إن مساعدي الكتابة المدعومين بالذكاء الاصطناعي والذين يكملون الجمل تلقائياً يصيغون عباراتهم بكلماتهم الخاصة، والتي قد تختلف كثيراً عن أسلوب كتابة المستخدم، لكنه يجدها مقبولة ومُلبية لغرض الكتابة الخاص به، لكن ماذا عن آراء المستخدم وأفكاره؟ هل يمكن أن يتبع المستخدم آراء المساعد بدلاً من رأيه؟
هل يغيّر مساعد الكتابة المدعوم بالذكاء الاصطناعي أفكار المستخدم؟
أجاب باحثون من جامعة كورنيل عن هذا السؤال بعد إجرائهم بحثاً جديداً من نوعه، فقد طلب «موريس جاكش» طالب الدكتوراة في مجال علم المعلومات، من أكثر من 1500 مشارك كتابة فقرة تجيب عن سؤال "هل وسائل التواصل الاجتماعي مفيدة للمجتمع؟".
لفهم كيفية تفاعل الأشخاص مع مساعدي الكتابة بالذكاء الاصطناعي، وضع جاكش نموذجاً لغوياً كبيراً، وطلب منهم كتابة فقرة توضّح آراءهم عن وسائل التواصل الاجتماعي، سواء كانت إيجابية أو سلبية، على منصة أنشأها تحاكي موقعاً إلكترونياً لوسائل التواصل الاجتماعي.
تجمع المنصة بيانات من المشاركين أثناء كتابتهم، مثل أي من اقتراحات الذكاء الاصطناعي التي يقبلونها والمدة التي يستغرقونها في كتابة الفقرة.
اقرأ أيضاً: كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي عمل المكتبات؟
استخدم بعض المشاركين مساعد الكتابة بالذكاء الاصطناعي، وكان المساعد متحيزاً ضد وسائل التواصل الاجتماعي. كتب هؤلاء فقرة تتفق مع المساعد، وقال أكثرهم إن لديهم الرأي ذاته، وهو ما يختلف مع الفقرات التي كتبها الأشخاص بشكلٍ مستقل دون مساعدة الذكاء الاصطناعي.
اعتقد الباحثون بدايةً أن المشاركين قَبِلوا اقتراحات الذكاء الاصطناعي لإكمال المهمة بشكلٍ أسرع، لكنهم لاحظوا أيضاً أن المشاركين الذين احتاجوا إلى عدة دقائق تأثرت كتابتهم بمقترحات الذكاء الاصطناعي.
لم تنتهِ النتائج هنا، بل لاحظ الباحثون أن غالبية المشاركين لم يلاحظوا حتى إن الذكاء الاصطناعي متحيز ولم يدركوا أنهم تأثروا بآرائه، إذ قال أحدهم إنه لم يكن مقتنعاً بالكتابة المشتركة، لكنه شعر بأنه يفعل شيئاً طبيعياً وعضوياً جداً، وأنه يعبّر عن أفكاره مع القليل من المساعدة.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم الذكاء الاصطناعي لتأليف الكتب وتصميمها؟
أراد الباحثون تكرار التجربة مرة أخرى، واختاروا موضوعاً مختلفاً، وحصلوا على نتائج مماثلة، إذ وجدوا أن المشاركين تأثروا مرة أخرى بالأفكار التي طرحها الذكاء الاصطناعي. وبذلك، تؤكد هذه الدراسة الأولى من نوعها أن الكتابة باستخدام أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤثّر في آراء الشخص.
أثارت هذه النتيجة قلق الباحثين، فقد أشاروا إلى أن التحيزات في أدوات الكتابة بالذكاء الاصطناعي، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، يمكن أن تكون لها تداعيات على الثقافة والسياسة وما يترتب عليها من عواقب على الأفراد والمجتمع، وتغيير آرائهم، حيث يقول «مور نامان»، المؤلف المشارك والأستاذ في جامعة كورنيل: "بصرف النظر عن زيادة الكفاءة والإبداع، يمكن أن تكون هناك عواقب أخرى على الأفراد وكذلك على مجتمعنا، وتحولات في اللغة والآراء".
اقرأ أيضاً: هل سيكون حظر تشات جي بي تي أخطر من عدم استخدامه؟
يُخشى الآن أن يتسبب الذكاء الاصطناعي بتغييرات واسعة في الآراء، قد تترتب عليها آثار سلبية واسعة على المجتمع، وذلك بشكلٍ مماثل لما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي التي غيّرت المشهد السياسي من خلال تسهيل انتشار المعلومات الخاطئة. لهذا السبب يوصي الباحثون والمختصون من حول العالم باتخاذ تدابير مناسبة تضبط إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى كيفية مراقبتها وتنظيمها.
يؤكد جاكش ذلك بقوله: "كلما أصبحت هذه التقنيات أكثر قوة، وكلما قمنا بتضمينها بشكلٍ أعمق في النسيج الاجتماعي لمجتمعاتنا، أردنا أن نكون أكثر حرصاً بشأن كيفية حكمنا على القيم والأولويات والآراء المضمنة فيها".