بكل ذهول ليست سوى مختارات من مجموعة أكبر من الأدوات والأساليب المتنوعة. وقد يكون من السهل أن نعتبر أن الضجيج الإعلامي حول تفوق الآلات في هذه المهمة أو تلك يمثل دليلاً على أن هذه الأدوات أصبحت أكثر ذكاء، ولكن هذا ليس الواقع.

بدأ الجدل العام حول الذكاء الاصطناعي بالانفصال عن الواقع لعدة أسباب، منها عدم وجود نظرية متسقة. ومن دون وجود هذا الأساس النظري، لن يتمكن الناس من قياس مدى التقدم في الحقل، فأصبح تصنيف وتقييم التطورات عملية أقرب إلى التخمين. ولهذا، فإن وجهات النظر السائدة هي التي تنتج عن ذوي الأصوات الأكثر ارتفاعاً، لا أصحاب الخبرة، ما يسمح للتقارير الصحفية حول الروبوتات القاتلة بالانتشار بدون أي قيد.

برأيي الشخصي، فإن إحدى مشاكل الذكاء الاصطناعي هي الاسم نفسه، والذي وُضع منذ أكثر من 50 سنة لوصف الجهود التي تحاول برمجة الحواسيب لحل البرامج التي تتطلب الذكاء أو الاهتمام البشري. ولو تم إطلاق اسم أقل إثارة للخوف على الذكاء الاصطناعي، لبدا مألوفاً أكثر، مثل بحوث العمليات أو التحليل التوقعي.

يمكن أن نقترح اسماً أقل إثارة للاستغراب، مثل "الحوسبة الإنسانية". وقد يتضمن شعارٌ عريضٌ مثل هذا الشعار الجهود الرامية إلى تصميم أنظمة حاسوبية مستوحاة من البنى البيولوجية، والآلات التي تقلد الأنماط أو القدرات البشرية، والبرامج التي تتفاعل مع البشر بأساليب طبيعية ومألوفة.

علينا أن نكف عن وصف هذه الأعاجيب العصرية بأنها نماذج أولية لمحاولاتنا لمحاكاة البشر، ونتحدث عنها بوصفها جيلاً جديداً من الآلات المرنة ذات القدرات الكبيرة وحسب. يجب أن نكون حذرين في كيفية تطبيق واستخدام الذكاء الاصطناعي، ولكن ليس لأننا ربما نطلق العنان لمخلوق خرافي قد ينقلب علينا، بل يجب أن نقاوم ميلنا إلى نسب الصفات البشرية إلى ابتكاراتنا، وتنقبل هذه الاختراعات الرائعة على طبيعتها وحسب، أي أنها أدوات ذات قدرات كبيرة تعد بمستقبل أكثر ازدهاراً وراحة.

يُذكر أن جيري كابلان يقوم بتدريس الآثار الاجتماعية والاقتصادية للذكاء الاصطناعي في جامعة ستانفورد. وآخر مؤلفاته: " Artificial Intelligence: What Everyone Needs to Know" من مطبعة جامعة أوكسفورد.

المحتوى محمي