على الرغم من أن إنشاء شخصيات رقمية فائقة الواقعية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي أصبح سهلاً، إلا أن الحديث حول هذه الأدوات يتركز في الغالب حول استخدامها في إنشاء محتوى مضلل وخطير. بيد أن الباحثين في مختبر الوسائط التابع لجامعة إم آي تي يعتقدون أنه من الممكن استخدام هذه التقنية لأغراض إيجابية، كإعادة إحياء ألبرت أينشتاين لتدريس الفيزياء للطلاب مرة أخرى، أو التحدث مع شخصك الأكبر سناً حول تغيير مهنتك، أو إخفاء هوية الأشخاص مع الحفاظ على التواصل باستخدام الوجه.
كيف تستخدم تقنية التزييف العميق لأغراض إيجابية؟
لتشجيع الإمكانات الإيجابية لهذه التقنية -التي يعرفها الناس في الغالب من خلال المزيفات العميقة (Deepfakes)- قام باحثو مختبر الوسائط والمتعاونون معهم من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا وجامعة أوساكا اليابانية، بإعداد "أنبوب تجزئة" (Pipeline) مفتوح المصدر وسهل الاستخدام لتوليد الشخصيات. ويجمع هذا الأنبوب بين نماذج الذكاء الاصطناعي المستخدمة لتوليد إيماءات الوجه والصوت والحركة، ويمكن استخدامه لإنشاء مجموعة متنوعة من مخرجات الصوت والفيديو.
ويقوم أنبوب التجزئة (مصطلح يستخدم في الحوسبة للإشارة إلى مجموعة من عناصر معالجة البيانات المتصلة في سلسلة، حيث يكون مخرج عنصر واحد هو مدخل العنصر التالي) أيضاً بوسم هذه المخرجات بعلامة مائية يمكن تتبعها، لتمييزها عن محتوى الفيديو الأصلي وإظهار كيفية إنشائها، والمساعدة في منع استخدامها بطريقة ضارة.
وكتب الباحثون في دراستهم المنشورة بدورية (Nature Machine Intelligence)، إنهم يأملون أن تلهم هذه التقنية المتخصصين في مختلف المجالات لاستكشاف طرق يمكن بها لهذه الأدوات أن تساعدهم في مجالات تخصصهم، وأضافوا أنه إذا أتيحت الفرصة للمزيد من الطلاب والمعلمين والعاملين في مجال الرعاية الصحية والمعالجين لبناء واستخدام هذه الشخصيات، فإن النتائج يمكن أن تحسن الصحة والرفاهية وتساهم في التعليم الشخصي، وتجنب التحديات الأخلاقية المتعلقة بالخصوصية والتحريف. فتقنية التزييف العميق أداة قادرة على التعبير الإبداعي كما وصفها «بات باتارانوتابورن» المؤلف الأول للدراسة.
اقرأ أيضاً: المحتالون يستخدمون فيديوهات التزييف العميق في شتّى عمليات الاحتيال
الأغراض الإيجابية لاستخدام التزييف العميق
التحدث مع شخصك الأكبر سناً، أو الأصغر
بدأ «باتارانوتابورن» رحلة غير عادية مع تقنية التزييف العميق في مشروع يسمى «ماكينويا» (Machinoia)، وفيها كوّن 3 شخصيات لنفسه، طفل وعجوز وأنثى، وأجرى حواراً ذاتياً مع شخصياته هذه حول خيارات الحياة من وجهات نظر مختلفة لكلٍ منها. وقد جعلته هذه التجربة يستكشف ذاته، ووصفها بأنها "حقيقة عميقة" وبأنه استطاع استكشاف أشياء عن نفسه لم يفكر فيها من قبل.
كانت هذه إحدى التطبيقات الإيجابية للشخصيات التي يولدها الذكاء الاصطناعي، فقد استطاع إنشاءها باستخدام شبكات تسمى «الشبكات التوليدية التنافسية GANS»، وهي مزيج من شبكتين عصبونيتين تتنافسان ضد بعضهما بعضاً، جعلت من السهل إنشاء صور واقعية، وأصوات وتحريك الوجوه.
اقرأ أيضاً: فيديوهات التزييف العميق تتطور بسرعة أذهلت حتى أبرز خبراء التزييف العميق في العالم
المتعة في التعلّم
من إيجابيات هذه التقنية أيضاً أنه يمكن استخدامها في التعليم، إذ أن توليد الشخصيات بهذه الطريقة يزيد حماس الطلاب للتعلم، ويحسّن أداء مهامهم المعرفية. على سبيل المثال، استخدم باحثو جامعة إم آي تي أنبوب التجزئة الخاص بهم لإنشاء نسخة اصطناعية من الموسيقي الراحل «يوهان سيباستيان باخ»، والذي أجرى محادثة مباشرة مع عازف التشيلو الشهير «يو يو ما» في فصل للأستاذ الملحن والمبتكر في تطبيق التكنولوجيا في الموسيقى «تود ماتشوفر»، ما أسعد الطلاب وزاد تفاعلهم.
الصحة العقلية
من التطبيقات الأخرى لهذه التقنية، تجاوز النقص في أعداد المتخصصين في الصحة العقلية، والوصول إلى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة العقلية، ولم يتلقوا مشورة صحية من قبل، أو أولئك الذين يعانون من القلق الاجتماعي، وذلك بتوليد الشخصيات التي تساعدهم في تقديم العلاج. إن استخدام التقنية في هذه الحالة يفيد في إخفاء الهوية في الفيديو، حيث يشارك الأشخاص معلومات حساسة، مع الحفاظ على تعابير الوجه والعواطف.
اقرأ أيضاً: مخاطر التزييف العميق: تطبيق يستبدل وجوه النساء بنقرة زر
التحديات القانونية والأخلاقية
تثير تطبيقات الشخصيات التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي قضايا قانونية وأخلاقية. على سبيل المثال، كيف سنقرر من له الحق في إعادة إنشاء شخصية تاريخية رقمياً؟ من هو المسؤول قانوناً إذا روج استنساخ الذكاء الاصطناعي لشخص مشهور لسلوك ضار عبر الإنترنت؟ وهل هناك خطر من أن نفضل التفاعل مع الشخصيات الاصطناعية على البشر؟
أجرى الباحثون هذه الدراسة لتحقيق الفائدة من هذه التقنية، وعدم توجيهها نحو قضايا لا أخلاقية، عبر رفع مستوى الوعي حول تطبيقات التقنية الإبداعية والإيجابية، وتثقيف الأشخاص أيضاً حول الفوائد والأضرار المحتملة للتكنولوجيا، واتخاذ الإجراءات الفنية والقانونية والسياسية والتعليمية المناسبة.