منذ ثلاثة أعوام، تفشى فيروس كورونا من الصين إلى جميع أنحاء العالم، وأصابت العدوى الملايين، حصدت أرواح الكثيرين منهم، بينما استطاع آخرون التعافي بعد صراع مرير مع العدوى الحادة من كوفيد-19، أما البعض فكانت إصاباتهم خفيفة نسبياً، لكنهم أُصيبوا لاحقاً بأعراض موهنة، في حالة عُرفت بـ "متلازمة كوفيد-19 طويلة الأمد".
لماذا تعتبر متلازمة كوفيد-19 طويل الأمد خطرة؟
تكمن خطورة كوفيد-19 طويل الأمد بتسببه في تلف الرئتين وأذيته لكل عضو من أعضاء الجسم، بالإضافة إلى الالتهابات ومشكلات في الجهاز المناعي والكثير من ردود الفعل المعقدة. ليس من السهل تبيّن من هم الأشخاص الذين سيعانون من هذه الحالة بعد إصابتهم بعدوى فيروس كورونا، لذلك لجأ الباحثون إلى تحليل السجلات الطبية الإلكترونية لملايين المرضى الذين أُصيبوا بعدوى كوفيد-19 طويلة الأمد باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، آملين أن يقدم ذلك لهم فهماً أعمق للمرض وللأعراض الكثيرة والمتنوعة.
اقرأ أيضاً: ما هي مضاعفات كورونا على المدى الطويل؟
كيف يسخر الباحثون تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في فهم كوفيد-19 طويل الأمد؟
تختلف احتمالية إصابة الأشخاص بمتلازمة كوفيد-19 طويلة الأمد، كما تختلف الأعراض من شخص إلى آخر، وكان من الصعب على الأطباء تحديد القواسم المشتركة بين هؤلاء الأشخاص والتي ربما تجعلهم عرضة للإصابة. لكن تمكن الباحثون من تسخير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للمساعدة في حل هذه المشكلة.
على سبيل المثال؛ في دراسة نُشرت في دورية "ذا لانستديجيتال هيلث" (The Lancet Digital Health)، عمل الباحثون من جامعة نورث كارولينا وجامعة كولورادو الطبية على تدريب 3 نماذج تعلم آلي على بيانات الآلاف من السجلات الصحية الإلكترونية للمرضى الذين أُصيبوا بالعدوى، لمعرفة الأشخاص الذين قد يعانون من كوفيد-19 طويل الأمد.
اقرأ أيضاً: هل يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على القراءة أن (تقرأ) تحولات فيروس كورونا؟
يحدد النموذج الأول المرضى الذين قد يصابون بكوفيد-19 طويل الأمد، والثاني يركز على الأشخاص الذين دخلوا إلى المستشفى، والثالث على أولئك الذين لم يدخلوا المستشفى.
وفي النتيجة كانت نماذج الذكاء الاصطناعي الثلاثة قادرة على تحديد الأشخاص الذين يعانون من كوفيد-19 طويل الأمد تماماً كالبشر، وذلك بنسبة 85% أو أكثر، أي أنه يمكن بالاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحديد المرضى الذين قد يعانون من العدوى طويلة الأمد، وتلقيهم الرعاية الصحية المناسبة.
اقرأ أيضاً: الذعر من فيروس كورونا: عن الحياة تحت سطوة الذكاء الاصطناعي
تطوير علاجات كوفيد-19 طويل الأمد بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي
إذا استطاع الباحثون تبيّن السبب وراء إصابة المرضى بالعدوى طويلة الأمد، يمكنهم تطوير علاجات فعالة بشكل أسرع. لذلك، في دراسة أخرى نشرت في "ميد ريكسيف" (medRexiv) ولم تخضع لمراجعة الأقران بعد، تم التركيز على فحص أنماط التشخيص لدى مرضى كوفيد-19 طويل الأمد (بعد 30 - 180 يوماً من الإصابة الأولية بالفيروس) باستخدام التعلم الآلي والذي تم عبره فحص آلاف السجلات الطبية الإلكترونية للمرضى.
وجد الباحثون في هذه الدراسة، والتي شارك فيها الأستاذ المساعد لسياسة الرعاية الصحية والبحوث في "وايل كورنيل" للطب في نيويورك "فاي وانغ"، أنه يمكن تصنيف مرضى كوفيد-19 طويل الأمد إلى أربعة أنماط بحسب الخطورة والمشكلات التي يعاني منها المصابون مسبقاً، أو المضاعفات بعد الإصابة:
- المرضى الذين يعانون من مشكلات في الدم والقلب، وتضم هذه الفئة العدد الأكبر من المرضى الذين يعانون من أمراض موجودة مسبقاً، وهم الذين يعانون من العدوى الأكثر شدة، ومن المرجح أن العديد منهم أصيبوا خلال الموجة الأولى التي ضربت مدينة نيويورك في ربيع عام 2020.
- المرضى الذين يعانون من مشكلات في الجهاز التنفسي مصحوبة بمشكلات في النوم، وكانت إصابة هؤلاء معتدلة.
- المرضى الذين يعانون من مشكلات عضلية هيكلية جديدة ومشكلات نفسية وعصبية.
- المرضى الذين يعانون من مشكلات في الجهاز الهضمي، وآلام في البطن.
أيضاً من المحتمل أن يكون بعض المرضى الذين يشكون من أمراض جديدة بعد كوفيد-19 لديهم مشكلات غير ذات صلة. ومن هنا تظهر أهمية مساعدة الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأنماط بين المصابين، وتصنيفهم حسب عدة متغيرات، ما يمكنهم من التعرف على أنماط كوفيد-19 طويل الأمد التي قد ترتبط بموجات مختلفة من العدوى.
يوضح وانغ ذلك بمثال، إذ يقول إن الموجة الأولى من الجائحة شهدت دخول الكثير من الأشخاص إلى المستشفى، ومكثوا لأيام في وحدة العناية المركزة، واضطر الأطباء لوضعهم على التهوية الميكانيكية، وأضاف وانغ: "كان معدل الوفيات أيضاً هو الأعلى في ذلك الوقت".
اقرأ أيضاً: كيف وظّفت شركة بايدو الصينية الذكاء الاصطناعي لمحاربة فيروس كورونا؟
لكن ما السبب في ظهور الأعراض طويلة الأمد؟ هل الإصابة بفيروس كورونا نفسه؟ أم بسبب بقاء المريض في وحدة العناية المركزة لمدة ليست بالقصيرة، متعرضاً للتعب والإنهاك بسبب التنبيب والبقاء في السرير لفترات طويلة؟
ما زلت الإجابة عن هذا السؤال مبهمة، وهي مثال عمّا يأمل الباحثون في إيجاده باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما يأملون بإيجاد علاجات مناسبة للملايين الذين نجوا من الفيروس ليجدوا أنفسهم في معركة أشد ضراوة ضد متلازمة كوفيد-19 طويلة الأمد.